لا أظن أن الدكتور غازي صلاح الدين، بصفته رئيساً لتحالف قوى المستقبل أو حركة الإصلاح الآن، أحسن حساب وتقديرات خطوة التوقيع على (الوثيقة الوطنية) التي تعني عملياً دخوله في التحالف السياسي الحكومي. صحيح بعض الأخبار نقلت أن (التوقيع مشروط بعدة بنود) لكن لا أعتقد أن الدكتور غازي يغيب عن بصره أن الذين دعموا الوثيقة بكل قوة من أول يوم.. ثم وقعوا عليها أصالة عن أنفسهم، ووضعوا كل البيض في سلة "الوثيقة الوطنية".. مثل حزب المؤتمر الشعبي لا يزالون يكافحون بيأس وإحباط لتمرير ما اتفقوا عليه في توصيات الحوار الوطني.. فكيف بمن لم يشاركوا أصلاً ليقفزوا الآن في آخر عربة من القطار فيتحدثون عن (شروط)!، بكل يقين الحديث عن شروط سيفهم أنه مجرد حفظ ماء الوجه بعد طول تمنع من الدخول في الحوار. حسناً؛ لا مانع أن تكون هناك (وثيقة وطنية) تتراضى عليها أحزاب لتشكل حلفاً سياسياً مع المؤتمر الوطني.. فالأعراف السياسية تقبل التحالفات بل ربما تحبذها.. لكن تبقى ملاحظة حتمية.. بافتراض أن (الوثيقة الوطنية) هي برنامج عمل الأحزاب الموقعة عليها.. ألا يعني ذلك أن تحالف قوى المستقبل ليس له خطة للمستقبل سوى (الوثيقة الوطنية) التي مهرها بتوقيعه.. وأنه عملياً بذلك يقرّ أنه أصلاً لم يبن تحالفه على مستقبل محدد القسمات، ومتفق عليه بين مفردات التحالف.. بل هي مجرد كلمة أو لافتة فارغة من (خطة للمستقبل) تنتظر أول فرصة متاحة للقفز في أول قطار متحرك نحو المستقبل حتى ولو كان بأجندة لا علاقة للتحالف بها.. بل ورفضها في الماضي ثم قبلها في عملية (هبوط اضطراري) مفاجئ في آخر لحظة!. بعبارة أخرى.. في مقابل برنامج (الوثيقة الوطنية) كان الأحرى أن تكون هناك (رؤية للمستقبل) أخرى من تحالف اشتق اسمه من (المستقبل).. فلو احتفظ تحالف قوى المستقبل بفرصة ابتدار أو استنباط (وثيقة) أخرى.. وعكف على بلورة تحالف آخر ليس بالضرورة مناقضاً بل منافساً لربما حاز على شرف بناء برنامج وطني لمستقبل آخر غير المستقبل الذي يتبناه المؤتمر الوطني.. فالواضح الآن لأي ناظر بصير.. أن تفاصيل (وثيقة المستقبل) الحكومية لا تحوي جديداً بل هي تكريس للواقع بالمفاهيم ذاتها والروح ذاتها. السودان في حاجة ماسة إلى عقلية جديدة .. ترعى مفاهيم جديدة.. لأن (28) سنة من الحكم المتواصل يشهد عليها الواقع الماثل الآن بين أيدينا.. ولا يعقل أن تنجح العقلية والمفاهيم التي سادت ثم فشلت في تبديل الواقع إلا إذا.. إلا إذا، أُبدلت بعقلية ومفاهيم جديدة!. يبدو أن ظهر حصان (المعارضة) غير مسرج.. فصعب البقاء عليه طويلاً!.