* إستفزنى بشكل موجع مقال للمحاضر الجامعى الدكتور (محمد طالب) نشره ب(الراكوبة) نقلا عن كتابه (الشخصية السودانية – دراسة أنثربولوجية نفسية)، الذى قامت بطباعته ونشره (دار عزة للنشر)، ولا أدرى كيف وافق صاحب ومدير (عزة) الاستاذ (نور الهدى محمد) الذى عرف بفكره التقدمى، بنشر كتاب يتضمن مقترحا مضحكا وموجعا فى نفس الوقت ينم عن دونية كبيرة، وهو تغيير اسم السودان، لأنه يدل على اللون الأسود، رغم التبريرات العديدة وغير المقنعة التى أوردها الكاتب فى مقاله وكتابه !! * يقول الاستاذ الجليل، "إن السودان نعتاً عند العرب يدل على البشر الذين اتسموا بسواد اللون، وهم عكس البيض، والذى يُجمع عند العرب ب(البيضان)"، ولا أدرى ما العيب فى أن يكون الانسان صاحب لون اسود أو أبيض أو اى لون آخر، حتى يطالب الاستاذ الجليل بتغيير اسم السودان، لانه يدل على سواد البشرة، وهل تقييم الناس أو البلاد يكون باللون، أم بأفعالهم وأعمالهم وحضارتهم؟! * ثم ألسنا بالفعل أصحاب بشرة سوداء، فما الذى سيتغير فى نظرة الناس إلينا إذا كان تقييمهم لنا يقوم على اساس اللون، إذا غيرنا اسم دولتنا الى اسم آخر لا يدل على لوننا، أم أن الاقتراح القادم سيكون إجراء عمليات تفتيح بشرة لكل مواطنى الدولة، حتى يتناسب الاسم الجديد مع اللون الجديد لجميع اهل السودان، وليس فقط لون المهووسات بالتفتيح سعيا للعمل بفضائية (النيل الأزرق) التى تسببت بسياستها الرعناء باستيعاب صاحبات البشرة الفاتحة (او المفسوخة) كمذيعات، وتمييزهن عن صاحبات البشرة السوداء، فى انتشار ظاهرة تفتيح البشرة بشكل جنونى بين فتيات ونساء السودان، بل بين بعض الرجال، وإحساس الكثيرين بالدونية من لون بشرتهم الغامق، لدرجة الاعتقاد أن تغيير اسم السودان، سيضع حدا لها، ويجعلهم فى وضع أفضل بين ( العربان ) ومواطنى الدول الأخرى أصحاب البشرات الفاتحة!! * بعد فذلكة تاريخية مختصرة عن تاريخ السودان، برر الدكتور مقترحه بالآتى: 1 – "يعتبر اسم السودان اسماً وصفياً أجوفاً، لا يرتبط أو يعبّر عن المعاني والدلالات التاريخية والحضارية لهذا البلد وقومياته المختلفة، وليس في العالم أجمع دولة حملت اسمها من لون بشرتها، سواء أكانت من الدول البيضاء أو السوداء، ما عدا إثيوبيا والتي تعني لدى قدماء الإغريق الوجوه المحروقة"، ولا أدرى سواء كانت هنالك دول أو لم تكن، تستمد اسمها من لون بشرة مواطنيها ما العيب فى ذلك، وهل يجب علينا أن نلتزم بمقاييس غيرنا فى تسمية بلادنا؟! 2 – "يعبّر الاسم عن موقف سالب تجاه اختيار الاسم الرامز، فتاريخية الاسم ومدلوله الراهن، يعبّر عن أنه وصفاً أطلقه الآخرون علينا ولم نختره لأنفسنا"، وأتساءل، ما الغريب والخطير فى أن نتخذ اسما أطلقه غيرنا علينا، ولو كان هذا الاسم هو جمهورية (البيضان) أو (الكيزان)، هل كان الدكتور سيقترح تغييره، وبالمناسبة هل يعرف الدكتور وهو يعمل ويقيم بالمملكة السعودية مدى الاحترام الذى يجده السودانيون هناك وفى مناطق كثيرة فى العالم، رغم سواد بشرتهم واسم دولتهم، فما الذى يرغمهم على هجر هذا الاسم الى اسم آخر؟! 3 – "يرتبط اسم السودان بحقب استعمارية بغيضة، وهو اسم ينافي معاني الوطنية والذاتية والهوية، الأمر الذي فطنت له العديد من الدول، فقامت بتغيير أسماءها تمشّياً مع تطلعاتها المستقبلية، ونظرتها لذاتها، واستدعاءً لرموزها الجغرافية والتاريخية، وتجاوزاً لتلك الحقب المظلمة من تاريخها"، وهو بالطبع حديث غير صحيح، فالاسم قديم جدا باعتراف الدكتور نفسه، ولم يرتبط بحقبتى الحكم التركى والحكم الثنائى فقط، وحتى لو افترضنا ذلك، فماذا يعيب فى الاسم، وما الذى يرغمنا على محاكاة غيرنا؟! 4 – "هو وصف سطحى، لا يتضمّن أي تحديد أو إشارات لخصائص ذاتية، إلا تلك الخصائص التي ارتبطت بالصورة النمطية للسود في التاريخ الإنساني، وهي الصورة الشائهة التي تتضمن معاني العبودية والاستضعاف والاستخفاف"، ونتساءل، وهل ارتباط كلمة السود أو (السودان) فى التاريخ البشرى بالعبودية، يعنى إستمراره حتى الآن، وهل سيؤدى تغيير الاسم (مع بقاء اللون) الى تغيير مفهوم عبودية السود وتخلفهم، لدى اصحاب هذا المفهوم من العنصريين، أم سنظل فى أنظارهم عبيدا متخلفين، ما دمنا أصحاب بشرة سوداء رغم أن اسم بلادنا (جمهورية البيضان) مثلا؟! * ثم ذكر الدكتور سبيين آخرين لم يخرجا عن مفهوم ارتباط اللون الاسود أو الاسم بالعبودية والاستضعاف، ثم نقض غزله بيده ونسف كل أفكاره ومبرراته التى اوردها لتغيير الاسم ، ما عدا ارتباطه باللون الاسود، وذلك بالحديث عن أن بشرة السودانيين ليست سوداء، وانما اللون الغالب بينهم هو (القمحى) أو (الأسمر)، وهو ما يؤكد ان المبرر الوحيد للدكتور الذى جعله يقترح تغيير الاسم هو ارتباطه باللون الاسود، الأمر الذى دفع أحد قراء (الراكوبة) الغراء للسخرية منه مقترحا تغيير اسم السودان الى (جمهورية القمحان)، حتى يتناسب الاسم الجديد مع لوننا القمحى!! * ويختم الدكتور مقاله برأى غريب جدا ومضحك فى نفس الوقت بقوله أن "أولى خطوات الإصلاح، وأول عتبات العودة إلى السيرة الحضارية الأولى للسودان والتي انقطع عنها حضارياً، هي تغيير اسم السودان إلى إسم يتلافى كل العيوب والمشكلات والمآخذ المترتبة على اسمه الحاضر الآن" .. تخيلوا أن يكون هذا رأى استاذ جامعى، وليس مجرد مواطن بسيط، وهو أن الاصلاح يبدأ بتغيير الاسم الذى سيعيد ربطنا بالحضارة، وينهى مشاكلنا ويضعنا على عتبات التنمية والتقدم .. إذن، وعلى طريقة قارئ (الراكوبة) المحترم، فإننى أقترح أن يكون اسمنا الجديد هو (الولاياتالمتحدة القمحاوية)، حتى نتخلص من عبوديتنا، وتتحقق لنا الحرية والتقدم والسيادة على العالم، إذا كانت هذه الامانى والاهداف تتحقق بتغيير الاسم!! * كنت اعتقد أن تفتيح البشرة والسعى الحثيث وراء وسائل التفتيح، وعشق اللون الفاتح، هو (هَوَّس بناتى) فقط، ولكن يبدو أن بعض الرجال أكثر هوسا بذلك، لدرجة تأليف الكتب وتدبيج المقالات، لتغيير اسم السودان الى اسم جديد يتناسب مع لوننا القمحى (الافتراضى)، ويضعنا على اعتاب الحضارة والتقدم والسيادة على العالم!! الجريدة الالكترونية [email protected]