* في آخر الليل عادة ما يتوجه المرء إلى نفسه راضياً أو معاتباً ، وإلى ربه مستغفراً ، لكن آخر ليل إسحق فضل الله أمره عجب…!! * فهو آخر ليل يتسم بالهذيان ، المحبوك روائيا ، وبخيال سرابي يحسبه الظمآن سياسياً ماءً.. * يقول إسحق :"إن الأوراق الإسرائيلية التي تهبط من مصر ، تذهب إلى ضرورة احتكاك عسكري في حلايب" – سؤال هامشي – : كيف تهبط الأوراق الإسرائيلية من مصر؟!!. * و يقول مواصلاً :"و الأوراق تتحدث بعد أن شعرت أن السودان ينتبه للشرك الذي يُنصبُ له في الأسابيع الماضية ".. يواصل :" و الطبل الذي ينفجر الأسابيع الأخيرة عن حلايب و ما خلفه كان هو أن يتجه السودان للعالم / للمحكمة و غيرها .. و العالم .. الذي تقوده إسرائيل يحكم بحلايب للجانب المصري.. و السودان يُبطئ.. و البطء هذا يجعل أوراق إسرائيل تتحدث الآن عن ضرورة اشتباك عسكري و الاشتباك العسكري يُضطرُّ إليه السودان عندما تتقدم قوات مصرية في القُرى السودانية.. و تحت الاشتباك .. طيران يضرب العاصمة و مناطق في بورتسودان".. نكتفي بهذا القدر من هذيان إسحاق فضل الله.. * أخشى ما تخشاهُ إسرائيل هو لجوء الفلسطينيين إلى المحكمة الدولية لفضح جرائمها ضد الإنسانية ، و إسرائيل لا تضغط على القضاء إنما على السلطة الفلسطينية ، حتى لا تتقدم بالشكوى ، و قد أذعنت السلطة لتلك الضغوط.. * الصمت "النووي" هذا ، الذي يلتزمه النظام الحاكم تجاه قضيّة سياسية و سياديّة كحلايب – اكتشف إسحاق فضل الله – يقلق إسرائيل بأكثر مما يقلقها لجوء النظام إلى محكمة العدل الدولية !! فتأمّل يا صاح !! * و إسحق يكشف لنا و لجميع الحمقى أمثالنا ، سرَّ الصمت النووي هذا الذي تلتزمه حكومة البشير ، فيقلق القوى الاستعمارية و يرفع ضغطها "و سيشهد العالم حروباً من نوع آخر سببها الصمت عن إنتهاك السيادة"!!.. (إن يكن صمتي رهيباً .. إن في الصمت كلاما) و رحم الله خضر بشير الذي لم يخطر بباله يوماً أن يكون كاتباً سياسياً .. إنه يا إسحق صمتٌ يغضِبُ الزُّرّاع و لا يغيظ الكفار !!. * إن الصمت الذي يتجلّى به النظام تجاه الحالة الاقتصاديّة المزرية ، و الفقر و المرض و الجوع ، و الجميع أذهلهم ذلك الصمت عن معاناة الشعب ، و ذهول الشعب هذا هو ما أقنع النظام "و أقنع إسحق أيضاً" بأن خير علاج لقضايا و أزمات الأمة هو الصّمتُ عنها ، فهو يُرهب الأعداء !!.. * التدهور الاقتصادي علاجه الصمت ، و الفساد علاجه الصمت ، و تدهور كل وسائل النقل ، البرّيّة و البحريّة و الجويّة ، علاجه الناجع أيضاً هو الصّمت..!! * و بما أن سلاح الصمت يفوق في قوته التدميرية تلك الأسلحة المسماة بأسلحة الدمار الشامل و الأسلحة المحرّمة دولياً ، فإن تحويله من سلاح محلّي إلى سلاح نووي عالمي يجعل إسرائيل تعمل على تحريض مصر لغزو السودان !!.. * و إذا كان هذا الصمت النووي يجُرُّ علينا الويلات ، فلماذا يمدحُهُ إسحق ؟ أما كان من الأولّى أن ينتقد صمت الدّولة ، الذي يفرح إسرائيل لدرجة تدبير غزو مصري للسودان؟؟.. * أما كان الأجدر أن يقوم في آخر ليله بنصح النظام بأن صمته على القضايا السياديّة سيجُرُّ على السودانِ وبالاً ؟ و لكن لآخر ليل إسحق شأنٌ آخر ، هذيان يقول إن اللُّجوء إلى العدالة أمرٌ ميؤوس منه ، و الصمت على الظلم هو ما يغيظ إسرائيل لتستعجل مصر لغزو السودان كله و ليس حلايب وحدها ..!!!. * هذيان آخر ليل عجيب ، مليء بالكوابيس ، يضع السودان في حالين أحلاهما مُرٌّ، فإن سلك السودان المسلك القانوني سيخسر رغم ما يملك من وثائق دامغة ، و إن صمت على الاحتلال جرَّ عليه الجيوش لاحتلاله كله !!.. * و رغم كل هذا يحتفل إسحق بهذا السلاح الفتّاك المسمّى بالصمت ، و الذي يجعل إسرائيل ترتجف و تتصبب عرقاً من الخوف (ألا ترون كيف خافت إسرائيل حين صمت السودان عن ضرباتها الجوية على بورتسودان ، فجعلها الخوف من صمت حكومتنا النووي المدمر تجن جنوناً من الرعب فتضرب قلب العاصمة الخرطوم؟؟) * هل علم إسحق و نسي ، أم لم يعلم أصلاً ، أن الصمت على المذلّة سيجلب مذلّة أعظم .. ألم يسمع قولة الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ما غُزي قومٌ في عُقر دارهم إلا ذَلُّوا)؟.. أم لم يقرأ للمتنبّي : (من يهُن يسهُل الهوانُ عليه) ؟ . * ألم يسمع إسحق عن فتاةٌ نُزِعَ عنها خِمارُها في عمُّوريّة ، بواسطة جندي روماني فاستغاثت "وامُعتصماه" ، فكانت الإغاثة بجيش عرمرم ، فتح كُلّ عمُّوريّة ؟!!.. * أم لم يقرأ عن الأسير المسلم لدى القيصر ، الذي تمّ إغراؤه بنصف مُلك قيصر ليرتدّ عن الإسلام فأبى ، فعذّبه القيصر ، فبلغ خبره عمر بن عبدالعزيز عليه رضوان الله فكتب رسالة نوويّة (و ليس صمتاً نووياً) إلى القيصر في أقل من عشرين كلمة : ( أما بعد ، فقد علمنا بأمر أسيرنا لديك .. إبعث به إليّ من فورك ، فوالله إن لم تفعل لأرسلنّ لك جيشاً أوّلُهُ عندك و آخرهُ عندي).. * هكذا كان الحُكّام ، خطاباتُهم نوويّة ، و ردود أفعالهم فوريّة و عابرة للقارات ، و كان الجميع يخشاهم لأنهم يُدركون تماماً أن الحاكم المسلم إذا قال فعل.. * و لكن حكومتنا لا تقول حتى مجرد القول (مع أنها لو تكلمت كذبت كعادتها) ناهيك عن الفعل ، فقد اتخذت حكومتنا سلاحاً جديداً تجاه كل الأزمات و حتى السياديّة منها و أزمات الكرامة الوطنيّة : هو "الصمت النووي"..