حينما هبطت قيمة الجنيه السوداني إلى مستوى (5) جنيهات للدولار في سبتمبر 2011م، أي عقب إعلان انفصال جنوب السودان بنحو 3 أشهر فقط، ضجت الصحافة التي حملت كل عناوينها الرئيسية الهبوط المفاجئ لقيمة الجنيه، وبات الحدث الأبرز مصحوباً بارتفاع أسعار السلع، ثم بدأت الخُطط الحكومية بمختلف مسمياتها في محاولة لكبح جماع العملة الصعبة، ولا تزال الخُطط تُطرح، ثم توالى الهبوط. وحينما تجاوز الدولار (9) جنيهات، منتصف 2014م ومع إيقاف بنوك عربية وغريبة معاملاتها المصرفية مع السودان، كان ذلك كافياً للإقرار بأن البلاد تواجه أزمة اقتصادية شاملة وينبغي مواجهة هذه الحقيقة، وبدلاً من العمل على خفض الإنفاق، على أقل تقدير، كان أن تشكلت حكومة عريضة عقب الانفصال، في محاولة لحل الأزمة السياسية وقتها، فكانت النتيجة أن تضاعفت الأزمة السياسية والاقتصادية معاً، فبدلاً من خفض الإنفاق تضاعف الأنفاق في سبيل الترضيات السياسية والمعالجات الأمنية. السودان ومنذ انفصال الجنوب وذهاب النفط معه، جرّب كل الحلول النظرية حد التُخمة، وجميعها لم تُخاطب جذور الأزمة، الأسبوع الماضي فند الخبير الاقتصادي عبد الرحيم حمدي، كل الخطط التي طرحتها الحكومة وآخرها البرنامج الخماسي، طيلة هذه الفترة، اعتمد الاقتصاد على الخطط النظرية ثم الدعم الخليجي الذي يأتي كل حين، مع استغاثات الحكومة لبعض الدول أن تودع ملياراتها في البنك المركزي، ثم بعد فشل كل هذه المحاولات، اعتمد المسئولون أسلوب الخداع الإعلامي، على شاكلة مفاجأة كبرى لوزارة المعادن، مفاجأة كبرى لوزارة الزراعة. الآن وصل انهيار الجنيه أن تردت قيمته إلى (15) جنيهاً مقابل الدولار، ولا يزال من يتحدث عن محاولات لضبط سعر الصرف ووقف انهيار الجنيه، هكذا، مجاناً، دون عمل إلا بالكلام الذي لا يتوقف. الحقيقة أن الانهيار ليس انهيار عملة إنما انهيار شامل لا يستثني شيئاً. والحل لن يأتي من برنامج اقتصادي أو مصفوفة طالما الأزمة السياسية لم تبارح محطتها، إن لم تكن ازدادت حدتها. الأزمة شاملة لا تقتصر على الاقتصاد، وقطعاً هو أبرز مظاهرها. منذ 2011م وحتى اليوم، الخطط الاقتصادية لا تتوقف وانهيار العملة الوطنية لا يتوقف، وكأنما ارتبط وثيقاً بهذه الخطط. لماذا لا يطرح المعنيون بالاقتصاد سؤالاً واحداً، هل هي أزمة اقتصاد أم أزمة وطن بحاله، وهل تخاطب كل هذه الخطط جذور الأزمة أم أن تلك أمانيهم.. كيف يستعيد الجنيه قيمته بينما عجلة الإنتاج متوقفة تماماً؟! التيار