"لا تثق بالقلب : إن العشق يؤذي بينما يجدي التحرك في السكون وفي مساحات الأنا وعي التكّون وابتكار الفرد مجموعاً يوازي سلطة الإطلاق، تحديد المواضعِ" المقاطع أعلاه أوردها احتفاء بترشيح الشاعر الصادق الرضي في واحدة من أهم الجوائز الأدبية العالمية، وهي جائزة "تيد هيوز" في لندن عن كتابه الشعري المترجم إلى اللغة الإنجليزية (كأنما يروي عن مروي). ومقاطع الشعر التي دلفنا عبرها هذه مأخوذة عن واحدة من أشهر القصائد الشعرية الحديثة في السودان، وهي قصيدة "غناء العزلة ضد العزلة" للصادق الرضي؛ القصيدة التي أكاد أجزم أنها تحولت خلال حقبة التسعينيات الخانقة إلى تميمة إحيائية تمد روح كل من يرددها بدفق من الحب والتحرر والانطلاق، وتهب قدرة شعرية – جمالية تتجاوز قبح الراهن وتقاوم صور الإحباط واليأس المتفشية حينها، فالشعر هنا يمجد الحياة متغنيا بأسمى قيمها محتفلا ب(الفقراء)، بنضالهم والأمل الذي منه يصنعون غدهم الآتي. شكلت قصائد الصادق الرضي المنشورة في كتبه الشعرية المتعددة، ما يمكن أن أشبهه بالجسر الرابط ما بين جيلين شعريين في السودان؛ جيل مجيد سابق له أمثله هنا ب "محمد المهدي مجذوب، ومحمد عبد الحي، والنور عثمان أبكر"، وجيل آخر مجد ومبدع تالٍ أو مجايل له أذكر من أصواته "عاطف خيري، بابكر الوسيلة، حاتم الكناني" وآخرين من الشعراء الشباب الذين تواصلوا مع الصادق الرضي سواء بشكل شخصي مبني على الصداقة والمثاقفة أو من عن طريق التعاطي الإبداعي – النقدي مع إنتاجه الشعري ذي التأثير الكبير. والصادق الرضي أحد الشعراء السودانيين القلائل الذين ترجمت أعمالهم الشعرية إلى اللغة الإنجليزية، كما شارك ومثل الشعر السوداني في عدد كبير من المهرجانات الشعرية العالمية، وقدم بلا شك تجربته ذات البصمة المختلفة وجذب الآخرين إلى الانفتاح على الأدب السوداني والاحتفاء بهذا الصوت الشعري المسكون بالتأمل الكوني والتغني بأحوال الإنسان والانحياز الجمالي إلى أسمى القيم التي أوجدها البشر خلال مسيرتهم المتعثرة في هذه الحياة. إذن، هذا المقام، مقام احتفاء بشاعرنا الكبير الصادق الرضي، نبارك له ترشيحه المستحق ل جائزة "تيد هيوز"، إحدى جوائز الأدب والشعر المهمة عالميا.. ونردد معه: "يدخُلُ الطائرُ طقسَ الأَخضرِ مثلَ الوَتَر بَرْقٌ يَرِفُّ على العينِ كالسِّرِّ تنحني قُبْلَةٌ في القوسْ يَسْتَمِرُّ المطر"! ………………………… الصادق الرضي عن الاحتفاء بترشحه لجائزة تيد هيوز ردا على احتفائنا بترشحه لجائزة "تيد هيوز" العالمية للشعر المترجم إلى اللغة الإنجليزية، كتب الشاعر والصديق الصادق الرضي، على حساب الكاتب ب(فيسبوك): "منصور يا حبيب، أخجل أن أقول لك شكرا على هذا الاحتفاء، ومكمن الخجل هو حقك في أخوك، فلست مشحودا عليّ ولست مشحودا عليك كما تعرف، ونحن أبناء كدح تلك النهارات التي لابد تذكرها جيدا في رصيف إخوتنا الورّاقين، وكافتيريا أبو جنزير، وكافتيريات أخرى ومقاعد قرب ستات الشاي، وما لا يحصى من أماكن وصحاب وذكريات، تسلم يا صديقي ويسلم قلمك المميز، تحياتي عبرك لكل الأصدقاء في هذا المكان الجميل". كما كتب الصادق الرضي، تعليقا على نفس المقال بحساب الصديق والشاعر مأمون التلب: "ياخ تسلم كتير يا مأمون ويسلم أخونا منصور الصويم، وطبعا إنت عارف وهو عارف، نحن ما ناس جوائز ولا دا مجال طموحنا، لكن أهو يقع الشقي في القيد، زي ما بقولوا، قدر مؤقت ونرضى بيهو، أهو مناسبة لتبادل المحبة والتواصل مع الصحاب وشركاء الشقاء في كربلاء النحت في ما يخصنا مما هو إبداعي وثقافي". ويسعدني كذلك أن أنقل بعض تعليقات الأصدقاء على مقال (الصادق الرضي إلى جائزة (تيد هيوز) الإنجليزية) بعد نشره في (فيسبوك): Abdelnasir Ibra : يسرنا أن تحظى الجائزة بالصادق الرضي، ويسرنا أن نرى الشعر السوداني يصل إلى اللغات الأخرى. محمد الريح: غناء العزلة هي إلياذة الشعر السوداني كما أطلق عليها أنا. فعلاً فترة التسعينيات كانت سنين الاحتفاء بالشعر السوداني لدينا مع الإخوة سيف الدين إبراهيم إسحق والأخ عمر عبد المنعم والأستاذ الخولاني؛ ذلك المبدع المنسي في أقاصي الغرب والقلب. وكانت دواوين الصادق عاطف خيري (سيناريو اليابسة وغناء العزلة والظنون) وغيرها من أشعار هاشم صديق كاجترار وصلاح أحمد إبراهيم وعالم عباس ومحمد المكي إبراهيم خلاسية ومحمد سعد دياب وغيرهم من الشعراء.. فكنا نقرأ لأحدهم فنقسم أنه أشعر من كتب ثم نأتي للآخر فينسينا ما قرأنا إلا أننا اتفقنا على أن الشعراء السودانيين أجمل ناس. وحتى شعر الحقيبة قرأنا وسمعنا لود البنا وود الرضي والمساح إلا أنني وقفت عند ود الريح وأعلنت أنه أشعرهم. تلك أيام يا منصور لن تنسى أعدت لنا ذكرياتها ببوحك الفضاح.. والله يا الصادق الرضي لو لم تقل سوى: "الحزن لا يتخير الدمع ثيابا كي يسمى بالقواميس بكاء".. لكفاك. التحية لك ولرفيق دربك عاطف خيري وهنيئاً للجائزة بك.