منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب مانشستر سيتي بركلات الترجيح    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    وزير الخارجية السوداني الجديد حسين عوض.. السفير الذي لم تقبله لندن!    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    سيكافا بطولة المستضعفين؟؟؟    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    شاهد بالفيديو.. بعد فترة من الغياب.. الراقصة آية أفرو تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بوصلة رقص مثيرة على أنغام (بت قطعة من سكر)    الحركة الإسلامية السودانية ترد على كندا    مصر.. فرض شروط جديدة على الفنادق السياحية    شاهد بالصورة والفيديو.. ببنطلون ممزق وفاضح أظهر مفاتنها.. حسناء سودانية تستعرض جمالها وتقدم فواصل من الرقص المثير على أنغام أغنية الفنانة إيمان الشريف    ماذا كشفت صور حطام صواريخ في الهجوم الإيراني على إسرائيل؟    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    مقتل 33899 فلسطينيا في الهجوم الإسرائيلي منذ أكتوبر    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    محمد بن زايد وولي عهد السعودية يبحثان هاتفياً التطورات في المنطقة    ترتيبات لعقد مؤتمر تأهيل وإعادة إعمار الصناعات السودانية    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة تنضم لقوات الدعم السريع وتتوسط الجنود بالمناقل وتوجه رسالة لقائدها "قجة" والجمهور يسخر: (شكلها البورة قامت بيك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. الفنانة عشة الجبل تظهر في مقطع وهي تغني داخل غرفتها: (ما بتجي مني شينة)    رباعية نارية .. باريس سان جيرمان يقصي برشلونة    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على اعتاب المؤتمر السادس ليكن ماركسيا وطبقيا على محجة حمراء
نشر في حريات يوم 25 - 07 - 2016


المبتدأ:
(إما إيديولوجية برجوازية إما إيديولوجية اشتراكية. وليس ثمة من وسط بينهما؛ لأن البشرية لم تصنع إيديولوجية "ثالثة"؛ أضف إلى ذلك أنه في مجتمع تمزقه التناقضات الطبقية؛ لا يمكن أن توجد على الأطلاق أية إيديولوجية خارج الطبقات أو فوق الطبقات.) فلاديمير لينين
والخبر:
(1)
بينما يكملُ الحزبُ الشيوعيُّ السوداني استعداداتَهُ ويخطو حثيثًا نحو مؤتمرِه السادسِ؛ تظلُ أهم مطالبِ جماهيره أنْ يظلَّ متماسكًا وممسكًا برايةِ اليسار الذي يعتبرُ أحدَ أهم دعائمِ استقرارِ المعادلة الوطنية وأنْ يمضيَ الحزب إلى الأمام عَلَى نحوٍ أكثر ثوريةً مستمدًا قوةَ دفعِهِ مِنْ إرثِ تَّضْحِياتِ ونِّضالات رجاله الراسخِة في وجدان مجتمعِه؛ إرثٌ دفَعَتْ أجيالُ التأسيس، من أجل ازدهارِهِ؛ وامتدادِه المُهَجَ والدِّمَاءَ؛ في ظروفٍ أقلُّ ما يمكِنُ أنْ تُوصفَ بأنَّها استثنائيةٌ؛ ومناقضة لفكرة انتشارِ الحداثةِ والوعي؛ في مجتمعٍ شَرَعَ حينذَاكَ في الخُروجِ لِتَوِّهِ مِن البَدَاوَةِ وشبه الإقطَاعِ؛ يُلَمْلمُ أطرافَ تنوعِه الإثْنِي والعقَدِي محاولاً بَلْوَرَتْ هويته الوطنيةِ؛ ولم يكنْ الأمرُ حينها نزهةً؛ فقد ناضَلَ رفاقُ التأسيس في خِضَمِّ بحرٍ تتلاطمُهُ أمواجُ القَبليةِ والطائفيَّةِ؛ وفي مناخٍ عاصِفٍ بريحِ التَّقْليدِ؛ واستطاعُوا بالجَلَدِ والمُثَابَرَةِ؛ غَرْسَ بِذْرَةَ الفِكْرِ التقدمي في عُمْقِ التُّرْبَةِ الوطنيةِ؛ وتولاها الحزبُ مِنْ بَعْدُ بالرِّعاية؛ حتّى اسْتَوَتْ على عُودِهَا وآتت أؤكلَها كيانًا ثوريًّا ماركسيًّا؛ أسهمَ في تحديثِ مجتمَعِهِ؛ ونقلَهُ فراسخ طوال في مسارِ التقدُّمِ؛ ولم يكتفِ الحزبُ الشيوعيُّ بكبدِ النضالِ السياسي فقط؛ بلْ امتدتْ يدُهُ للدَّفْعِ بحراكِ الفِكرِ؛ والثقافَةِ؛ في شتَّى مجالاتِهِ؛ حتى غدتْ ضُرُوبُ الإبداعِ كافة؛ تسيرُ في ركابِهِ؛ وتَتَأَثَّرُ بصعودِ وهبوط مسارِ كفاحِهِ في الشارعِ ووسط الطبقاتِ المَسْحُوقَةِ.
(2)
عطفًا على ما سبق ؛ فإنَّ حملَ الرايةِ قُدُمًا؛ لابدَّ أنْ يكونَ مَوْصُولاً وباذخًا بذوخَ مَنْ سَبَقَ؛ ولكَيْ يكونَ كذلكَ؛ حقٌّ علَى رِفَاقِ اليَوْمِ؛ مُغَادَرَةُ جِرَاحِ المَاضِي؛ وتَنْقية أَجْواءِ الحزبِ الداخلية؛ التي شَابَهَا الكثيرُ من العَكَرِ في الفترةِ الماضيةِ؛ والعودةُ للصراعِ الفِكْرِيِّ المَكْشُوفِ؛ بحسبه أدَاءً ماركسية ثورية فعَّالةً لحسمِ قضايا الخِلافِ؛ دَاخلَ الأُطُرِ المؤسسية المُتَعَارَفِ عَلَيْهَا؛ شَرْط أن تتوفرَ لهذا الصراعِ؛ كافة المطلوباتِ بإتاحةِ الفُرَصِ المُتَكَافِئة؛ وَعَدَمِ الحَجْرِ عَلى طَرْحِ أوْ رَأَي مَهْمَا كَانَ؛ مَتَى مَا جَاءَ مِنْ عُضْوٍ مُلْتَزِمٍ؛ فَنَهْجُ لملَمَتِ الصَّفِ منقوصُ القَنَاعَةِ؛ وتسفيه الآرَاءِ؛ والتدابير التي تتخذُ تعسفيًا لإخماد الأصوَاتِ؛ هُو مُيرَاثُ استاليني بغيضٍ أثبتَتْ التَجْربةُ عَدَمَ جَدْوَاهُ؛ كَمَا أَنْ انْهِزَامَ البَعْضِ طَوْعًا؛ بإتباعِ نهج الابتعاد و(الحردان)؛ الذي يُمْكِنُ وَصْفِهِ بأنه عَاهة مِن عَاهَاتِ الطُّفولةِ اليساريةِ؛ سلوك؛ غيرُ مَاركِسي ولا ثوري.
(3)
وحتى يتمَّ تجاوزُ مَا أرتكب مِنْ أَخْطَاءٍ في المُؤتمر الخَامسِ؛ وَيَضْمَنُ الجميعُ خروجَ المؤتمر السادس بمقرْرَاتٍ إيجابيةٍ في مُسْتَوَى تطلُّعَاتِ الجماهيرِ؛ تعالج جوانبَ الأَزْمَةِ الفِكْرِيَّةِ والتنظيميةِ كافةً ؛ يجبُ تنقيةِ الأَجْوَاءِ؛ وتوفيرُ المناخِ الصحي المُلائمِ؛ فَتَهْيِئَةُ المناخِِ والإعدادُ الجيِّدُ لانعقادِ المؤتمرِ أهمُّ مِنِ انْعِقَادِهِ مُرْتَبِكًا؛ استجابةً لضَغْطِ اللوَائحِ والدستورِ؛ وللحزبِ الشيوعِيِّ تاريخٌ جزل في هذا المقامِ؛ يجبُ أنْ تُسْتَمَدَّ مِنْهُ الْعِبَرُ؛ لتكونَ دَافِعًا قَوِيًّا لمراكمة الخبرةِ والتجرُبَةِ؛ والتَّحلِّي بُروحِ البذْلِ والعطاء؛ كل ذلك من أَجْلِ صلب عود المؤسسةِ الحزبية؛ والعودةُ بالحزب متماسكا وأكثر قدرةً عَلَى المُضي في طريقِ تحقِيقِ الشعارَاتِ والبرَامجِ المُوْضُوعةِ؛ فالمُضي قدُمًا يَعْني ؛ تقويمُ المسيرةَ مِنَ العَثَرَاتِ السابقَةِ؛ وَتجَاوُزُ الإخْفَاقَاتِ؛ بكسرِ النَّمَطِيَّةِ وإشاعةِ فضيلة التَّفْكِير خارجَ الصُّندُوقِ؛ سعيًا لتطويرِ المنهج الثوريِّ؛ وبثُّ روحِ المُواكبة؛ وتحديثُ أدوات النضالِ؛ لِطَرْدِ روح الرَّتَابَةِ المسيطرةِ ؛ وكسرُ قيدِ البيروقراطيةِ التي تَحْكُمُ هَيَاكِلَ الحزب؛ إن تطويرَ رؤى الحاضنةِ الماركسيةِ؛ والانفتاحَ على التجربة الثوريةِ العالميةِ؛ ومَا أنجزَهُ الفكرُ التُّقدمي؛ في مَسْعَاهُ الحثيثِ لتحريرِ الإنْسَانِ مِنْ الاستغلالِ؛ هو جَوْهَرُ السَّعْيِ إلى الأَمَامِ لاسْتِكْمَالِ مِشْوَارِ مَنْ سَبَقَ مِنْ رِّفَاقِ.
(4)
مَن يُضيعُ الوقتَ في التَّمسُّحِ بالعتباتِ المقدسةِ؛ مدعيًا أنَّ كلَّ شيءٍ عَلَى مَا يُرَامُ ومَن يُحَمِّلْ الماركسيةَ وِزْرَ إخفاقاتِهِ؛ هُرُوبًا مِن أزْمَتِهِ الذاتية؛ كلاهما مُتَهَافِتٌ؛ وهما وجهانِ لعملةٍ واحدةٍ تُدعَى " عَجْزُ القَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ"؛ وإذا مَا أَرَادَ الحزبُ أنْ يَنْتشلَ نفسَهُ؛ مِن تَهافُتِ كلاهما ويضعَ حدًّا لواقعِ الضَّعْفِ ويتمدَّدَ جَمَاهيريًّا؛ عَلَيْهِ برفعِ الوَعْي ونشْرِهِ وسطَ أوسعِ قاعِدَةٍ شعبيةٍ؛ ففهمُ الأُطْرُوحةِ الاشتراكيةِ ليستْ مُعْجِزَةً؛ لكي نُقولَ إنَّها بحاجةٍ لشعبٍ من الفلاسفةِ لهضمِهَا؛ وفي ذاتِ الوقتِ فهي ليستْ لُقمةً سائغةً تستطيعُ عامةُ الجماهيرِ الْتِهَامُهَا؛ والاستفادةَ مِنْ مَنْهَجهَا النقدي؛ دونَ امتلاكِ الوعْي والوصول لمستوًى لائق من المعرفة؛ وبلوغُ الجَمَاهِيرِ للحدِّ المطلوبِ من الوعي؛ مِنْ أَوْجَبِ وَاجِبَاتِ الحزبِ الثَّوْرِيِّ؛ وتقعُ مسؤوليةُ إنْجَازِ هذا الهدفِ ؛ عَلَى عَاتِقِ الحِزْبِ الشُّيُوعِيِّ؛ فأحْزَابِ اليمينِ غير معنية بلعب هذا الدور؛ فليس مِن مَصْلحتِهَا امْتلاكُ الجماهير للوَعْيِ.
(5)
نشر الوعيِ يتطلبُ استحداثَ طُرُقِ فعَّالةٍ؛ وابتداعَ لغةِ خطابٍ مَفْهُومةٍ؛ فالوسائلُ التقليديةِ القديمةِ التي يتوسلُهَا الحزبُ الشيوعِيُّ لإنجازِ هذا الهدفِ لم تعدْ تغني الحاجةَ المتجددةَ للمعرفةِ؛ كما أنَّ التعويلَ في شرحِ البرامجِ وتوصيلِهَا على إصدارة جماهيريةٍ وحيدةٍ -غارقةٍ في الرَّتابةِ ولغةِ المصطلحات الكلاسيكية وتُعانِي من ضِيقِ ذاتِ اليدِ والملاحقاتِ الأمنيةِ- عملٌ غيرُ مجدٍ. والطَّريقُ للخروجِ مِن أزمةِ اعْتزالِ الجَمَاهيرِ للحزبِ والسبيلُ لهزيمةِ الدَّعاوي البُرْجُوازيَّةِ التي تَعْزُو أزمةَ العُزْلَةِ لاسْتَحَالَةِ اسْتِيْعَابِ الجماهيرِ للفكرِ الماركسي؛ يكمن في تعدد المنابرِ والإصداراتِ الثقافيةِ، وتَنْوِيعُ أشكالِهَا والاستفادةُ من تقنياتِ التواصلِ الحديثةِ؛ وتنشيطُ منظماتِ الحزبِ الجماهيريةِ؛ وانطلاقها نحوَ الأريافِ والقُرَى؛ لتسهمَ فِي طرحِ تفاصيلِ البرامجِ بِلُغَةٍ واضحةٍ ؛ مع التركيزِ عَلى طَرْحِ قَضَايَا الجَمَاهيرِ المُلِحَّةِ؛ وفتحُ نقاشاتٍ حولَ الحلول؛ التي تمثل طُموحاتِ القطاعاتِ الشَّعبيةِ الوَاقِعةِ تحْتَ تأْثِيرِ خطَابِ قُوَى اليَمِينِ.
(6)
لقد أَنْجَزَ الحزبُ الشيوعيُّ الخُطوةَ الأهم في مسيرةِ التجديد؛ حين أقر بوجود أزمة تحدُّ من نشاطه وقوة انطلاقه نحو تحقيق برامجه؛ وهو دليل عافية؛ ومؤشرٌ عَلَى أنَّ الجَميعَ قد استشعرَ خُطُورةَ الوضعِ الحالي؛ وعدم جَدْوى الاستمرَارِ على ذاتِ النَّهجِ؛ وانطلاقًا من هذا يفترضُ أن تخضعَ مجملُ التجربةِ السابقةِ -خاصةً فترة ما بين المؤتمرَيْنِ الرابعِ والخَامسِ؛ التي امتدَتْ زُهاء الأربعينَ عامًا- لمزيدٍ مِن الدِّراسةِ والتشخيصِ؛ للوقوفِ عَلَى المُعْضِلاتِ والأَزَماتِ التي برزَتْ؛ والانْحِرافاتِ المنهجيةِ التي نهضَتْ؛ وقَادَتْ في نِهَايةِ الأمرِ لحالةِ الكساحِ كظاهرةٍ لا تزال ملازمة لنشاط الحزب لم يستطعْ المؤتمرُ الخامسُ أنْ يضعَ لها المُعالجَاتِ الشافيةِ مما ادى لاستفحالها وانفجار صراع على مستوى القيادة؛ قاد لفصل مجموعة من الكوادر المهمة مؤخرا؛ أرى من الضروري أن يدقق المؤتمر النظر في حثيات هذا الفصل الذي اتخذته اللجنة المركزية باعتبار انه اعلى سلطة حاكمة للحزب.
(7)
خروج الحزب الشيوعي من المؤتمر القادم بقرارات تعالج ازماته الداخلية وتستعيد وحدة الفكر والارادة يتطلبُ جُهْدًا استثنائيًا مخلصًا في المداولاتِ ؛ يَخْرُجُ بالحزبِ الشيوعي مِن حالةِ أَلَّا ثَوْرِية ويؤطرُ لعودتِهِ للنهجِ الطليعي مُزِيلاً عَنه ما تَرَاكَمْ مِن غُبارِ الأُطْرُوحاتِ اليمينيةِ الداعيةِ للتَّخلُّصِ من الحمولةِ الايدلوجية؛ بعد أنِ اتَّضَحَ أن جَوْهرَ المعضلةِ التي قَادَتْ لحالة الكساحِ هو محاولةُ فرْضِ حالةً من التعايشِ الفكري بينَ تياراتٍ لم تعدْ تناقضاتُها تحتملْ غيرَ نفي أحدهما للآخرِ لتنهضَ الأغلبية لرسْمِ معَالِمَ الحزبِ؛ هذا يتطلب اتاحة الفرصة كاملة أنْ يدلوَ كلُّ صَاحبِ دَلْوٍ بِدَلْوِهِ فيما يُفِيدُ الطبقةَ صاحبة الشأن والتي لا يهمها من تيارات "البراجزةِ" الصغار سِوَى التيارِ الذي يُؤْمِنُ بخيارَاتِهَا؛ وَيَنْحَازُ لقضايَاهَا؛ ويصطفُّ في مقدمةِ صُفوفِهَا مُدافعًا عَن مصالحِهَا؛ وهو لا شك التيارُ الذي سينالُ ثقةَ الطبقةِ العاملةِ؛ ويبقَى جزءًا مِن قِيادَةِ حِزْبِهَا لأنه ؛ الاقدر على التميزِ بينَ تَّطلُّعاتِه الذاتيةِ والمصالحِ الطبقيةِ.
(8 )
الماركسيةَ ليسَتْ عَقِيدةً جامدةً، بلْ هي نَتَاجٌ معرفِيٌّ متواصلٌ مع تطورِ البشريةِ، وهي ليسَتْ فكرًا انعزاليًّا، بل فكرٌ حيٌّ مبدعٌ ومتجدِّدٌ؛ اهم مبادئه ممارسة النقد والنقد الذاتي وخوض الصِّرِاعُ الفِكْرِيُّ كضرورة لا غنى عنها داخل الحزبُ الثوريُّ؛ بحسبه أداةً محافظةِ على حيويةِ التنظيمِ الماركسي تبعد عنه شَبحِ الجمودِ الفكري وتحميه من تغوُّلِ التياراتِ المنحرفةِ التي تريدُ اختطافَهُ لجهةِ خدمةِ مصالحٍ طبقيةٍ تتعارَضُ ومصلحة الشرائح الاجتماعية المستضعفة؛ "فكلَّ فراغٍ إيديولوجيٍّ لا تشغلُه أفكارُ ثورية ينتظرُ أفكارًا منافيةً ومعاديةً للثورة"؛ من هنا تتجلَى أهميةُ الصراعِ الفكريِّ؛ كأداةً لحسم خلاف التوجهات داخل الحزب الثوري الذي تقومُ فلسفتُهُ عَلَى خدمةِ المجتمعِ؛ ومنحِ الإنسانِ الفهم الوَاعِي لمَا يَجْرِي مِن تبدلاتٍ في هذا الكونِ، وتُسلحَهُ بأدواتِ المعرفةِ ، لفَهْمِ قوانينِ الثورةِ الاجتماعيةِ.
(9)
لا يمكن القول بأنَ الحزبَ الشيوعيَّ السوداني بخير؛ وقطاعٌ عريضٌ من منسوبيه؛ يغردُ خارجَ الأطرِ التنظيمية؛ وفي هذا الشأن هناك قرارٌ خرجَ به المؤتمرُ الخامس كلفَ لجنةً بمتابعةِ قضايا العضويةِ المبتعدةِ والمُبعدةِ والبَتّ في هذا الملفِ؛ أرجو أن تكونَ هذه اللجنةُ قد أنجزَتْ ما كُلِفت بهِ؛ وإلاَّ سيكونُ من واجبِ المؤتمر السادس محاسبتَهَا؛ فلن يستعيدَ الحزبُ نشاطَه المعتاد ووهجَه النضالي الذي ميزَهُ؛ ما لم يحسمْ هذا الملفَ؛ وما لم تستحدثْ هيكلة تنظيمية جديدة تنظمُ عملَ فروعِ الحزبِ وقواعده في الداخل والخارج على أساسِ المتغيرات؛ التي حدثَتْ في التركيبةِ الطبقيةِ للمجتمع السوداني؛ خلال ربع قرن ونيف من حكم اليمين الإسلاموي الذي مَارسَ تعسفًا منظمًا على الطبقَةِ العاملةِ وحدّ من فعاليةِ أدواتِ نضالها النقابيةِ؛ وأتاحَ الفرصةَ أمامَ تفشِي أمراض الرأسمالية الطفيلية.
(10)
إن التشريدَ الذي مارسَه نظام الحركة الإسلامية على الطبقة العاملة والوسطَى؛ قد أدَّى لتشوهاتٍ عظيمةٍ في التركيبةِ الطبقية للمجتمع السوداني؛ وهناك ايضا العولمةِ والثورة التقنية؛ التي أحدثَتْ تغييرًا في طبيعة العملِ البشري؛ وتركيبة القوَى المنتجة؛ وامتد اثرها لعلاقات الإنتاج؛ عَلَى الحزبِ أن يستصحبَ كل هذه المتغيرات وهو يرسم تكتيكاته واستراتيجياته القادمة؛ وهو يعيدُ بناءِ هياكلِهِ التنظيميةِ؛ وتجديدَ أطروحاتِهِ الفكريةِ؛ فالمُتغيراتٍ الداخلية والخارجية التي حدثت خلال الربع قرن الأخير عميقة ؛تستوجبُ استخدامَ المنهج الماركسيِّ بذكاء؛ لتحليلِهَا وتوضيحِ مدَى انعكاسِهَا؛ على المسلماتٍ النظرية؛ إن القيام بهذا الجهدِ الفلسفي أجدَى من دفن الرأس في الرمال والقول بأن كل شيء على ما يرام؛ كما أن القيام به يعري تهافت من هرع لإستلاف تجربة المنظومة الاشتراكية التي انْهَارَت؛ ومحاكمة تجربة الحزب الشيوعي السوداني عَلى أساسِهَا؛ فكل ما يهمُّ الحزبُ الشيوعي من تلك التجربةِ هو دراستُها لاستخلاص العبر؛ اما من يريد استلفها لتبرير أمر رحيله في موسم الهجرةِ إلى اليَمِينِ فذاك أمر يخصه وحده حيث لم تعد دعواتِ إبطالِ الماركسية التي انطلقَتْ في ستينيات القرنِ الماضي؛ ولاقَتْ رواجًا مع تفكك المنظومة الاشتراكية ؛ تستهوي أحد فقد اتضح أنها محض أمنياتٌ؛ لم تقدمْ دليلاً علميا مبطلاً لقوانين الماركسيةِ؛ وعلى العكس من ذلك واصلَتْ الماركِسِيةُ عطاءَها كمرشد ثوري وتظلُّ؛ سلاحًا حاسمًا في يد القوى الثوريةِ؛ المدافعةِ عن حقوقِ العُمالِ والفقراءِ؛ حيثُ لا يزالُ منهجُها أعظمَ منهجٍ؛ تحليلي نقديُّ ينهى عن منكرِ استغلالِ الإنسانِ لأخيه الإنسان، ويسلِّح الجماهيرَ بالقوةِ والإرادةِ لمواجَهَةِ الظلمِ والاضطهادِ، ويزودها ببوصلَةٍ لفهمِ الواقعِ، وتغييرِهِ ؛ الماركسية فلسفة علمية تؤْمنُ بالحركةِ والتطور والتغيير؛ وقد أسس الحزبُ الشيوعي السودانيُّ؛ منذ سبعين عاما على هذه المحجةِ الثورية الحمراءِ؛ ورضع منسوبيِه من ثدي افكارها ؛ فمن المستحيل ان يسمح أحد منهم بالعبث بكل هذا الارث المجيد او يقبل بمحاولات جر الحزب بعيدا عن قضايا الجماهير وهموم الطبقات المستضعفة ورميه في حضن الافكار الليبرالية.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.