السودان عضو في منظمة الإيجاد، المنظمة الإفريقية التي توسطت في حل مشكلة الجنوب وشاركت في صياغة الحل الإفريقي للأزمة في جنوب السودان، بصورة تؤدي إلى وقف إطلاق النار وتحقيق السلام وتشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها كل القوى السياسية الجنوبية، لتواصل تطبيع الأوضاع بعد تحقيق السلام وتقود إلى انتخابات عامة في غضون ثلاثين شهراً. والسودان بهذه الصفة ملتزم تماما بمقررات الإيجاد التي ساندها منبر شركاء الإيجاد وصدق عليها مجلس السلم الإفريقي واعتمدها مجلس الأمن الدولي، وأساسيات ذلك الحل هو وقف الحرب وترسيخ السلام والاقتسام العادل للثروة والسلطة، وقد قبلت الأطراف هذا الحل والتزمت به حتى لو كان لأي طرف تحفظات عليه، فهذا لا يعفيه من التزامه أمام المنظمة الإفريقية ودول الجوار الإفريقي. لكن القتال الكارثي الذي اندلع في مدينة جوبا بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وبعد تنصيب د.مشار في منصبه كنائب أول لرئيس الجمهورية وتعيين وزراء يمثلون المعارضة، هو انتهاك صارخ لذلك الاتفاق أيا كانت الجهة التي تسببت فيه، ولا بد من التحقيق فيما حدث وتحديد المسؤوليات. لكن الأولوية يجب أن تعطى الآن لاستعادة اتفاقية السلام لمسارها الطبيعي وتنفيذها بكل مكوناتها ونشر القوة الإفريقية التي تحفظ الأمن في جوبا وتفصل بين الفرقاء، هذا واجب عاجل ولا بد أن تتواصل المشاورات مع حكومة الجنوب لبدء انتشار القوة الإفريقية بأسرع ما يمكن، وضمان تعاون الرئيس سلفاكير معها وإعادة النظر في قراراته السابقة التي أعفت قادة المعارضة المسلحة والسياسية من مناصبهم وتعيين بدلاء لهم، لأن التعيينات الجديدة خرق للاتفاقية وستعيد الجنوب لمربع الحرب، ولن تحقق سلاما لأنها توحي بأن رئيس الجمهورية بدلا من أن يستوعب قوى المعارضة سعى لشق صفوفها. الحكومة السودانية تجد نفسها في وضع ملتبس، فهي من ناحية جزء من المنظمة الإفريقية التي اعتمدت الحل السلمي لأزمة الجنوب والتزمت به تماما، ومن الناحية الأخرى تربطها علاقة حميمة وذات طبيعة خاصة مع الدولة الوليدة، باعتبارها الدولة الأم، وأي تقارب من جانبها يمكن أن يفسر باعتباره انحيازاً لأحد الأطراف، وتريد أن تتخذ موقفا محايداً تماما في الصراع حتى لا تتخذ موقفا يحسب على أساس أنه انحياز لهذا الطرف أو ذاك، ولكنها مطالبة في المقام الأول أن تتخذ الموقف المؤيد لتنفيذ الاتفاق بكامله وسرعة نشر القوة الإفريقية حتى لو اعترض أي من الطرفين على ذلك. الموقف الصحيح هو الموقف الذي يضمن عودة السلام والاستقرار للجنوب، وهذا موقف لا بديل له سوى انهيار الدولة الوليدة لو استمر النزاع الحالي بهذه الوتيرة. لقد استضافت الخرطوم هذا الأسبوع طرفي الصراع في جنوب السودان، وهي البلد الوحيد الذي تزامن فيه وجود النائب الأول البديل الذي عينه سلفاكير (تعبان دينق) مع وجود النائب الأول (ريك مشار) الذي جاءت به الاتفاقية وفصله رئيس دولة الجنوب بالمخالفة لنصوص الاتفاقية، وقد قبل السودان زيارة الأول وفق منصبه الجديد كما استقبل الثاني (لأسباب إنسانية) حسب التصريح الرسمي. لكن هذا الدور المزدوج يجب ألا يؤثر على موقف السودان الرسمي الداعم للتنفيذ الفوري لكل بنود اتفاقية السلام الموقعة.. وإذا كان السودان قد اعتذر بسبب حساسية موقفه من المشاركة في هذه القوة، فإن ذلك لا ينبغي أن يوثر على التزامه وحمله لكافة الأطراف الجنوبية لقبول نشر هذه القوة فوراً، لأنه السبيل الوحيد لضمان أمن العاصمة وخلق الجو الآمن لكي تقوم حكومة الوحدة الوطنية بتشكيلها السابق بدورها كاملاً خلال الفترة الانتقالية. إن الوضع الراهن في الجنوب جد خطير، وكل الأسباب التي تقود لانفجار جديد في الأوضاع الأمنية متوفرة، ولذلك فإن التحرك الإفريقي الشامل وبالسرعة الفائقة بات مطلوباً وبصورة عاجلة حتى لا تحدث كارثة جديدة.; العرب