الدول التي تضع الردة في منظومة قوانينها، كالسعودية وإيران والسودان وغيرهم، وتعاقب عليها بالقتل تجعل نفسها مستهدفة بتهمة الإرهاب وانتهاك الحقوق الأساسية في الاعتقاد التي يكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على: ((المادة 18. لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة. المادة 19. لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.)) بينما نجد أن المادة 126 من القانون الجنائي السوداني تنص على الآتي: ((الردة . 126 (1) يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة . (2) يستتاب من يرتكب جريمة الردة ويمهل مدة تقررها المحكمة فإذا أصرعلى ردته ولم يكن حديث عهد بالإسلام، يعاقب بالإعدام . (3) تسقط عقوبة الردة متى عدل المرتد قبل التنفيذ .)) ولذلك فإن أي مراقب حصيف يستطيع أن يرى أن هذه الدول سوف تضطر عاجلا أم آجلا إلى التخلي عن هذه الممارسة الكريهة. ولكن علماء الإسلام في هذه الدول يقولون أن الأمر يخص العقيدة، وأن الردة حد من الحدود في الشريعة الإسلامية. وقد استطاعت هذه الدول تمرير هذه الحجة لعشرات السنين ولكن بروز داعش والمنظمات المشابهة لها وممارساتهم في قتل المخالفين لهم جعلت العالم يتوقف ويعيد النظر في ممارسات الدول التي تزعم أن الردة، أو على الأقل مادة ازدراء الأديان، تخص العقيدة الإسلامية. فكيف يمكن للمثقفين الأحرار تفنيد هذه الفرية؟؟ هذا هو موضوع هذا المقال الافتتاحي، وموضوع هذا البوست. الأمر الذي يجهله دعاة الشريعة الإسلامية وعلماء هذه الدول، أن "الردة ليست حدا وما ورد فيها من الحديث الذي يأمر بقتل من بدل دينه وفارق الجماعة ليست الحكمة وراءه أن يجعل الردة حدا وإنما الحكمة منه صيانة المجتمع في تلك الفترة التي كان العمل فيها على مستوى آية السيف. وآية السيف في الإسلام ليست أصلا وإنما الأصل آية "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" وهذه الآية هي صاحبة الوقت الحاضر." [بين الأقواس الصغيرة هو قول الأستاذ محمود محمد طه] والدليل على أن الردة ليست حدا هو أن المرتد يُسقط عنه حكم القتل إذا أعلن التوبة والرجوع إلى الإسلام والطاعة، بينما لا مكان للتوبة في إسقاط عقوبة الحد الشرعي على من ثبت عليه ما يوجب الحد حسب الشريعة الإسلامية، عندما كانت مطبقة على عهد النبي عليه السلام وعهد خلفائه الراشدين، بمعنى أن من يثبت عليه القذف مثلا لا يسقط عنه الحد بالتوبة والاعتذار مثلا، وإنما الحكم عليه يصبح لازما. كثير من الذين ينكرون وجود حكم الردة يحاولون القول بضعف الأحاديث التي تقول بقتل المرتد مثل "من بدل دينه وفارق الجماعة فاقتلوه" أو "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"، بل يوردون آية من القرآن هي قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا"، ويحاججون بأنه لو كان هناك حكم بالقتل على من يكفر فكيف يتكرر الكفر، ولكنهم ذهلوا عن أمر مهم وهو أن الآية لا تعني أن هناك أناسا أعلنوا إسلامهم ثم أعلنوا ترك الإسلام بمعنى أنهم أعلنوا جحد الشهادة وترك الصلاة وإيتاء الزكاة، وإنما تعني أنهم، بعد أن آمنوا بقلوبهم، كفروا بينهم وبين أنفسهم، ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا، وهم طبعا لا يظهرون كفرهم، وإلا فإن آية قتل المشركين، وقتال أهل الكتاب واضحتين. قتل المشرك لقوله تعالى: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم"، أما حكم أهل الكتاب فقد جاء في قوله تعالى من نفس سورة التوبة: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ". بعض الكتاب والباحثين يقولون بأن أحاديث قتل المرتد تتعارض مع آية مدنية في سورة البقرة، هي قوله تعالى "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، فالآية بجانب أنها منسوخة بآية السيف، إلا أنها ببساطة تعني أنه لا يمكن أن يتم إكراه أحد على الإيمان، لأن الإيمان هو التصديق بالقلب، ولكن يمكن إكراه الناس على الإسلام بمعنى الإذعان في نطق الشهادة وأداء الصلاة وإيتاء الزكاة، حتى لو كان الإنسان يبطن الكفر في قلبه، وهذا هو السبب في وجود فئة سميت بالمنافقين. فالمنافق لا يستطيع أحد، ولا النبي الكريم عليه السلام، أن يقول له أنه منافق طالما أنه يشهد الشهادة ويصلي مع الناس ويؤدي الزكاة.. أيضا هؤلاء الكتاب والباحثون يقولون بأن أحاديث قتل المرتد تتعارض مع آية "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وهذا القول صحيح بطبيعة الحال، ولكن هذه الآية منسوخة طبعا، ولذلك هي لا تتعارض مع أحاديث قتل المرتد فحسب، وإنما تتعارض مع آية السيف التي مر ذكرها.. وهذه هي الآية التي أجازت قتل المشرك، كما أجازت ضمنيا قتل المرتد، وكما نعلم فإن معنى هذه الآية قد ورد في الحديث النبوي المشهور: (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ، عصموا مني دماءهم ، وأموالهم ، إلا بحقها ، وأمرهم إلى الله ))، "وأمرهم إلى الله" يعني أن ما بقلوبهم يحاسبهم به الله.