رشان أوشي: تحدياً مطروحاً.. و حقائق مرعبة!    محمد صديق، عشت رجلا وأقبلت على الشهادة بطلا    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    الإمام الطيب: الأزهر متضامن مع طهران.. وأدعو الله أن يحيط الرئيس الإيراني ومرافقيه بحفظه    عقار يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم "امتحان الشهادة السودانية"    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    عائشة الماجدي: نشطاء القحاتة أشباه الرجال بمرروا في أجندتهم في شهادة الغالي محمد صديق    إنجاز قياسي.. مانشستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي للمرة الرابعة توالياً    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    سُكتُم بُكتُم    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الستين للإستقلال: وثائق .. في دفتر النضال الوطني !! (2-2)
نشر في حريات يوم 05 - 01 - 2016

كتب الأستاذ التجاني عامر، المؤرخ السوداني المعروف، رحمه الله، وهو يتحدث عن الاحزاب السودانية ( الحزب الجمهوري: قد يكون هذا الحزب من أقدم الأحزاب السودانية بحساب الزمن، وهو أول حزب صغير، يعمل خارج نطاق النفوذ الطائفي باصرار، بل بمناجزة وصدام، واسمه يدل على المنهج الذي انتهجه لمصير السودان ومؤسس الحزب هو الاستاذ محمود محمد طه، الذي كان من أبرز الوجوه الوطنية، في مستهل حركة النضال ) الى ان يقول ( وقد تعرض محمود للسجن الطويل، في خصومات أيجابية مع الانجليز، منها حادث " الطهارة الفرعونية" في رفاعة، وهو حدث اجتماعي، رفعه محمود الى مستوى المساس بالدين والوطن)( صحيفة الصحافة 16/4/1975م).
وحادث رفاعة الي أشار إليه الأستاذ التجاني جاء في الصحف السودانية في ذلك الوقت على النحو التالي:
( نشرنا قبل أيام ، أن السلطات في رفاعة حكمت على امرأة بالسجن تحت قانون منع الخفاض ، لأنها خفضت بنتاً، وأن الجمهور قابل هذا العمل بروح الاستياء العميق واضطرت السلطات الى اطلاق سراح المرأة بضمانة .. وجاءنا اليوم تلغرافيا، بتوقيع أهالي رفاعة، أن السلطات عادت فسجنت المرأة ، وعندما علم الجمهور بالأمر خرج من الجامع، واقتحم السجن، وأطلقوا سراح المرأة، ومكث أفراده الذين ملأوا السجن بدلا عنها .. فأمر المفتش بسجن الضامنين ، ولكن الجمهور رفض ذلك أيضا ، وفي منتصف ليلة البارحة اقتحم البوليس منزل المرأة، وأخذها الى جهة غير معلومة .. فقامت رفاعة بأسرها قاصدة الحصاحيصا، ومنعت السلطات المعدية من العبور، وأضربت المدارس، وأغلق السوق، وقامت مظاهرة عمومية، ويحتشد الجمهور الآن بالشاطيء، وفي كل مكان. تعليق :- رغم منع السلطات عبور المعدية فان الجمهور عبر بقوارب الصيد) (الرأي العام 21/9/1946م)
وجاء أيضاً( وقفنا بالقارئ أمس الأول عند تجمع سكان رفاعة على شاطئ النهر، ومنع المعدية من العبور .. وقد عبر بعد ذلك فريق من المتظاهرين الى الحصاحيصا، ومن هناك انضم اليهم خلق كثير من الناس .. فتوجه الجمع الى المركز في مظاهرات واسعة، وبدأوا في قذف المركز بالطوب وغير ذلك، فتحطم كثير من الأبواب، والنوافذ، واصطدم المتظاهرون بالبوليس الذي عمل جاهدا لتفريق المتظاهرين .. وعلى أثر ذلك ، أمر سعادة مدير الجزيرة بالنيابة باطلاق سراح المرأة السجينة، فأخذها جمع من الناس وتوجه بها الى منزلها برفاعة)(الرأي العام 23/9/1946م).
وجاء أيضاً :(جاءت قوة كبيرة من البوليس من مدني ، برئاسة مفتش المركز وفي نفس الوقت عسكر خارج رفاعة البلوك الرابع من فرقة الهجانة بقيادة الصاغ أحمد عبد الله حامد الذي دخل الى رفاعة برفقة ضابط سياسي ، وقابل المفتش، وقمندان البوليس، ورجع الى مقر فرقته .. واعتقل الأستاذ محمود محمد طه، وأحضر الى المركز .. وأثر ذلك تحرك جمهور كبير نحو المركز، وفي الحال نقل الأستاذ محمود الى معسكر البلوك الرابع، خارج المدينة .. وتحركت فصيلة من البلوك الرابع لتعزيز قوة بوليس مركز رفاعة .. وكان اطلاق الرصاص بأمر مفتش المركز، عندما رفض الجمهور اطاعة أوامر البوليس المتكررة بأن يتوقفوا عن تقدمهم صوب المركز، وقد أطلق البوليس دفعة فوق رؤوس الجمهور وهم على بعد 40 ياردة تقريبا من المركز، ولما لم يقفوا، أطلقت دفعة أخرى على الأرض أمام أقدامهم، في وقت كانت فيه مقدمة الجمهور على بعد 25 ياردة من المركز، ولم يصب غير أربعة أشخاص، أثنان منهم باصابات بسيطة جدا، وأما الرابع ، فقد كسرت ساقة كسرا سيئا)(الرأي العام 7/10/1946م).
كما جاء ( حكمت محكمة كبرى بودمدني برئاسة القاضي أبورنات، بسنتين سجن على الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري، بتهمة اثارة الشغب في رفاعة .. كما حكم عليه بوضعه تحت المراقبة لمدة سنة أخرى بعد اتمام مدة سجنه)( الرأي العام 17/10/1946م) .
وجاء في الأخبار ( علمنا أن الاستاذ محمود محمد طه رفض ان يقبل محامياً للدفاع عنه وانه أعلن بأنه لن يدلي بأية اقوال للتحقيق إلا على أساس مناقشة قانون منع الخفاض الفرعوني . وكان الاستاذان المحاميان الاستاذ أحمد خير والأستاذ زيادة قد تقدما للدفاع عن الاستاذ فشكرهما الاستاذ واعتذر لهما بأنه سيباشر القضية بنفسه )(الرأي العام 12/10/1946م).
حين وقف الاستاذ محمود، أمام القاضي ابورنات، في محكمة مدني، مدافعاً عن نفسه، كان مما قاله :
(1-أهالي رفاعة جميعهم أبرياء، وزملائي الذين سجنوا أبرياء، وأنا برئ، والمسألة في الحقيقة، سلسلة أخطاء من الإدارة، من أولها إلى آخرها .. كلما أخطأت الإدارة مرة، وتمسك الناس بحقهم، اعتبرته مساساً بهيبتها، فاستعلت، وأخذتها العزة بالإثم، فقفزت في خطأ آخر، هو في زعمها، يعيد لها هيبتها في نفوس الناس .. وما علمت أن إجتماع الأغلاط، لا ينتج منه ولا صواب واحد.
2-الوضع الصحيح المجمل لهذه المسألة، هو أن الإدارة قد ضربت أهالي رفاعة فصاحوا من ألم الضرب بصوت خفيض، ثم ضربتهم فصاحوا، ثم ضربتهم فصاحوا ، فاستاءت من أن يصيح المضروب المتألم ، فقدمتنا للمحاكمة، فكانت هذه المحكمة.. ولو كنا نملك ما تملك، لقدمناها نحن لهذه المحكمة، ولكنا لا نملك جيشاً، ولا بوليساً، ولا سجوناً وقيوداً، ولو ترك القطا ليلاً لنام.
3-قلت بالأمس، إني وبالمثل أي عضو من أعضاء الحزب الجمهوري، لا أنكر تهمة الإثارة، لمجرد أنها تهمة إثارة، إنما أنكر تهمة الإثارة، بالنقد الذي لا يحترم الحقائق وبالتشويش المغرض .. ولقد كان من دواعي الشرف لي، ولحزبي، لو صح أني أنا الذي أثرت أهالي رفاعة حول هذه القضية، لأنها من القضايا التي نقدنا فيها الحكومة، وسننقدها الى ان تقلع عنها .. ولكن للأسف، فإن الإدارة قد سبقتني الى هذا الشرف، فاثارت أهالي رفاعة، واثارتني معهم .. فلننظر .
7-قالت جريدة الرأي العام في يوم 24 سبتمبر، تحت عنوان رئيسي " القضاء ينظر في قضية الخفاض برفاعة " ، بعد حديث لها " وقد علمنا من مكتب الصحافة هذا الصباح ، أن قضية الخفاض التي سببت كل هذا الشغب، هي الآن ، تحت نظر رئيس القضاء بالمصلحة القضائية، وان التهم الموجهة الى الذين اعتقلوا في هذه الحوادث، لا دخل لها بآرائهم في موضوع الخفاض .. ولكنها تتعلق اولاً وأخيراً باستخدام القوة ، لتحقيق غاية، في الوقت الذي كان فيه باب الاستئناف مفتوحاً أمام المتظاهرين.
8-هل باب الاستئناف مفتوح أمام المتظاهرين ؟ .. لننظر .
9-قالت الحكومة في بيان رسمي، في الصحف، ما يأتي " حصلت أخيراً في رفاعة حادثة أدينت فيها إمرأة لخفضها ابنتها خفاضا غير مشروع وحكم عليها بأربعة أشهر سجناً، وقد قدم استئناف لمدير المديرية، فرفضه، وحبست المرأة في السجن" .. ومع ذلك فالحكومة تقول إن باب الاستئناف مفتوح !! وهذا الاستئناف رفض مع ان المرأة ، مسجونة بغير أدلة كافية للإدانة، وفيما أعلم لم يخبر المستأنفون، ولا نحن مندوبي الهيئات، الذين قابلنا المفتش، بهذا الاستئناف، وإنما أعيدت المرأة للسجن والسلام .. فإن لم يكن هذا سوء النيّة والاستخفاف بالناس فماذا عساه يكون؟
12- مفتش رفاعة، سجن أمرأة مصونة شابة، في سجن عمومي مع خادمة عاهرة .. فحدثناه في ذلك، فاعترف بعدم صلاحية السجن للنساء، في رفاعة، فأطلقها بضمانة، وظل ما ظل في رفاعة لا يذكرها، فلماذا عندما ذهب الى الحصاحيصا، أمر باعادتها الى نفس السجن ؟! فهل تسمي هذا استخفافاً بدين الناس، واخلاقهم، أم تسميه جهلاً بالناس أم هما معاً ؟! سمه ما شئت فهو برهان ثالث.
13- إن تصرف المفتش هذا، يجعل ما قمت به أنا، في الجامع، وما قام به الناس بالمركز، شيئاً مفروضاً علينا، في واجب الدين، وواجب الاخلاق، وواجب الحياة نفسها، بل إن الناس قد سلكوا سلوكاً يستحق الثناء، وقد شرحنا تفصيله للمحكمة .
15- وضعت المرأة بسجن مدني، وما أدراك ما سجن مدني ؟! بهذا السجن اليوم 23 إمراة ، منهن أربع مجنونات، يفحشن بالفاظ يندى لها وجه الرجل، وسائرهن عهر، أحضرن من بيوت عامة، وحوكمن في جرائم خمرة .. بين عنبرهن وعنبر الرجال، نحو 15 متر يفصل بينهم السلك الشائك …. مع هؤلاء، في هذا السجن، يراد سجن إمرأة شابة حرة ، مسلمة، مصونة ، تشرف على تربية بنات وأولاد، تركهم لها زوجها الذي توفى قبل شهر .. فاذا قال أهلها لا، وناصرهم إخوانهم في الدين، وفي الجنس، وفي الوطن، قالت الحكومة هذا شغب، وهذه فتنة، وهذا تهديد !!
16- تتهمني الإدارة باني أثرت أهالي رفاعة، وهي تتهمني هذه التهمة، لأنها تجهل الناس جهلاً، شنيعاً، وتستخف بأحلامهم ، وأخلاقهم، وإلا فهل أحد يحتاج الى من يثيره مع كل هذا ؟! وهل أستطيع أنا، أو يستطيع أبلغ خطيب، أن يثير الناس أكثر من إثارة الإدارة هذه أياهم ؟! وأهالي رفاعة، خارج رفاعة، من الذي أثارهم ؟ أسمع تلغراف أهالي رفاعة، من مدني وتندلتي … هؤلاء الناس، لو كانوا شهوداً، لتولوا كبر الثورة .. هل اثارت هؤلاء واخوانهم الإدارة ، أم أثارهم محمود في جامع رفاعة ؟!)(إرشيف الإخوان الجمهوريين-مرافعة الأستاذ في محكمة مدني 1946م).
وكما سجل الشاعر المطبوع محمد المهدي مجذوب موقف الأستاذ في السجن الأول سجله أيضاً بقصيدة عصماء في السجن الثاني ومما جاء فيها:
أقالُوا دفعْنا عن أمورٍ قديمةٍ ؟ وأمسُوا ، لهمْ في كلِّ كارثةٍ عذرُ؟
نحطّم أظفارَ الأعادي وهمُّهمْ حمايتُها ، والغدِرُ يمنعُه الغدُرُ
لحانا أشقاءُ نَعَمٍ ، كلُّ مُطمِعٍ شقيقٌ لهم في مصرَ ترزقُهُ مِصرُ
وكمْ سرقَ الأصواتَ لصٌ مغامرٌ ويربَحُ بالأصواتِ ما يربَحُ التُّجرُ
إذا جاهدُوا عادوا بشايٍ وسّكرٍ وخيْشٍ، وشيخُ الحزبِ منْ حِزبِه التّمرُ
أُبايعُ محموداً على الحقِّ بيعة هي الصبرُ والرضوانُ في عقدِها بدْرُ
أبى اللهُ أنْ تلقى هواناً مصونةٌ وما ذنبُها ، إلا العَفافةُ والطُّهرُ
حماها أبيُّ الدينِ والعقلِ ثائرُ له مِنبرٌ ما فيه خوفٌ ولا سترُ
تخطَّى إليها السِّجنَ والنّارُ دونَه ولمْ يُجدِ إنذارُ المفّتشِ والزأْرُ
لك النصرُ يا محمودُ والنورُ باقيا وأُعطيتَ ، ما أعْطى بصائرَنا الفجرُ
عَرفْنا رجالاً قدرُهمْ ليسَ قادِراً وغيرُكَ في السودانِ ليسَ لهُ قدرُ
وحين خرج الأستاذ محمود من السجن لم يواصل العمل السياسي كما توقع الكثيرون بل إختفى تماماً من ساحة العمل العام ولم يعد الناس يسمعون عنه فجاء عن ذلك ( لفت نظري "قفشة" وردت في عددكم الثالث منسوبة إلى المجاهد " محمود محمد طه" فإنها قد أعادت لنفسي أملاً كاد أن يفلت، لما اكتنفني من شكوك وأوهام، وعلى الأقل أعادت لنفسي بأن هناك صحافة حريصة على أعمال المجاهدين. إن اسم "محمود" قد اختفى منذ حين، وكأنه لم يفعل شيئاً، بل كأنه لم يكن في عالم الوجود ! ولكني أخرق ذلك الصمت وأقول، أليس محمود ذلك الرجل الذي آمن بقضية شعبه وعمل لها ما وسعه العمل رغم العراقيل التي وضعت في سبيله؟ أليس هو ذلك الرجل الذي يقوم ولا يتردد ولا يتنازل مهما قابلته الصعاب من بطش ومعارضة حكومية وحزبية –كل ذلك لأنه يؤمن بأن الشعب الذي يريد الحرية ويسعى لها، يجب أن يكون في كفاحه صلباً لا يتزحزح وقوياً لا يلين وثابتاً لا يتنازل؟ ثم إنه يريد أن يضرب لهذا الشعب –الذي لم يكتمل فهمه لقضيته-مثالاً صادقاً، بأن به فئة فدائية تضرب مثالاً عالياً في التضحية بكل شئ في سبيل المبدأ والعقيدة … وأليس هو الذي سجن مرات دون أن يحرك الزعماء ساكناً للدفاع عنه والوقوف بجانبه؟ وأليس هو الذي وقف وقفة الرجل المؤمن بحقه يوم حادث رفاعة –يوم مشكلة الخفاض –التي تمخضت عن سجنه عامين؟ وهل هو غير ذلك الرجل الذي رفض المنصب والجاه في سبيل حرية رأيه ؟ وهل هو غير ذلك الرجل الذي أراد أن نكون في هذا الظرف العصيب مكافحين قبل أن نكون ساسة وعاملين على أخذ حريتنا دفعة واحدة وحالاً، ونكفر بتقسيط الحرية وسياسة التطور … وهذه الحركة العمالية التي تحركت اليوم تحركاً ملحوظاً –ألم تكن لمحمود يد في غرسها؟ وألم تكن له يد في تربيتها أيام كانت فكرة في المهد ؟ أجيبوني يا أصحاب الشأن ! وأخيراً أقول الحزب الجمهوري من أنشأه ؟ وأحب أن أسأل الزعماء سؤالين أرجو أن أحظى منهم بإجابة عاجلة على صفحات الشعب:
أولاً : كيف يعيش محمود ؟ وقد وردت في ذلك الأقاويل. ثانياً: سمعنا إشاعة لم تؤكد بعد تقول إن "محمود" ينوي الخوض في المعترك السياسي من جديد. وهل نأمل في زيارة الصحفيين لمحمود برفاعة ليشعروه بأن أثره في المجتمع وفي الحركة الوطنية باق؟ سعيد الطيب شايب)( صحيفة الشعب 13 يناير 1951م)
كان هذا تساؤل أستاذ سعيد الطيب شايب-رحمه الله- عن الأستاذ محمود فجاءه الرد التالي:
(بسم الله الرحمن الرحيم "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) صدق الله العظيم
جريدة الشعب السبت 27 يناير 1951م
حضرة صاحب جريدة الشعب ، ص ب 226 الخرطوم
تحية طيبة وبعد،
فقد اطلعت بعددكم السادس، على كلمة من الأخ سعيد يتساءل فيها عني، وقد أعلم أن كثيراً من الإخوان يتساءلون، كما تساءل، فلزمني لهم حق الشكر، ولزمني لهم حق الإيضاح.
عندما نشأ الحزب الجمهوري أخرج، فيما أخرج، منشورين أحدهما بالعربية : قل هذه سبيلي، والآخر
ضمنهما اتجاهه في الدعوة إلى الجمهورية الإسلامية .. ثم أخذ يعارضIslam the way outبالانجليزية
الحكومة في الطريقة التي شرعت عليها تحارب عادة الخفاض الفرعوني، لأنها طريقة تعرض حياء المرأة السودانية للابتذال، وعلى الحياء تقوم الأخلاق كلها، والأخلاق هي الدين.
ثم نظرت موضوع الدعوة إلى الإسلام، فإذا أنا لا أعرف عنها بعض ما أحب أن أعرف .. فإن قولك "الإسلام" كلمة جامعة، قد أسيئ فهم مدلولها الحقيقي، لأن الناس قد ألفوا، منذ زمن بعيد، أن تنصرف أذهانهم، عند سماعها إلى ما عليه الأمم الإسلامية اليوم من تأخر منكر .. وما علموا أن المسلمين اليوم ليسوا على شئ. فإنت إذا أردت أن تدعو إلى الإسلام، فإن عليك لأن ترده إلى المعين المصفى الذي استقى منه محمد، وأبوبكر، وعمر .. وإلا فإن الدعوة جعجعة لا طائل تحتها .. ولم تطب نفسي بأن أجعجع.
وبينما أنا في حيرة من أمري إذ قيض الله " مسألة رفاعة" تلك المسألة التي سجنت فيها عامين أثنين، ولقد شعرت، حين استقر بي المقام في السجن أني جئت على قدر من ربي، فخلوت إليه .. حتى إذا ما انصرم العامان، وخرجت، شعرت بأني أعلم بعض ما أريد .. ثم لم ألبث، وأنا في طريقي إلى رفاعة، أن أحسست بأن علي لأن اعتكف مدة أخرى، لاستيفاء ما قد بدأ .. وكذلك فعلت.
فهل حبسني ابتغاء المعرفة ؟؟ لا والله !! ولا كرامة ..وإنما حبسني العمل لغاية هي أشرف من المعرفة .. غاية ما المعرفة إلا وسيلة إليها .. تلك الغاية هي نفسي التي فقدتها بين ركام الأوهام والأباطيل.. فإن علي لأن أبحث عنها على هدي القرآن- أريد أن أجدها .. وأريد أن أنشرها .. وأريد أن أكون في سلام معها، قبل أن أدعو غيري إلى الإسلام .. ذلك أمر لا معدى عنه .. فإن فاقد الشئ لا يعطيه .. فهل تريدون أن تعلموا أين أنا من ذلكم الآن ؟؟ إذن فاعلموا : إني أشرفت على تلك الغاية، ويوشك أن يستقيم لي أمري على خير ما أحب. المخلص محمود محمد طه)(صحيفة الشعب 27 يناير 1951م)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.