الإضراب الذي أعلنته ونفذته نقابة أطباء السودان والعاملين في جهاز المهن الطبية يعتبر حلقة بارزة في سلسلة نضالات حركة نقابات أطباء السودان والحركة النقابية المهنية والتي تصدت منذ الوهلة الاولى لانقلاب الجبهة الإسلامية في يونيو 89 وعملت على كشف برامجه وأهدافه المخفي منها والمكشوف وطالبت بإلغاء كل الإجراءات والمراسيم التي اعلنتها قيادة الجبهةالإسلامية العسكرية. كانت اولى الخطوات الجريئة التي اتخذت بوضوح الرؤيا والوعي الديمقراطي ببواطن الامور والمواقف الثابتة ما جاء في البيان الصادر عن رابطة الاطباء الاشتراكيين بتاريخ 10 اغسطس 89 وكان قد سبقته مذكرة من قبل قيادات نقابات المهنيين إلى رئيس مجلس قيادة (ثورة الانقاذ) تؤكد على تمسكها بالمواقف الدولية التي تنص على حرية العمل النقابي والحريات الاساسية وذلك بالاستناد على المواقف الصادرة من المنظمات الدولية كمنظمة العمل الدولية التي صدر قانونها في العام 1947 وكذلك منظمة العمل العربية, وما تجدر الاشارة إليه أن السودان يتمتع بعضوية كاملة في هاتين المنظمتين. اوضح بيان رابطة الاطباء الاشتراكيين ان الجبهة الاسلامية اطاحت بالنظام الديمقراطي تحت شعارات مبهمة مثل إصلاح الحياة السياسية وانقاذ الوطن والتوجه القومي للاحزاب وفشل النظام الديمقراطي. الهدف من كل تلك الدعاوى إقامة نظام ديكتاتوري بفرض وصايا على الحركة الديمقراطية واقامة دكتاتورية عسكرية, تبع ذلك كما جاء في البيان الغاء الدستور وحل المؤسسات القضائية وحل الاحزاب والمنظمات الجماهيرية وتعطيل الصحف واقامة المحاكم الخاصة. بناء عليه امتدت يد السلطة لتصفية القوات النظامية في الجيش والشرطة والامن ولم تسلم الخدمة المدنية من التشريد الواسع خاصة الكفاءات والناشطين النقابيين تحت شعار الصالح العام, وصف البيان ما حدث انه بداية حقيقية حقبة جديدة كالحة السواد في تاريخ الحركة السياسية السودانية. جاء في البيان ايضاً ان ما حدث عبارة عن تآمر شامل مستهدف لإجهاض المكتسبات التي حققتها جماهير الشعب السوداني في اكتوبر64 ومارس 1985 والانتفاضات اللاحقة التي تهدف إلى إقامة نظام ديمقراطي يحقق الحرية والحياة الاقتصادية والإجتماعية المستقرة, خاطب البيان جماهير الشعب السوداني.. الزملاء والزميلات الطبيبات والاطباء معلناً الآتي:- اننا من هذا المنبر نعلن رفضنا التام لما حدث من تغول سافر على الديمقراطية والنظام الديمقراطي كما نعلن موقفنا الثابت والمعلن من رفض اي وصايا من اي جهة كانت على جماهير الشعب السوداني وعليها أن تعلن تمسكها بميثاق الدفاع عن الديمقراطية ومواثيق الانتفاضة ونعلن ان الطريق لاستعادة الديمقراطية شاق ولكن ثقتنا في الحركة الجماهيرية وعبقريتها ثابتة, واسترسل البيان… ومن هذا المنطلق ندعو إلى تكوين أوسع جبهة من اقسام الحركة الجماهيرية ممثلة في احزابها ونقاباتها وتنظيماتها الجماهيرية وشخصياتها الوطنية لمقاومة واحباط هذا المخطط الخبيث ولتتحد كل القوى داخل وخارج نطاق الاطباء للدفاع والتمسك بالديمقراطية منهجاً واسلوباً للحكم ولتتحد قوانا لإسقاط هذا النظام (انتهى بيان الاطباء) ما اشبه الليلة بالبارحة وهاهم اطباء السودان يرفعون نفس شعارات الامس مقرونه بقضايا الوضع الراهن الذي يعيشه شعبنا اليوم ويدعون ويناضلون من اجل تغييره لان الوضع وصل حداً لا يمكن السكوت عليه والتعايش معه. والسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح ما العمل وما هي معالم الطريق الذي تسلكه فصائل الحركة الجماهيرية لتحقيق اهدافها وغاياتها المتمثلة في الخلاص من هذا النظام الذي حول حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق. في تقديري ان الخلاص من هذا النظام لا يمكن ان يحدث بضربة واحدة, تجارب الشعب السوداني ضد الانظمة الدكتاتورية المتعاقبة يؤكد ذلك, نحن اليوم ما زلنا في بداية الطريق للوصول الى الهدف المنشود نحن ندعو الى التركيز على المعركة الهامة اي معركة الاضراب المفتوح الذي تخوض غماره نقابة اطباء السودان والعاملين في حقل المهنة. الاطباء انطلاقاً من موقفهم ومسئولياتهم إستشعروا الخطر الجسيم قبل خطر الموت الذي يهدد الملايين من افراد الشعب السوداني وتلك حقيقة لا تقبل الجدل او الوقوف في الحياد منها. ما زالت لدينا قوى وطنية يمكن أن تتحرك وكذلك احزاب سياسية ومنظمات ونقابات نسائية شبابية وطلابية على الرغم من غياب وحدة البرامج المشتركة. من المؤكد إذا صدقت النوايا أن نتبنى قضية الاطباء ونلتف حولها وندعمها ومن الاشياء الصغيرة تتولد الاشياء الكبيرة. الاطباء السودانيون المتواجدون في كل قارات العالم ومدنها الكبيرة يقع على عاتقهم تنظيم حركة فعالة لدعم اضراب الاطباء ومتابعة نتائجه. الى جانب ذلك يقع على عاتقهم مسئولية التوجه الى المجتمع الدولي والعمل على مخاطبة الدوائر المسئولة بغية توضيح ما يجري في السودان وتحميلهم جزء كبير من مسئوليتهم تجاه الجرائم التي ارتكبها النظام في السودان خاصة انتهاكات حقوق الانسان. في هذا النطاق أرى ان الاخوة العاملين في المنظمات الدولية موظفين او اداريين او متعاونين عليهم ان يلعبوا دوراً كبيراً اضافة الى نضال شعبهم وتحريك قضاياهم التي تحتاج الى دعم اممي. مكافحة الاوبئة والامراض الفتاكة لم تعد قضية سياسية يتحمل عبئها قطاع معين من الناس بل اصبحت منتشرة وممتدة اثارها المدمرة في كل تجمعات العالم, من بين القضايا الشائكة التي تحتاج إلى دائرة عمل خاصة بها هي قضية حرب الإبادة والدمار التي يشنها النظام في دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق وهذا يحتاج إلى عمل متواصل يشارك فيه السودانيين الذين يمتلكون الكفاءات والمعرفة ولديهم تجارب في هذا المجال واهم ما في الامر أن تكون لديهم علاقات دوليه تؤهلهم لإنجاز مهام معينة يستطيعون المشاركة بها كمشاركين للحركات التي تحمل السلاح والمنضوية تحت لواء الجبهة الثورية وهذا الموضوع أصبح لا يحتمل التأجيل خاصة بعد أن بدأ النظام يستخدم اسلحة الإبادة والدمار الشامل ومن بينها السلاح الكيماوي المحرم دولياً وفي الوقت نفسه توقفت حملات الإغاثة واغلقت الطرق المؤدية لها وصفيت مراكز الإغاثة الدولية والامم المتحدة أصبحت في حالة صمت تام وفشل ذريع في كسر الحصار وتقديم العون لأعالي مناطق الحروب المحاصرة, إزاء هذا الوضع الخطير حسب تقديري لا يوجد اي حل لازمات البلاد المستفحلة سواء بتنظيم جبهة للمعارضة وعلى كل المستويات وطرح مطالبها بصورة محددة تتوافق مع وعي وامكانات الافراد والجماعات. ان تجارب نضال شعبنا ضد الانظمةالدكتاتورية ما زالت حية في ذهن الشعب السوداني والدليل على ذلك هو اضراب الاطباء بوصفه امتداداً وتطويراً لتجارب سابقة ارتكزت عليها الحركة النقابية والتي جعلت من سلاح الاضراب العام اداة فعالة لمقاومة ومقارعة الدكتاتورية المدججة باسلحة القمع واملنا كبير في أن يكون اضراب الاطباء أول الغيث على أن تحقق جميع الاهداف والمطالب التي وردت دون تسويف أو مماطلة رغم الصعاب والمشاق التي تحيط بذلك. أختم قولي بأنه لابد وبشكل عاجل تكوين جسم معارض حيوي وفعال يضم كافة ألوان الطيف المعارض بشقيه السياسي والعسكري اضافة الى النقابات وتنظيمات الشباب والنساء والطلاب ومنظمات المجتمع المدني والتحرك الفوري في اعمال التعبئة واستنهاض الجماهير والانطلاق للعمل في أوساطها للتعجيل باسقاط النظام. د.محمد مراد..براغ