مثلما نقرأ عنه في العراق، مسلحون يهاجمون مسجداً ويقتلون 6 أشخاص أثناء تأديتهم الصلاة في ردة فعل انتقامية على خلفية حادثة قتل سابقة، هذا ما حدث بمدينة الجنينة غرب دارفور، مدينة الجنينة التي لم تكن تشهد مثل هذه الصراعات، لحقت بركب باقي مناطق دارفور التي تراجع فيها الصراع المسلح بين القوات الحكومية والحركات المسلحة، بل يكاد ينعدم أي نشاط عسكري بين الحركات والحكومة، لتحل محلها الصراعات القبلية، صراعات القبائل هناك تحصد من الأرواح ما لم يحصده الصراع المسلح طيلة فترته..الموت المجاني هذا يمر مروراً عادياً مثله مثل أي خبر غير سار، الحكومة تدفع بتعزيزات، ثم تصريحات رسمية تيقظ ما تبقى من الفتنة، ثم ينتهي الأمر بدفن الموتى، ثم اقتتال جديد ودم جديد بلا قيمة، وكأنها خطة محكمة تسير وفقاً للمطلوب لم تعد أخبار الموت مثيرة وكأن الجميع تكيّف مع هذا الوضع..في أغسطس عام 2013م كان عدد قتلى الرزيقات والمعاليا بلغ نحو 200 قتيلاً، كل قبيلة احتشدت واصطفت أمام قتلاها، وكاد الوضع أن ينفجر كلياً، في تلك الأثناء كانت مؤسسات الحكومة بمنسوبيها في الخرطوم تتباكى على شرعية "الإخوان" في مصر وتزرف الدموع تضامناً مع معتصمي ميدان رابعة العدوية..الحكومة مشغولة بإخوانها في الخارج، والمعارضة تكتفي ببياناتها. لم تعد حوادث الموت المجاني ضمن محركات الإنسانية، نتألم لحظياً ثم ننغمس مباشرة في مداولات القضايا اليومية العابرة. الإعتقالات والقمع والقهر الذي تمارسه السلطة ينتهي في الغالب بانتهاء المؤثر الوقتي، ولا يتحول إلى فعل مركزي يلتف حوله المهمومون بالتغيير، ولا يزال طلاب جامعة الخرطوم خلف الأسوار بل اقتربوا أن يصبحوا نسياً منسياً، فلا جهة تتصدى لقضيتهم، سياسية كانت أو مدنية، ويا للأسف، تحول الأمر لشأن أسري بحت، لو أردت أن تُدرك حجم الأزمة التي ألمّت بهذا الوطن ما عليك إلا أن تقرأ ما تكتبه السيدة زينب بدر الدين والدة أحد الطلاب المعتقلين وهي تتوجه كل صباح بندائها إلى ربها، وتدعو الله ألا يُريها مكروهاً في فلذة كبدها، ترى حجم الألم الذي يخرج من بين حروفها، وتُدرك تماماً أن قضية هذا الطالب التي هي في الأساس قضية وطن كامل، لاتعدو أن تكون قضية تهم والدته فقط، أو أسرته، كم هو مؤسف ومخجل، فلا أحزاب سياسية ولا منظمات مدنية تتصدى لقضايا حقوقية بسيطة كهذه.. لماذا كل هذا القدر من السلبية والعجز، هل بلغنا مرحلة أن نتكيّف مع القهر لهذه الدرجة المميتة؟