كثيراً ما يغضب الأصدقاء في مصر عندما نقول لهم بان العقل المصري هو في حقيقة الأمر : (عقل سلفي) .. وكنا حقيقة نتعجب ونأسى لهم عندما كنا نراهم بميدان "التحرير" يطالبون بالحرية بأفكار سلفية ، وبشعارات هزيلة وبالية تتصادم مع مبدأ الحرية نفسه .. وكنا نقول لهم بان أول سلم الحرية يبدأ ب( تحرير العقول) .. لأن الحرية لا تتحقق بلا عقول حرة .. وكم ناشدناهم مراراً وتكراراً بان يتواضعوا ويتخلوا عن التعالي الزائف .. بل وذهبنا أكثر أكثر من ذلك آخذين في الحسبان تعالي غالبية النخبة المصرية على كل ماهو "سوداني" ، وطالبناهم بان يعتبروننا من "المجانين" فيأخذون "الحكمة" من أفواهنا على هذا الأساس .. ولكن لم يستبينوا النصح وكان ما كان بزمن "الاخوان" ، وبالطبع لن يستبينوا نصحنا حتى ضحى الغد ! وهاهي سلفية مصر تتجلى عياناً بياناً بلا حشمة وبلا أدنى حياء أو خجل .. وذلك في الحكم الذي أصدرته أمس الأول محكمة الإستئناف بالقاهرة بحق الباحث في التراث الإسلامي الدكتور / "اسلام البحيري" ، وسجنه لمدة (عام) مع النفاذ !! ولا أعرف هل خجل أحد آخر في مصر من الحكم الفضيحة خلاف الأستاذ الصحفي الكبير "ابراهيم عيسى" .. الذي وصف الحكم بالمُخجل والمُعيب ، قائلاً بشجاعة يُحسد عليها ، ان (الدولة المصرية سلفية ، وكذلك الحكومة ، لأنهما لم تعيا معنى تجديد الخطاب الدينى ، بل يعتمدان على ثقافة خطب الجمعة وبرامج التلفزيون) . الحقيقة ان مصر الحالية مصابة بإنفصام حاد في الشخصية .. ففي حين اننا نراها تشن حملة عسكرية ضخمة مستخدمة الطائرات والدبابات والقنابل والقذائف على دعاة " الفكر الإسلامي المتطرف" في "سيناء" ، نجدها في ذات الوقت تشن حملة قمعية أخرى على من يتصدون لذات الفكر بالعقل والحجة والفكر في القاهرة ؟! ان الحكم بسجن الباحث "اسلام بحيري" عار على مصر وعلى تاريخها وإنسانها ، وحتماً سيسجل التاريخ ان يوم 29 ديسمبر من العام 2015 هو يوم نكسة و"وكسة" في تاريخ مصر ، وسقوطها ، وهزيمتها .. وان مصر التي تزدري نفسها بهذا الشكل الفضائحي المُشين إنما تدخل إلى مرحلة مظلمة جديدة في تاريخها .. مرحلة تسجن العقل والضمير وتستتفه حرية التفكير والتعبير .. وهي نتيجة طبيعية لسياسة محاربة (الأخونة) ب (الأترسة) – أي بجماعات "الألتراس" السياسي الذين خرجوا من كل فج عميق ، والذين اتضح – عملياً- انهم كما رصفائهم في الرياضة ، يهتفون بلا وعي ويتصرفون بلا عقل .. نقولها دون مجاملة أو وجّل ان الذي أسسته المحكمة في حكمها بسجن الباحث "اسلام البحيري" يعتبر إنتصاراً للفكر الظلامي المتخلف .. وتقهقراً لمصر من دولة مدنية كبيرة وتحولها إلى دولة دينية قمعية .. لذا نعلن تضامننا التام مع الباحث "اسلام البحيري" وكل دعاة الفكر والإستنارة.. ونؤكد وقوفنا اللا محدود مع حرية الفكر والتعبير والضمير ، ومع الدولة المدنية في مصر ، وضد الفكر الظلامي البائس .. الحرية ل"اسلام البحيري" ، وليخسأ الظلاميون و(البخاريون).