عقب انتهاء العملية الانتخابية الأخيرة العام الماضي، والتي مُنيت بمقاطعة واسعة ارتد صداها على الذين ظلوا يزايدون على قيم الوطنية ويُوزِّعون شهاداتها على معارضيهم. مساعد الرئيس ونائبه في شؤون الحزب إبراهيم محمود يلقي قولاً ثقيلاً، إذ قال إن مرحلة ما بعد الحوار سوف يكون هناك معسكران، أحدهما للحرب والآخر للسلام، ومعسكر الحرب مَقصود به كل المُقاطعين لحوار القاعة الذي غط في نوم عميق. نقل المركز السوداني للخدمات الصحفية أمس، تَصريحاً مُشابهاً لذات الحديث ومن ذات المسؤول الأبرز في الحزب الحاكم، قال إبراهيم محمود، إنّ الحكومة لن تلتفت للحركات المتمردة ولن تحبس الحوار الوطني في انتظارها، والذي يرفض السلام والحوار يُعتبر إرهابياً ولا يَستحق المحاورة والتفاوض، وزاد قائلاً: سنمضي في طريق الحوار والسلام لإحداث التنمية المُستدامة. القضية ليست في من اختار معسكر الحرب ومن اختار معسكر السلام، ولا في من الإرهابي ومن هو غير الإرهابي، السؤال الذي يَنبغي أن يُحظى بإجابة شافية، أين موقع الشعب من هذه التصنيفات والمعسكرات؟ هل هو مع معسكر الحرب لأنه يتململ من ضيق في كل شئ، أم هو إرهابي لأنه يخرج في مظاهرات احتجاجية لانقطاع المياه؟ يبدو أن السلطة أكملت كل ما لديها في إرسال رسائل الترهيب، بدءاً ب (ألحسوا كوعكم)، مروراً بتصريح رئيس البرلمان السابق الفاتح عز الدين الذي سحب الحق من المعارضين في دفنهم داخل وطنهم، وليس انتهاءً بوصف الرافضين الحوار بالإرهابيين، لكن يبدو كرت الإرهاب الذي ينتظم الخطاب السياسي بات آخر طلقة تفرغها السلطة. لتدع السلطة الحاكمة الأحزاب المعارضة جانباً، فليكن أنّ كلهم إرهابيون، وجميعهم اختاروا معسكر الحرب، ولتقفل السلطة باب الحوار تماماً، بل لها أن تتصوّر المشهد هادئاً آمناً بلا أحزاب معارضة ولا حركات مسلحة، ولتسأل نفسها، أي السلطة، هل انتهت الأزمة وحُلت جذرياً بغياب المعارضة المدنية والمسلحة، أم لا تزال الأزمة موجودة. القضية أكبر من نافع، عقار أو عرمان، البشير أو المهدي، الميرغني، القضية أن وطناً بحاله ينهار بطريقته الخاصة ولا ترى السلطة سوى أنه عمل تخريبي تقوم به المعارضة من جهة ودول (الاستكبار) من جهة. القضية أنّ الوطن يتلاشى ولا يزال مُنظِّرو السلطة يرمون كل ذلك على الاستهداف الخارجي.. القضية أنّ الأزمة لا تُرى بعين السلطة المُجرّدة، حتى ولو بلغ الدولار 20 جنيهاً. التيار