* ليست كافية هي الكتابة؛ لتعبّر عن الجور المترحل عبر سنوات طويلة؛ ينهش عظام عمال الشحن والتفريغ بميناء بورتسودان.. ولا أظن أن هنالك جهة لم تسمع أصواتهم.. فقد وصل أنين مظالمهم لكراسي البرلمان!! كما اخترق جدران كثيرة دون فائدة..! * أمس تلقيت (سطراً) من أحد الأماجد؛ يذكرني بقضية (16) ألف عامل يبحثون عن حقوقهم؛ ويحدوهم الأمل لنيلها؛ رغم أن محاولات (اقتلاعها) تشابه حال الذي يأخذه الحماس لخطف سمكة بين فكَّى (تمساح)..! وحسب معلوماتي فإن أعداد العمال (المجني عليهم!) تزيد عن الرقم المذكور. * مطالب هؤلاء العمال عبارة عن حقوق مالية استحقوها بعرق جبينهم.. لكنهم منذ سنوات طويلة يصطدمون بعقبة المماطلة المعتادة بين (الجمعية النقابة) ولا فرق بين الإثنين؛ إذ هما (رأس واحد) يصدر كل هذا النكد للعمال.. فلا جمعية عمال الشحن والتفريغ (المتهمة) من قبل هؤلاء العمال تلبي مطالبهم ولا النقابة ترتفع لمستوى المسؤولية لانصافهم..! * المتابع لأزمة عمال الشحن والتفريغ على مدار سنوات خلت سيجد المربط هو (حقوقهم المسلوبة لا غير!) والحق يجعل صاحبه يؤمل في الضوء مهما تطاولت عليه الظلمات (والظلم مرتد على الباغي طال الزمن أم قصر)؛ كما أن القارئ لأخبار الأزمة ذاتها لن يجد اختلافاً في سياقها؛ سواء في العامين الماضيين أو ما سبقهما.. أفلا تكفي أعواماً ممتدة في عسرها على العمال؛ لايجاد حل من صميم (العدل)..؟! * تعالوا نقرأ خبراً بصحيفة (الجريدة) في 13 يناير 2015م: (رسم عمال الشحن بولاية البحر الأحمر صورة قاتمة لمستقبل حقوقهم واتهموا إدارة الهيئة والجمعية بسلبها لأكثر من 50 عاماً؛ بجانب انتهاج سياسة التهديد بالطرد من العمل عند المطالبة بها؛ واستنجدوا بالبرلمان لإنصافهم، وتقدم العمال أمس بمذكرة تظلُّم للجنة العمل والمظالم العامة ضد نقابة العاملين. * تواصل الجريدة بالقول: (واتهم ممثلو العمال في حديثهم للصحفيين عقب تسليمهم المذكرة للجنة الحسبة والمظالم بالبرلمان أمس نقابة وجمعية عمال الشحن والتفريغ بالولاية بممارسة عقوبات فردية وقطع أرزاق العمال في الميناء دون أسباب مبررة؛ بمنع الشرب والأكل عن العمال؛ وسحب بطاقات الدخول الى رصيف الميناء، واعتبروا تصرف الإدارة غير إنساني، وانتقدوا الازدواجية بين الجمعية والنقابة لجهة أن الرئيس واحد، وطالبوا البرلمان بالتدخل الفوري لفصل الجمعية عن النقابة ومراجعة أموال الجمعية؛ بالإضافة الى تحديد إدارة واضحة للجمعية التي تأسست منذ العام 1968 وحتى تاريخ اليوم منحت كل عامل 4 جنيهات فقط كربح من الجمعية؛ من جملة استحقاقاتهم البالغة 6 مليار جنيه، واتهموا الجمعية بتبديد أموال العمال. * غداً نواصل.. وقبل الغد علينا التذكُّر بأن أصل الظلم ليس في الجمعيات والهيئات والنقابات فهذه (فرعيات) له؛ إنما أصله في رأس الدولة (المَاكِن)..! (2 2) * مؤكد أن الحقوق المليارية للعمال قد زادت ونحن في 2017.. فالرقم المذكور قبل عامين (6 مليارات جنيه) لا يمكن أن يظل ثابتاً منذ ذلك التاريخ.. وهو يمثل تراكم حقوق الصابرين سنين عددا..! لكن تعالوا نتلمس الجانب الأخطر في قضية عمال الشحن والتفريغ (خارج البواخر) ببورتسودان؛ وهي أن ال(16) ألف عامل ليسوا كلهم مسجلين في الجمعية الخاصة بهم..! المسجلون حوالى (4) آلاف فقط.. والفوضى هنا تتمثل في أن الجمعية تأخذ أجر الجميع من عشرات الشركات الملاحية (ليس في هذا مشكلة)؛ الإشكال أن الجمعية ذاتها تأخذ مع الأجر عمولة من الشركات (20% نظير العامل الواحد).. وسألنا: هل ال(12) ألف عامل غير المسجلين في الجمعية؛ تصلهم أية فائدة من هذه ال(20%)؟! وجدت إجابة مصادري (لا)..! علماً بأن هؤلاء يعاملون كالمسجلين تماماً..!! هنا مكمن التلاعب.. فالمصادر ذاتها اتفقت بأن ضياع حقوق العاملين والعبث الحقيقي يتلخص في هذه الجزئية..!! إذن القضية (مال فقراء يضيع بطريقة ليست غامضة مع سبق الإصرار)..! * رغم الأموال التي تكدسها الجمعية نلمح بعض استثماراتها المعطلة (مصنع الطحنية نموذجاً)!! بمعنى أن العمال لا يشمون أموالهم مجرد (شم)! وفوق ذلك لا تريد جمعيتهم استثمارها بأسلوب أمثل يعود عليهم بالخير!! فأين مسجل الجمعيات من هذه الفوضى؟! المسجل لو أراد ضبط التصرف في الأموال و(أسهم) الاستثمارات وتبيان الحساب الحق للعمال؛ فالقانون لم يبتلعه (الحوت) بعد..!! لكن كيف تتوفر الإرادة والشفافية وسط طقس ملوث يضرب مكاتب التفيذيين المكتنزين من (عرق العمال).. كيف يحصل العامل على حقه بلا (لف ودوران) وإذلال؛ في عهد بلغ فيه الفساد عنان السماء.. والحاكمون يفاقمون الظلم باللا مبالاة طالما أن أمورهم (ماشة!)؛ وطالما أن مجلس إدارة جمعية عمال الشحن والتفريغ لم تنقطع مرتباته ونثرياته التي اعترض الكثيرون عليها..!! * جمعية عمال الشحن والتفريغ اتهمها العمال في العام 2014 بالمحسوبية في شخص رئيسها الذي ظل يجلس لقرابة نصف قرن في منصبه..! قالوا أنه منح حق العمل في (الميناء الأخضر) بالبحر الأحمر لأولئك (المحاسيب)! لكن القضية الأساسية التي تدور الأسئلة حولها هي الحقوق (المختفية) خلف التسويف..! فالمعروف أن الجمعية لها (ضروع) لا يستفيد العمال من (حليبها) حسب منطق الحال.. أخبار ذلك العام المتجددة حتى اليوم تقول إن الجمعية تمتلك إستثمارات بولاية البحر الأحمر منها (المصنع المذكور) ومستشفى وفندق؛ إلاّ أن العمال لا يعرفون إلى أين (تطير) الإيرادات..!! فكيف لا يعرف المظلومين مكان أموالهم إلى الآن إن لم تكن هنالك (خراطيم) وأيدٍ (لاحقة)؟! هل ثمّة ضغوط من "جهة ما" على الجمعية (النائمة في العسل) رغم كاهلها المثقل (بحق الناس)؟! هذا سؤال لا أظنه يحظى بإجابة..! وهل تتمدد أجساد العمال المتعبة طويلاً فوق جمر الانتظار؟! أم آخر (نقطة ماء) جفت من وجوه الأزمة؛ وبالتالي يشرب المتعبين من البحر (بمنطق الجمعية)..!! * سلطة الإنقاذ التي ابتدعت التشريد (بالصالح العام) وارتكبت جريمة فصل الآلاف من خيرة المهنيين والموظفين لصالح (مشروعها التدميري الممنهج) في التسعينيات؛ نعلم أن هذه السلطة لا تفرق معها إضافة آلاف العمال لمضامير العطالة والتشرد والمعاناة.. فالذين دفعوا ثمن خبراتهم لغول (الصالح العام) على حساب طفيليي (الجبهة الاسلامية) وجهلائها؛ لا ضير للنظام الحاكم إذا أضاف إليهم العمال (ملح الأرض)..! أن يواجه عمال الميناء الفقراء مصيراً مأساوياً لا يعني للإنقاذيين شيئاً أكثر من (إنتصار على المواطنين!).. وماذا لديهم سوى راية الحرب المرفوعة على الشعب وخلخلة المجتمعات بالعوز والمسغبة؟! * مسألة ظلم عمّال الميناء أكبر من جمعيتهم الفاشلة.. فللفساد أكثر من وجه مع وجود الجهات الأخرى النافذة في عهد التمكين (المستمر).. والبرلمان الذي يشتكي إليه المسلوبين جزء من آليات التمكين.. هو في حقيقته ليس (مجلس شعب) بل مجلس سلطة مستبدة؛ من الصعب أن تجد له اسماً مناسباً.. ومجمل قضايا العمال وملايين غيرهم جديرة (بالتمرد) و(حمرة العين) و(الثورة).. قضية الحقوق في السودان شاملة وهي القاسم المشترك بين جميع الفئات.. لا توجد مؤسسات جديرة بثقة المظلومين حينما يكون الطرف الظالم ينتمي للنظام الحاكم بأية صورة.. الثقة يجب أن تتوفر بين كيانات العمال وهم قوة لا يستهان بها إذا تماسكوا تحت شعار (حقك أقلعو)..! فالسلطة التي تدار من الخرطوم تعيش (بالقلع) والذي ينتظر منها عدلاً أولى به انتظار (حتفه)..! أعوذ بالله الجريد (الالكترونية).