يحتفل العالم باليوم الدولي للمرأة في الثامن من مارس من كل عام كيوم لتركيز الاهتمام العالمي على المساواة بين الجنسين وقضايا حقوق المرأة. وتدور الفكرة الرئيسية هذا العام حول (كوكب المناصفة ( 50/50 ) بحلول عام 2030 : تصعيد العمل من أجل المساواة بين الجنسين. وتحشد هيئة الأممالمتحدة للمرأة جهودها لتنظيم مجموعة من الفعاليات البارزة في أكثر من 40 بلدا، بمشاركة مواطنين عاديين وناشطين وموسيقيين ورياضيين وطلاب وعلماء، ممن سيتعهدون بالعمل معا (للوصول إلى نقطة للمساواة بين الجنسين). وقالت فومزيلي ملامبو- نغوكا، المديرة التنفيذية لهيئة الأممالمتحدة للمرأة، في رسالة لها اليوم إن النساء والفتيات يلعبن دورا حاسما في إيجاد حلول مستدامة لتحديات الفقر وعدم المساواة واستعادة المناطق الأكثر تضررا من الصراعات والكوارث والتشرد. هن دائما على خط المواجهة للتصدي للتهديدات الجديدة من تفشي الأوبئة، مثل فيروس زيكا، أو تأثيرات تغير المناخ. كما سيتمركز النقاش على ما تمثله المساواة بين الجنسين من دور أساسي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة. وأضافت فومزيلي أن مشاركة المرأة على جميع المستويات وتعزيز الحركات النسوية أصبحت حاسمة جدا، وأنه ينبغي على المرأة العمل جنبا إلى جنب مع الفتيان والرجال لتمكين الدول من بناء اقتصادات قوية ومجتمعات أكثر صحة، مشددة على أن ذلك هو المفتاح لجعل جدول أعمال 2030 أكثر تحّوليّة وشمولية. وننشر أدناه رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بالمناسبة : رسالة بمناسبة اليوم الدولي للمرأة (الحواجز الزجاجية تتناثر بساطاً من الشظايا) أتذكر يوماً، وأنا لا أزال صبيا في كوريا خلال فترة ما بعد الحرب، أنني سألت مَن حولي عن تقليدٍ أثار انتباهي: عندما يحين المخاض، تترك المرأة حذاءها عند العتبة، وتلتفت لترمقه بخوف شديد. ردّت أمي على سؤالي قائلة: "اِعلم أن تلك المرأة تتساءل عمّا إذا كانت ستبقى على قيد الحياة لتعود فترتدي حذاءها مرة أخرى‘‘. لم تفارق تلك الذكرى مخيّلتي حتى بعد مرور أكثر من نصف قرن من الزمان. فخطر الموت لا يزال يحدق بالمرأة في المناطق الفقيرة من عالم اليوم في كل لحظة من لحظات المخاض، رغم أن وفيات الأمومة تندرج ضمن المخاطر العديدة التي يمكن تفاديها. وكثيراً ما يتعرّض الرضع من الإناث لممارسات تشويه الأعضاء التناسلية، وتتعرّض الفتيات للأذى وهن في طريقهن إلى المدرسة، وتغدو أجساد النساء حلبة قتال في غمرة الحروب. أما الأرامل، فيعشن منبوذات يعانين من ويلات الفقر. ولا سبيل إلى معالجة هذه المشاكل إلاّ بتمكين المرأة لتصبح عنصرا فاعلا في عملية التغيير. لقد دأبتُ على وضع هذه الفلسفة موضع التنفيذ في الأممالمتحدة منذ ما يزيد على تسع سنوات. فحطمنا الكثير من الحواجز الزجاجية حتى غدت الأرض التي نمشي عليها بساطاً من الشظايا المتناثرة. ونحن نعمل اليوم على تبديد ما يحمله الماضي من أفكار مسبقة وتحيّزات في سبيل تمكين المرأة من اختراق حدود جديدة. وجرياً على هذا المنوال، قُمت بتعيين امرأة قائدة لقوات الأممالمتحدة لأول مرة على الإطلاق، وحرصت على كفالة تمثيل المرأة في المستويات العليا بمنظمتنا حتى بلغ تمثيلها نسبة غير مسبوقة. فصارت المرأة تتبوّأ اليوم مواقع قيادية في صميم مجالات السلام والأمن، التي كانت حكرا على الرجال في الماضي. فعندما قدِمتُ إلى الأممالمتحدة، لم تكن ثمّة أي امرأة تقود ولو بعثةً واحدة من بعثات السلام الميدانية، وسرعان ما صارت المرأة تدير دفّة زهاء الربع من بعثات الأممالمتحدة، وهي نسبةٌ لا تزال دون المستوى المنشود لكنها تمثل تحسنا كبيرا. وبلغ عدد رسائل التعيين التي وقّعتُها لتعيين نساء في مناصب من رتبة أمين عام مساعد أو وكيل الأمين العام قرابة 150 رسالة. وكان بعضهن يتقلد مناصب حكومية سامية ويتمتع بسمعة دولية مرموقة، والبعض الآخر تبوّأ عند عودته إلى بلده مناصب قيادية. لقد ساعَدْنَني جميعا على إثبات حقيقة أن المرأة كثيرا ما تكون أفضل مرشح لشغل المنصب المتاح. ولكي نضمن استمرار هذا التقدم الملموس، أنشأنا إطارا جديدا يضع منظومة الأممالمتحدة بأسرها أمام مسؤولياتها. وبعد أن كانت فكرة المساواة بين الجنسين مجرد فكرة محمودة، صارت اليوم سياسةً تطبَّق بصرامة. وبعد أن كان تلقّي التدريب في مجال مراعاة الاعتبارات الجنسانية اختياريا، صار اليوم فرضاً على أعدادٍ متعاظمة من موظفي الأممالمتحدة. وبعد أن كان عدد ميزانيات الأممالمتحدة التي تخصص موارد للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، صار تخصيص الموارد للقضايا الجنسانية أمرا مألوفا في واحدة من أصل كل ثلاث ميزانيات تقريبا، وما هذه سوى البداية. لقد علَّمَنا الحكيم كونفوشيوس أن ترتيب أوضاع العالم يقتضي أن نبدأ بمحيطنا المباشر. وبفضل البراهين المتوالية التي تقيم الدليل على قيمة إنجازات القيادات النسائية في الأممالمتحدة، ما فتئتُ أجهر بصوتي مناديا بتمكين المرأة في كافة المحافل. ففي الكلمات التي ألقيتها في البرلمانات والجامعات والتجمعات العامة، وخلال محادثاتي الخاصة مع زعماء العالم واجتماعاتي مع مديري الشركات ومحاوراتي الشاقة مع رجال أشداء يحكمون مجتمعات صارمة يسيطر فيها الرجال، ما برحتُ أشدد على المساواة بين المرأة والرجل وأحث على اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك. وعندما استلمت مهامي بالأممالمتحدة، كان لا يزال ثمة تسعة برلمانات في العالم لا تضم في صفوفها ولو امرأة واحدة. فساعدنا على تقليص عدد تلك البرلمانات إلى أربعة. وفي عام 2008، أَطْلَقتُ حملة "اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة"، فصارت تضم العديد من القادة والوزراء، ومئات النواب البرلمانيين، وملايين الأفراد الذين لبّوا النداء إلى العمل. وكنت أول رجل ينضوي تحت لواء حملة "الرجل نصير المرأة"، التي بات عدد أنصارها يفوق مليون شخص منذ ذلك الحين. كما ناصرت الناشطين المطالبين بالكفّ عن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وابتهجت كثيرا عندما اتخذت الجمعية العامة أول قرار لها على الإطلاق تدعم فيه هذا الهدف. فصوتي إنما هو صدىً لنداءات الكثيرين ممن يعرفون أن المرأة قادرة على الإسهام بقسط كبير في إنجاح الجهود الرامية إلى تحقيق خطتنا الطموحة بشأن التنمية المستدامة لعام 2030، والمضي قدما في تفعيل اتفاق باريس بشأن تغير المناخ. وفي هذا اليوم الدولي للمرأة، ما زلت أشعر بالسخط لحرمان النساء والفتيات من حقوقهن، لكن ما يشحذ همّتي أن هناك أشخاصاً في جميع أرجاء العالم يعملون وهم مقتنعون اقتناعا راسخا بأن تمكين المرأة يفضي إلى تقدم المجتمعات. فعلينا إذاً أن نخصص ما يكفي من الموارد لتحقيق المساواة بين الجنسين في العالم قاطبةً، وأن نعمل بشجاعة على إذكاء وعي الرأي العام بأهمية هذا الهدف، وأن ندعمه بإرادة سياسية لا تتزعزع. فلا استثمار في مستقبلنا المشترك أعظم من هذا الاستثمار. الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون . الثلاثاء 8 مارس 2016.