درجت العادة فى الماضى فى مناسبات عيد الاستقلال على مناقشة و تناول قضايا ما بعد الاستقلال السياسى التى لم تُحل رغم تعاقب الحكومات الوطنية ،مثل قضايا التنمية و التحرر من التبعية الاقتصادية، قضايا الثقافة و القوميات،مقاومة الارتباط بالاحلاف المعادية للشعوب فى السياسات الخارجية….الخ اليوم و بعد انقلاب الاسلاميين واستلائهمعلى السلطة و فرضهم ديكتاتورية و فكرا واحد لمدة تبلغ أكثر من ربع قرن من الزمان، صار الهم المقدم و الاول لدى الكثيرين – و منهم كاتب المقال – هو كيفية الحفاظ على وجود السودان شعبا و دولة موحدة مع سياسات المؤتمر الوطنى التى تعمل على تمزيق السودان.هذا النهج، بالطبع و بالضرورة لا يعنى تجاهل القضايا الأخرى و لكن اعادة فى ترتيب اسبقيتها مع الأخذ فى الاعتبار تعقيد تشابكها مع قضايا أخرى. لا اريد تعداد المآسى التى ارتكبتها سلطة الاسلاميين فى السودان فذلك معروف و يسطر فى عشرات المقالات يوميا،ما يهمنى هنا و فى هذا المقال هوالسبل أو الطرقلازاحة و اسقاط هذه السلطة ؟….سلميا أو بالعنف أو الطريقين معا. عند الحديث عن اسقاط السلطة استصحب كل التجارب التى تمت فى التعامل معها طيلة سنوات حكمها، كما استصحب ذعر و خوف الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة فقدان ما استولت عليه و امتلكته عنوة و فسادا و عدم استعدادها للتخلى عن تلك المكتسبات و فى ذهنها سيف العقاب الذى سوف يطالها لما ارتكبته من جرائم فى حق الشعب السودانى. لا أحد ينكرحالة الاحباط،توهان الدرب و فى حالات أخرى فقدان الأمل لدى الكثيرون من افراد الشعب السودانى تجاه بعض فصائل المعارضة فى خلافاتها و تبديلها المواقف دون مبدئية.كما لا أحد ينكر دور السلطة،امنها و اعلامها فى اشعال نار تلك الخلافات….تكبيرها و العمل على ديمومتها بكافة الطرق يدخل فى ذلك ما نشاهده الآن من دعوة للحوار تعرف نتيجته سلفا ….. مع سلطة داومت على نقض العهود و الغدر بالآخرين و بكل من يقف معترضا لمنهجها فى الحكم. أود أن أحكى قصتين هنا قبل الاسترسال فى المقال و تبيان ما أرمى اليه،القصة الاولى حدثت فى العام 1963 و كنت على اعتاب دخولى الثانوى العالى و حكم الجنرال عبود جاثم على صدور الناس و كاتم على انفاسهم.قلت لشقيقتى التى تكبرنى سنا فى حديث يتناول نظام عبود و بعفوية الصبية ( لو الناس دى اتلمت ووقفت ضد عبود ما حيقدر يعمل شى و حايمشى )!…نظرت الى و سكتت،لم أكن أفهم تعقيد و صعوبة تنفيذ ذلك الرأى و لكن بعد عام عندما توحد الشعب عام 1964 سقط نظام عبود…..كانت تلك ثورة اكتوبر. القصة الثانية ( ابان الحرب العالمية الثانية و عند محاصرة جيوش النازية لمدينة ستالينغراد وقذفها بالقنابل ليلا و نهارا والعمل على تهديمها تماما، لان سقوط هذه المدينة يعنى هزيمة الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت.اجتمعت القيادة العسكرية فى ستالينغراد لمناقشة ذلك الوضع المتردى وكيفية العمل على صمود المدينة، اقترح احد القادة صغار السن أن يضرب للشعب مثالا و رمزا للمقاومة و الصمود حتى يتم الاحتذاء به و يبعث الأمل بامكانية دحر القوة النازية المحاصرة للمدينة.عملت القيادة بمشورة القائد الشاب،كونت فرق خاصة لديها القدرة على التضحية عملت فى الخطوط الامامية و قامت بعمل كثير من الاعمال الفدائية دفعت الشعب للاقتداء بها. وانهزم الجيش النازى على اعتاب ستالينغراد و كانت تلك المعركة بداية لهزيمة النازية ). واحدة من فوائد قراءات التاريخ بتانى هى الاستفادة من وقائعه و احداثه….نحن فى السودان اليوم نحتاج للاستفادة من ذلك الأرث السودانى و العالمى،نحن فى حاجة لازالة حالة الاحباط العام و اعطاء الثقة و الأمل بامكانية اسقاط هذا النظام.فى سبيل ذلك يجب أن نبدأ: الاهداف يجب أن تحدد أهدافنا بدقة و نعمل على مواكبتها للحاضرة و قدرتها فى استشراف المستقبل،نعمل على انجازها دون عجلة فى صبر و تانى مع تجويد ادوات و اساليب العمل. الخطاب نحن فى حاجة لتغير و تجديد شكل الخطاب الموجه للمواطنين،ازالة صدأ وغبار السنوات الذى علق به،اعادة جُلّو الشعارات،و تنقيتها من مفردات اللغة السياسية للانقاذ و اعلامها المتهالك.يجب أن يكون الخطاب نابض بالحياة،متحسس لقضايا الناس و متناولا لشعاراتهم دون تنطع او لولوة بكلمات يسهل هضمها معاصرة للواقع و معبرة عنه. القيادة و الامل قادة العمل السياسى و المشفقين على وضع السودان المتردى يجب أن يتقدموا الصفوف،الناس فى حاجة لمثل يلهمهم و يدفعهم للخروج و مصادمة حراس السلطة،ذلك يعنى التضحية و امكانية فقدان اشياء كثر…ابطال هبة سبتمبر ليسوا بعيدين عن الخاطر.التضحية تعطى الأمل وتبنى الجسارة،ذلك ما نحتاجه الآن….ايمان المواطن بامكانية زوال السلطة الديكتاتورية …… ذلك سوف يحدث بالتأكيد. الوحدة و التماسك شاركت فى ثورة اكتوبر و انتفاضة ابريل و فى كلتا الحالتين سقطت الديكتاتورية الجاثمة على صدور السودانيين بوحدتهم و تماسكهم.هنالك قضايا يتفق عليها معظم المعارضين لهذا النظام. تلك القضايا المتفق عليها هى، عودة الديمقراطية،الايقاف الفورى للحروب الممتدة بارجاء الوطن،اطلاق الحريات،المواطنه معيار للحقوق فى الدستور و العمل على ازالة آثار هذه السلطة البائسة. ما قمت بذكره فى مقالى هى ابجديات فى العمل السياسى،و قد يبدو مستهجنا لدى البعض تكرارها،لكننا احيانا نحتاج لاجترار الابتدائى و التمسك به،احياءه من تحت الركام ومرافقته، لانه رغم بساطته هو الطريق الوحيد للتغير !