السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من اوراق ورشة حزب الامة عن الأوضاع بجنوب السودان
نشر في حريات يوم 12 - 04 - 2017


بسم الله الرحمن الرحيم
حزب الأمة القومي
كلمة الأستاذة سارة نقد الله الامينة العامة للحزب في ورشة عمل آثار الأوضاع بجنوب السودان الخيارات الاستراتيجية والآفاق المستقبلية 10 أبريل 2017
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه ومن والاه.
الحبيب الإمام رئيس الحزب الأحباب والحبيبات ضيوفنا الكرام وقيادات حزبنا مع حفظ الالقاب..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يطيب لي في هذا الصباح الباكر ان أرحب بكم واشكر لكم استجابتكم لدعوتنا بالمشاركة في هذه الورشة المهمة والتي أردنا لها أن تأخذ شكلها القومي لقناعة راسخة بأن مثل هذه القضايا يجب النظر لها بمنظار وطني بما لها من تأثير على مجمل الحياة العامة في السودان والإقليم.
والتي تأتي ضمن حزمة من الورش لتطوير رؤى الحزب في قضايا الحوكمة والسلام والتي ابتدرناها بسمنار تعريفي وتحضيري في فبراير 2017 وتلته جلسة أولى حول العلاقة بين الدين والدولة.
لقد تطورت الأوضاع بدولة جنوب السودان بصورة متسارعة نتيجة الحرب الأهلية والانقسام السياسي وفشلت كل جهود التسوية مما أدى إلى التردي الخدمي والمعيشي والاقتصادي المريع والذي بموجبه أعلنت حكومة سلفا كير المجاعة وتزايدت إعداد النازحين شمالا إلى السودان عبر الحدود، وطالبت وكالات الامم المتحدة المختلفة بمد يد العون لشعب الجنوب.. تفاقم الأزمة وفشل الدولة الوليدة أعاد فتح ملفات الماضي والحاضر والمستقبل ومن منطلقات مختلفة، وحزب الأمة القومي لديه رؤية ومرافعة قوية تحت مسمى" معاهدة التوامة " بين البلدين تمثل مدخل لإعادة النظر في المشهد بصورة كلية، كما للحزب أفكار لتطوير هذه الرؤية على ضوء التطورات في البلدين والمستجدات الإقليمية والدولية..
تأتي هذه الورشة لدراسة الاوضاع والمستجدات في الدولة الوليدة، ولتطوير رؤية التوامة إلى مشروع متكامل يرسم ملامح شكل العلاقة بين البلدين مستقبلا، والاليات الكفيلة بالتدخلات السياسية والدبلوماسية والإنسانية والإعلامية في ظل السيناريوهات التأزمية والتعاونية .
تهدف الورشة إلى الوقوف على حقيقة الأوضاع في جنوب السودان وتحليل الأزمة الإنسانية والسياسية وتداعياتها. والتعاطي الأمثل مع ما يحدث في جنوب السودان ، مع تحديد أشكال التدخلات الإيجابية والرهانات الفاعلة في المستقبل . والتي تناقش المحور الإنساني والسياسي والإعلامي والثقافي والاجتماعي والامني والاقتصادي في أربعة أوراق عمل اساسية هي:
قراءة سياسية : مآلات الأوضاع بجنوب السودان على ضوء الأزمة الراهنة.. تقديم د. أحمد حسين
قراءة تاريخية: قراءة في كتاب (ميزان المصير الوطني في السودان) تقديم محمد الأمين عبد النبي
قراءة جيو سياسية : التبادل الثقافي والاقتصادي والوشائج الاجتماعية بين شعبي السودان وجنوب السودان. تقديم عبد الرسول النور..
قراءة مستقبلية : العلاقة بين السودان وجنوب من الابرتايد إلى الوحدة إلى الانفصال إلى التوأمة تقديم الإمام الصادق المهدي.
ختاما : نطلع إلى مناقشات هادفة من المشاركين، وكلنا أمل أن تخرج بتوصيات تساهم في إجلاء الحقيقة وترسم ملامح مستقبل أفضل لشعبي البلدين ..
نجدد ترحيبنا بكم ..
والسلام عليكم ورحمة الله..
………………
*قراءة تاريخية : عرض كتاب ميزان المصير الوطني في السودان للإمام الصادق المهدي*
*محمد الامين عبد النبي*
مدخل:
ونحن نُعِد لهذه الورشة المهمة حول "أثار الاوضاع في جنوب السودان: الخيارات الاستراتيجية والافاق المستقبلية" راينا أن تكون القراءة التاريخية حاضرة، وقد إتصالنا بالبروفيسر يوسف مختار الامين والدكتور عوض جبر الدار الضليعين في هذا المجال، وبعد ترحيبهما بالفكرة وموافقتهما علي الكتابة والقراءة في كتاب الإمام الصادق المهدي "ميزان المصير الوطني في السودان" لكن لإرتباطهما بمهام خارج السودان في نفس توقيت الورشة سيقدمان قراءاتهما التاريخية لاحقاً، وتأتي مساهمتي هذه في إطار "سد الفرقة" وإبراز محتوي الكتاب بما له من قيمة معرفية وصلة وعلاقة وثيقة بهذه الورشة. فهي ليس "قراءة" لأن القراءة بالضرورة تمثل إنتاجاً معرفياً لا يقل قوة ولا اهمية عن المتن المقروء وتمثل إضافة في حد ذاتها للحفر والدراسة وإثارة التسأولات والبحث في المنهج والغوض في المضمون، ولكن ما سأقدمه لا يخرج من كونه "عرض" الكتاب وتقديم بعض الملاحظات العامة حوله.
(1)
يُسلط كتاب "ميزان المصير الوطني في السودان" الضوء علي مختلف العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية والايدلوجية التي تفاعلت في القضية السودانية بمجملها وقلبها قضية الجنوب والتي أدت الي المصير الماثل – إنفصال جنوب السودان- فقد شرح العوامل التي شكلت التراكمات والرهانات والتمظهرات في ميزان دقيق القياس (قضايا وأطراف)، ومع توالي الاحداث والتطورات المحلية والأقليمية والدولية تأكدت قيمة وصدقية الكتاب الذي صدر في 2010م وصارت قيمته واضحة بعد إنفصال الجنوب في مطلع 2011م، ويمكن القول أن نبوة الكاتب قد صدقت في كثير من سطور الكتاب. وما زالت سطوره تكتسب حيويتها وصيرورتها وقدرتها علي التأثير علي الحاضر والمستقبل.
من هنا جاءت أهمية الكتاب الذي صدر عن مكتبة جزيرة الورد بالقاهرة ويقع في (536) صفحة من القطع الكبير ويشمل (14) فصل بالاضافة الي مقدمة تضع ملامح المستقبل تحت عنوان " تعريف" وخاتمة غير تقليدية تمثل الفصل الرابع عشر تحت عنوان "تصميم" وينطوي كل فصل علي عناوين فرعية عديدة مما اتاح تقديم معلومات تفصيلية مهمة للغاية حول قضية جنوب السودان وبقية قضايا السودان التي لا تنفصل عن بعضها البعض. كما أن أهمية الكتاب لا تنبع من توقيت إصداره وقيمته المعرفية العالية ومضمونه الثر وموضوعاته المتداخلة فحسب بل كذلك من الكاتب نفسه الذي عاصر أهم المحطات التاريخية التي تحدث عنها الكتاب، وخبرته في العمل العام، ومنصته القومية، وشغله لمنصب "رئيس الوزراء" مرتين، وديناميكيته في صنع الاحداث، وتاثيره علي الحياة العامة في السودان وخارجه، ومازالت أطروحاته تفتح أفاقاً واسعة تثير جدلاً فكرياً وسياسياً.
هدف الكتاب واضح يستنهض بمسئولية تصحيح الرؤية ووضعها في سياقها التاريخي وفق قراءة موضوعية حتي لا يكون تصورنا لتاريخنا مشوهاً، إذ يقول الكاتب في أولي سطور كتابه (سأعرف في هذا الكتاب قارئ العربية بجنوب السودان ثم أروي بموضوعية قصة الحرب والسلام في السودان حتي إنتهي الامر الي تقرير المصير وقصة إتفاقية السلام التي أوجبته وما تطلعت اليه من وحدة جاذبة والعوامل الموضوعية التي جعلت الانفصال جاذباً ومالات الاستفتاء ما بين وحدة علي أساس جديد أوفر ندية أو إنفصال أكثر أخوية)، وقوله أيضاً في نهاية مقدمة الكتاب (هذا الكتاب مرافعة من أجل شرعية قومية جديدة يحققها أهل السودان فيصنعون من الازمة فرصة).
أما موضوع الكتاب فهو تتبع دقيق وموسع لرحلة البحث عن سلام عادل وشامل لوطن مثقل بالجراح، ومراجعة لكيفية تفاعل السودانيين مع الاحداث، وقد حفز الكاتب علي هذا السِفر هو بحثه الدؤوب لاجابة علي سؤال السودان الي أين؟؟
كذلك بدأ واضحاً أن الكتاب قد إنطلق من منهج متكامل (يجمع بين المنهج التاريخي والمنهج التحليلي) وعمل علي دحض المسلمات المزيفة في أثناء تناوله روافد النزاع والهوية العربية الاسلامية والاقتصاد والانتخابات والاستفتاء. وأوضح كيفية قراءة التراث والتاريخ بموضوعية، وكيفية إستنباط تصورات المستقبل المسنودة بمشروع سياسي لتدارك الامور.
(2)
تّولت المقدمة تلخيص فصول الكتاب وعالجت الهدف من الكتاب وطبيعته ووضع إطار مادة الكتاب وفق تسلسل منطقي ومباحث متناسقة من حيث الموضوعات والتواريخ والاحداث.
يقف الكاتب في الفصل الاول من الكتاب علي التعريف بهوية جنوب السودان من جغرافيا وسكان وقبائل وتاريخ ومكونات وسمات وأنماط التدين وإستعراض كافة الحقب التاريخية وتركاتها واثقلها تركة فترة الاستعمار الثنائي، وبّين كيف أن التحامل علي تاريخ العلاقة المشتركة بين الشمال والجنوب المبني علي قراءات متجنية لتاريخ التبادل بين الجهتين كان وسيظل أساسا لتدخلات اقليمية ودولية في قضية الجنوب وأيضاً تعد من أهم أسباب فجوة الثقة.
ويُبرز الفصل الثاني روافد النزاع والتي تتمثل في الفشل في إدارة التنوع الثقافي والمظالم التنموية ومظالم إقتسام السلطة والبعد الاقليمي والدولي بشي من التفصيل، مقدماً تصورات إستيعاب التنوع، ومعدداً حروبات الاقليم وتاثيراتها علي الجنوب، ومجهودات المجتمع الدولي الايجابية والسلبية.
وإستطرد الكاتب في الفصل الثالث ذكر التراكمات الخبيثة للنزاع في جنوب السودان عبر العقود بدءا بتركة الاحتلال ثم العهود الوطنية، ويستخلص الفروقات الكبيرة بين ثقل تركة النظم العسكرية عن النظم الديمقراطية.
وعكس هذه الصورة تماماّ جاء (التراكم الحميد) في الفصل الرابع والذي وضح بجلاء أن الحكومات الديمقراطية كانت دائماً هي التي تسعي للحلول السلمية وان الحكومات العسكرية هي التي تعقد النزاع.
وحرص الكتاب علي إعطاء صورة واضحة حول إتفاقية السلام التي أدت الي الانفصال خصص لها الفصل الخامس والذي سرد بالتفصيل والتحليل كيف أن مقاصدها ضاعت في التنفيذ؟.
وناقش الفصل السادس صعود الاسلام وسقوط الاسلاموية والذي كشف فيه عن تجارب التطبيق الاسلاموي في نظام نميري والبشير وصلتهما بتفجير الاوضاع في الجنوب وتأثيرهما في المصير الوطني.
تطرق الفصل السابع الي الاداء الاقتصادي تحت عنوان (الاقتصاد يجمع ويطرح) ووقف علي التشوهات في الصرف التي إقتضتها الديكتاتورية والمظالم الجهوية وضياع النفط وحدد اسس الاصلاح الاقتصادي.
أما الفصل الثامن فيسير علي نسق شرح اوضاع الجنوب الداخلية ومشاكله مستنداً علي تقارير وكتابات غربيين وأشار للمشاكل التي يمكن ان يعانيها الجنوب بعد الانفصال.
ثم أورد الكاتب في الفصل التاسع رواية ما حدث في دارفور تحت عنوان (دارفور قاصمة الظهر) وكيف تطورت الاحداث فيها نتيجة سياسات النظام وفشل كل الاتفاقيات والمبادرات.
وفي ذات السياق يقدم الفصل العاشر تقييم للإنتخابات التي جرت في 2010م وكيف انها لم تراعي المعايير الدولية.
الفصل الحادي عشر تحدث عن الاستفتاء وإستعرض قانونه والتحديات التي تواجه والقنابل الموقوتة التي تحدق به.
وتناول الفصل الثاني عشر بدقة قضايا ما بعد الاستفتاء خاصة القضايا المعلقة والمستحدثة.
وعّرج الفصل الثالث عشر الي الافاق الدولية خاصة التدخل الامريكي والضغوط من أجل تنفيذ الاتفاقية، وتداعيات التدخلات الخارجية وتأثيرها علي الشئون الداخلية في السودان.
ورسمت الخاتمة صورة متفائلة رغم عظمة التحدي في في هندسة مشروع جديد لبناء الوطن الواحد او الوطنين التوأم.
(3)
في سياق الصراع في السودان، والذي تطاولت سنواته، وتداخلت أجنداته، وتوالدت أسبابه، ظهرت قراءات تاريخية كثيرة متقاطعة ومتباينة بل ومتناقضة في بعض الاحيان في غالبها تبحث عن "شماعة" تحملها المسئولية، ومحاولات إستدعاء تاريخ مزيف بغرض إيجاد مسوغ لمشروع سياسي بعينه إستغلالاً لازمة الجنوب، وتعددت النظرة لها من ناحية تاريخية وبالتالي تنوعت طرق التعامل معها والتي تتراوح ما بين إعتبرها قضية ثقافية أو دينية أو إثنية، ولكن ظلت رؤية الإمام الصادق المهدي لطبيعة الصراع ثابتة أنها أزمة سياسية وقد بّين ذلك في كتابه " مسألة جنوب السودان" الصادر في إبريل 1964م، وفي كتابه ايضاً " إتفاقية السلام والدستور في الميزان" مايو 2005م، وما تلاهما من كتب، وجاء هذا الكتاب تتويج لكتاباته السابقة التي تناول هذه الاشكالية بذات الرؤية لكي يعالج في قراءة تاريخية الابعاد السياسية للصراع ولكي يفند تركة الحكومات المتعاقبة في التراكم الحميد والخبيث ومسئولياتها عن ما حدث في الجنوب. ولكي يرسم صورة مغايرة عن الكتابات التاريخية التي تناولت القضية، والتي وقعت أغلبها في مصيدة التعميم فلم تفرق بين الحكومات المتعاقبة (الديمقراطيات قصيرة العمر التي سعت للحل والديكتاتوريات طويلة العمر التي فاقمت الازمة)، وبالتالي بّدد الكاتب السزاجة أو السطحية التي تتصف بها بعض من الكتابات في هذه القضية، عبر قراءة تاريخية مؤثقة مسنودة برؤية سياسية حاولت جاهدة إبراز الدور الذي لعبته الانظمة والحكومات المتعاقبة. فقد عاش الكاتب واقع الحياة العامة في السودان وقضية الجنوب عن كثب مما أسفر هذا السفر الضخم الذي إجترح فعلاً مقاربة واقعية تسلتهم التاريخ وتتماهي مع معطيات الواقع، فقد برهن علي قدرة هائلة في سرد الاحداث وتداعياتها. وقد تناول الامام الصادق المهدي في كتابه هذا بالتفصيل أسباب مشكلة الجنوب والتي أرجعها الي:
التباين الثقافي بين الشمال القائم علي تمسكه علي الدين الاسلامي واللغة العربية وبين أقاليم غاب عنها أو ضعف هذا العاملان، زائداً الاختلاف المكتسب بسبب سياسة الجنوب وإستحداث الثقافة المسيحية وهو إختلاف غذته مرارة ومخاوف موروثة.
التباين الاقتصادي والاجتماعي الذي أدت اليه التنمية غير المتوازنة والاحساس بالحرمان والاهمال.
القسمة غير العادلة في السلطة في البلاد والاحساس بالتهميش.
النزاعات في الاقاليم التي ينتمي لها السودان جيوسياسيا خاصة القرن الافريقي ومنطقة البحيرات وشرق أفريقيا وأقليم البحر الابيض المتوسط.
وجود السودان في خارطة الاستقطابات أبان الحرب الباردة وإكتشاف النفط (البعد الدولي).
(4)
يتضمن هذا الكتاب بين دفتيه مجموعة من الاطروحات الفكرية والسياسية ذات العلاقة بالقضية المركزية (جنوب السودان) التي يعمل علي معالجتها بإستقراء التاريخ والاستفادة منه في الحاضر والمستقبل خاصة تلك الاطروحات التي تتعلق بالهوية والطرح الاسلامي والاقتصاد والجغرافيا وإعادة كتابة التاريخ والسلام والحوكمة.
يمكن القول أن موضوعات الكتاب علي كثرتها الا أنها وجدت حظها من التحليل العميق، وسمح بمتابعة تطور القضية والمواقف حيالها علي المستوي المحلي والدولي بشكل دقيق الي أن وصلت مرحلة إستفتاء تقرير المصير كإحدي المحطات المصيرية والتي إستأثرت فيها الولايات المتحدة بالدور الرئيسي.
الكتاب يعكس بلا شك جهداً واضحاً وهو في مجمله مفيد الي حد بعيد لكونه يشمل هذا القدر الكبير من المعلومات والشمول والتوثيق. فغني عن القول أن الكتاب تضمن قائمة ضخمة من المراجع والوثائق المجمعة التي أغنت فصول الكتاب ودعمت محتواه، وجعلت منه مرجعاً مهماً وإضافة من الوزن الثقيل للمكتبة السودانية.
هاكذا فإنك بعد إنتهاءك من قراءة الكتاب تجد نفسك قد قرأت كتاباً في التاريخ والجغرافيا والسياسة والفكر والقانون والثقافة وقد أحطت بكل جوانب القضية السودانية.
(5)
علي الرغم من الجدل الكثيف والقراءات التاريخية لقضية الجنوب الا أن أصحاب الشأن "المثقفين الجنوبيين" ظلوا غائبين غياباً فعلياً عن هذا المسرح، بل بعضهم إستندوا علي مقاربات تاريخية بعينها وأصبحوا يكررونها، وبالكاد لا نعني الغياب التام فهناك كتابات لمؤرخين جنوبيين تمثل مصدراً معرفة بالجنوب. ولعل الإمام الصادق قد إنتبه لهذه الفجوة حيث يقول في كتابه هذا ( إن تبيان تاريح السودان مسألة هامة للغاية كحق ثقافي إنساني للشعب في الجنوب وفي الشمال كذلك، في التعرف علي تاريخ أسلافه ومواطنيه، وفي ان يكون هذا التاريخ جزءا لا يتجزي من رواية التاريخ السوداني ككل .. ولكنها – أي رواية تاريخ الجنوب – مسألة صعبة دونها خطة بحثية محكمة غياب هذه الخطة يعد احد الاسباب الكثيرة لانتقادنا لا تفاقية السلام الاخيرة وخلوها من الاتفاق حول أهم مزيلات الخلاف.. فالحاجة الي برتكول ثقافي …. ليس أقل أهمية من حاجتنا لاقتسام الثروة والسلطة… فالرصيد الوثائقي والبحثي والمعرفة الآثارية في السودان غير متساوية وبعض المناطق غير مكتشفة بصورة شاملة. هناك مجهودات قام بها مؤخراً بعض الجنوبيين لتجميع التراث الشفاهي والاعراف القبلية علاوة علي المجهودات التي قام بها في الماضي المبشرون الاروبيون والاداريون البريطانيون … هذه المجهودات ينتظر أن تتطور في شكل إعادة بناء للتاريخ الجنوبي بإستخدام مناهج إستخلاص التاريخ بمساعدة الروايات الشفاهية والموجود من وثائق وآثار…. إذا لم يكتشف تاريخ الجنوب القديم سيظل تاريخ السودان يروي من جوانب محددة هي المكتشفة والمعروفة مما يسبب غبنا لبقية الجماعات وستظل الحركات الجنوبية نهبا للتصورات الخاطئة حول دور الجنوبيين في التاريخ القديم).
(6)
في ختام جولتنا المختصرة في رحاب هذا الكتاب نستطيع أن نؤكد بأن هذا الكتاب كانت الحاجة له ماسة لكي يسد الفراغ المعرفي حول الموضوع ويرفع وعي الشعب السوداني عامة والمواطن الجنوبي خاصة، يضاف الي دراسات وكتابات أخري عملت علي كسر قيود الجمود التي ألجمت العقل السوداني، ويشكل الكتاب مساهمة حقيقية في عمليات التطور السياسي في بلادنا، فقد أخذ الكتاب علي عاتقه إبتدار عملية التنوير السياسي بمحطات قضية الجنوب.
من خلال متابعة بسيطة نجد أهم النتائج التي توصل اليها الكتاب تتمثل في:
بناء الوعي الحقيقي بقضية السودان في الجنوب، وذلك في إطار تفكيك الوعي الزائف المعيق للسلام الشامل.
فتح حوار موضوعي لإعادة قراءة وكتابة التاريخ الذي يستهدي به في بناء الحاضر والمستقبل لهيمنته علي العقل والوجدان السوداني.
قضية الجنوب في الاساس سياسية وكلما كان الإنحراف عن هذا المدخل تأزمت القضية، كما ان التسوية السياسية ذات الابعاد الثنائية ساهمت في تكريس الإنفصال، بتركيزها علي إقتسام السلطة دون الاخذ في الاعتبار روافد النزاع الحقيقية.
المصير الوطني في السودان علي كفتي ميزان إما وحدة وطنية في ثوب جديد يقوم علي إزالة عيوب إتفاقية السلام وبالتراضي علي دستور يحقق الندية أو إنفصال سلس وبناء توأمة ترسم ملامح المستقبل المشترك بين الشعبين في إتفاقية تكامل وليس مفاصلة وقطيعة.
بهذا العرض التاريخي الشيق وإستخلاص الدروس والعبر وتقديم خارطة المستقبل يكون بذلك أوفي الكتاب بموضوعاته وأهدافه، ومع ذلك، يمكننا أن نقدم بعض التوصيات التي من شأنها البناء علي ما جاء في الكتاب :
الكتاب نشر في كل المكتبات السودانية وتولت صحيفة الحياة نشره في حلقات وتم تدشينه في منتدي الصحافة والسياسة وجرت حوله مناقشات علي مستوي العديد من المنتديات والملتقيات كل ذلك عقب إصداره مباشرة، ولاهميته هناك ضرورة لإعادة طبعه (الطبعة الثانية) وترجمته الي الانجليزية، وتوزيعه بشكل واسع في شمال وجنوب السودان.
دمج تاريخ الجنوب ومسارات السلام والنزاعات في مناهج تربوية وتعليمية وذلك لخلق جيل جديد متوازن خالٍ من الازمات النفسية والاجتماعية جيل واعي بتاريخه وإرثه ومدركاً لواقعه.
تبني رسالة إعلامية هادفة وداعمة حركة التنوير والوعي وإعادة صياغة العلاقات بين شعبي السودان وجنوب السودان بما يضمن العيش المشترك.
هذه الورشة تضع إطار المداخل الرئيسية للتعامل مع الاوضاع في جنوب السودان، وبالضرورة أن يتم الاعداد الي ملتقيات تهدف الي التبشير بغدٍ واعد والتنوير بمخرجات هذه الورشة، كما يمكن تبني مجموعة إسفيرية بين البلدين هدفها وضع أجندة المستقبل ويمكنها ترتيب ملتقي شمالي جنوبي بغرض تأكيد الالتزام السياسي بالاجندة المشتركة ومستقبل الشعبين.
………………
قراءة سياسية: لمآلات الاوضاع بجنوب السودان على ضوء الازمة الراهنة
أ.أحمد حسين أحمد
مدخل:
تهدف هذه الورقة الى وضع معطيات وحقائق تاريخيه كأساس يمكن ان نستشرف منه قراءة لحاضر العلاقة بين الدولتين المنفصلتين ومستقبلهما فى ظل تسارع الاحداث والماذق السياسى والعسكرى والامنى والانسانى الذى دخلت فيه دولة جنوب السودان، وكان قمينا ان يدفع حزب الامه القومى رؤيته حول مالات الاحداث الجاريه الان تحت رؤيه التوامة بين البلدين كمشروع متكامل لوضع ملامح مستقبليه لشكل العلاقة بين البلدين تقوم على منهج جديد ومصالح تخدم شعبى البلدين وتعمل على معالجة امراض وترسبات الماضى.
مقدمة:
الوضع الراهن المازوم فى جنوب السودان على الصعد السياسيه والامنيه والاقتصاديه اعاد بالفعل جنوب السودان الى دائرة الاحداث الاكثر خطورة فى المنطقة ليس فقط على المستوى المحلى لكن هذه المرة اخذ ابعادا اقليميه ودوليه … على مستوى السودان نشطت دوائر عديده مهتمة بالامر لكن للاسف على مستوى ضيق وباهتمام متقطع تجذبه التطورات الداخليه فى البلاد كما ان كثير من الحادبين على استقرار الاقليم اخذو فى وضع سيناريوهات عديده لاستشراف رؤى مستقبليه للاستقرار والامن والسلام فى هذا البلد الجار والذى لانزال مرتبطين به باواصر الاخوة ووشائج الجيرة .هذا البلد الممزق والذى بسبب الحوكمة السيئة وهشاشة مؤسساته والاطماع السياسيه المتنازع عليها اصبح فى عداد الدول التى يمكن توقع العديد من االازمات فيه.هنا لا بد ان اثمن عاليا مبادرة وجهد حزب الامه القومى فى تناوله الوطنى المخلص لهذه القضية الاستراتيجية من مبدأ سياسى واخلاقى وانسانى فى هذا الظرف الهام الذى اختلطت فيه الاوراق والملفات وتمحور الهم العام للاسف فى قضايا حصريه فىتقاسم ماتبفى من فتات السلطه وحصر الوطن فى اطر ضيقة والبعد عن اى رؤى اقليميه تعيد البلاد الى دائرة الحراك الاقليمى المستحق .
تحتم الضرورة متابعة العلاقة بين ماكان يعرف بشمال السودان وجنوبه فى كافة المحاور السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه وموضوع الهويه حتى يتثنى لكل باحث ومدقق ومراقب وضع هذه العلاقة فى اطارها الصحيح بعيدا عن اى عواطف ومؤثرات تاريخيه قويه قبل انفصالهما واصبحتا دولتين متجاورتين.
جذور الازمة:
جذور ازمة مشكلة الجنوب لها عدة اسباب بالرغم من ان جل هذه الاسباب ترجع الى الحقبة الاستعمارية وسياسة المستعمر الا اننا لا نعفى النخبة السياسيه الحاكمة والتباين الواضح بين المركز والهامش فى معظم العوامل الثانوية التى عمقت مشكلة الجنوب وكانت متأصلة في السياسات الخاطئة والمضللة التي استنبطتها وطبقتها النخبة السياسية فى التنمية غير المتوازنة والمضى قدما فى كثير من السياسات الاقتصاديه الغير عادله ليس فقط على مستوى الجنوب لكن فى كثير من الاقاليم النائيه فى دارفور وجنوب كردفان وشرق السودان والتى اصبحت فيما بعد بؤر للصراع والتوتر واستنذفت موارد البلاد نتيجة تكلفة الحروب العاليه. فقد كانت الأسباب الثانوية انعكاسا لوجهة النظر الرسمية للسودان فيما يتعلق بالجنوب. ولم يكن موقف النخبة السياسيه فى ذلك الزمن وحاليا لوحده بل نجد ان ظهور وإعادة بعث الانقسامات والتناقضات العرقية أو الإقليمية المتأصلة في مجتمع الجنوب نفسه تفسر الكثير من هذا السلوك. ولذلك فان هنالك اربعة محاور رئيسة ومتداخله ترجع الاسباب الحقيقه للصراع فى الجنوب:
حقبة الفترة الاستعماريه/سياسة المستعمر
اشكال الهوية المتمثل فى التباعد الثقافى بين المركز والهامش ، اللغة والاسلام فى مقابل المسيحيه والثقافات الافريقيه وغياب الرؤية والارادة فى ادارة هذا التنوع.
البعد الاجتماعي: التصنيف ، الادوار فى منظومة العمل العام وفى داخل المجتمع
التفاوت الاقتصادي: عدم التوازن التنموي والاقتصادي الاجتماعي الإقليمي (اخيرا الصراع على الموارد الاقتصادية الطبيعية: النفط، والماء والأرض).
تراكم تلك الاشكاليات والازمات على مر التاريخ من تباينات واختلافات اثنيه و ثقافيه ودينيه واجتماعيه وخلل تنموى تم تكريسها من قبل المستعمر وعمقتها الحكومات السابقه خاصة العسكريه منها ، كل تلك الازمات رسمت مسارا سالبا فى مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب حتى خرجت الى السطح فى شكل تيارات مطلبيه قوية مرورا بمطلب الفدراليه ثم تحول الامر الى نزاع سياسى وعسكرى بين شمال وجنوب البلاد انتهى فى 1972 باتفاق اديس ابابا ودخول الطرفان مرحلة الحكم الاقليمى ، وتجدد الحرب بين المركز وحركات التمرد ثم هيمنة فكرة تقرير المصير بقوة على المسرح السياسى فى اكثر من محطة منذ المانيا وحتى التجمع الوطنى حتى اصبحت ضمن اجندة مفاوضات نيفاشا وبعدها انفصال الجنوب بقيام الدولة الوليده جمهورية جنوب السودان.
كان حتميا تتبع هذا المدخل والخلفيه حول شكل العلاقة التاريخيه بين الشمال والجنوب ، وهذا جهد تحليليى وليس اكاديمى يخضع للمدارسة والتوسع اكثر فى وقت مناسب اذا ما أتيحت الظروف.
الوضع الراهن والتداعيات السياسيه فى دولة جنوب السودان:
بعد انفصال جنوب السودان فى عام 2011 لم تهنأ الدولة الوليده بالسلام طويلا ، اذسرعان ما دخلت البلاد بعد عامين (ديسمبر 2013) حربا أهلية هددت السلم الاجتماعي، وطرحت أسئلة عديدة بشأن قدرة الدولة الوليدة على مواجهة التحديات المطروحة، وعلى رأسها أسس بناء الدولة ودور القبيلة في المشهد السياسي.
بعد توترات كبيره وشد وجذب داخل الدوله الوليده وقع الطرفان اتفاق سلام تحت ضغوط غربيه واقليميه فى اديس فى 2015 والذى نص على وقف اطلاق النار وتقاسم السلطة كان اتفاقا هشا منذ البداية وقل تركيز القوى الاقليميه الداعمه له مثل الولايات المتحده والدول المجاوره واصبحت حتى منظمة الايقاد غير نشطه تجاهه وهنا يكمن خلل المتابعة بواسطة اليات الاستدامة والتتبع. وترتب على هذا اوضاع انسانيه بالغة السوء مع انكماش المساعدات الانسانيه الدوليه والاقليمه وخطورة تحرك عمليات الاغاثة واحجامها بسبب الاعتداءات المتكررة من قبل المليشيات والتفلت العسكرى، وكان لابد ان يتم تسليط الضوء على الحالة الانسانيه الراهنه.
الوضع الانسانى :
بحسب مكتب الامم المتحده لتنسيق الشئون الانسانيه بدولة جنوب السوداننجد ان عدد المواطنين المحتاجين للمساعدات الانسانيه لعام 2017 يقدر عددهم ب 5.8 مليون نسمه اى تقريبا نصف عدد سكان الجنوب البالغ تعدادهم12 مليون نسمة وهذا ما يؤكد اعلان المجاعه فى جنوب السودان بحسب ما تداولته الاخبار يوم امس الاول باعلان رئيس الحكومة سلفاكير المجاعه بجنوب السودان رسميا. ويقدر عدد النازحين داخل دولة جنوب السودان المتأثرين بالعنف ب2 مليون نسمة ، اما عدد المواطنين الذين وصلتهم المساعدات الانسانيه فى يناير 2017فقط 1.2 مليون نسمة اى ان هنالك نقص حاد فى المساعدات والتمويل وهذا مايفسر حدوث المجاعه.كما أجبر أكثر من 2.3 مليون شخص – واحد من كل خمسة أشخاص في جنوب السودان – على الفرار من ديارهم منذ بدء النزاع. وايضا هنالك 3.9مليون شخص – أي شخص واحد من كل ثلاثة أشخاص في جنوب السودان – يعانون من انعدام الأمن الغذائي المفرط .http://www.unocha.org/south-sudan
احتدام الصراع المسلح:
الوضع الراهن كان نتاجا لتداعيات سياسيه داخليه وتعمق الانشقاق في صفوف الحركة الشعبية بمساندة كل طرف من طرفى الصراع (الرئيس ونائبه مشار) لقيادات اساسيه فى الحركه تم عزلها بواسطة الرئيس سلفاكير ، غالبيتهم من الموالين للراحل قرنق على راسهم الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم، ووزير خارجية السودان الاسبق قبل الانفصال دينق ألور، وربيكا قرنق أرملة مؤسس الحركة الراحل جون قرنق. ومن ثم اخذ الصراع بعدا قبليا داخل الجيش وهذا ما عمق الازمة اكثر ، اضافة الى ذلك تأثير عدم فك ارتباط مسار الحركه العسكرى الى المسار السياسى بتحولها لحزب سياسى وهذافاقم الاوضاع واحتدم الصراع والخلاف السياسي داخل الحركة الشعبية ليتصاعد اكثر حول منصب الرئيس الحركه.
المتغيرات على المستوى الجيوسياسى اقليميا ودوليا والانعكسات على الاقليم:
بلا شك ان هنالك تغيرات متسارع فى الوضع الجيوسياسىفى المنطقة ، اذ لايمكن يمكن تجاهل تأثير الصين ودول الخليج وتركيا (خاصة في القرن الأفريقي ومنطقة الساحل وشمال أفريقيا)فضلا عن تنامى النزعة القومية في أوروبا وعدم الطمأنينه لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كل هذه الاشياء اضحتتثير مخاوف جديدة.
على مستوى الاقليم حدث تحول كبير فى شكل العلاقة فى دول شرق افريقيا والقرن الافريقى ساعدت الحرب الدائرة فى جنوب السودان فى خلق مناخ جديد ،اذ قللت الحرب كثير من التوترات بين السودان ويوغندا وتوصل البلدان الى اتفاق بشأن دولة جنوب السودان ، اذ لم يكن البلدان فى حالة استقرار قبل الوضع الجديد فى دولة الجنوب.
زاد التوتر بين جوبا واديس لاستضافة الاخيرة قادة الحركه الشعبيه بما فيها نائب الرئيس وتوصلت جوبا لقناعه بان لاتلعب اثيوبيا اى دور قيادى فى تنفيذ اتفاق السلام الذى وقع فى اديس فى 2015 ولا حتى المشاركة فى القوة الاقليميه.
مصر هى الاخرى محور هام فبالرغم من العلاقة القويه بين اسمرا والحركة الشعبيه الا ان تطور اخر حدث فى 2014 عضد من العلاقة بين جوبا واسمرا فى الطرف النقيض من العلاقة مع اثيوبيا… مصر اخذت موقعا متقدما فى دولة جنوب السودان خاصة بعد صعودها الى مقعد مجلس الامن وكذلك النزاع الطويل حول بناء اثيوبيتا لسد النهضة على النيل الازرق الذى تعارضه مصر بشدة.
هذه المتغيرات اوجدت مناخا جديدا وظلت الحاجة الى تفرض اليات لفض النزاعات داخل القارة تمر ضروريا من خلال رؤى وطنيه لحكومات الدول الاعضاء فى الاتحاد الافريقى ، لكن للاسف لا نرى للسودان اى موقف ريادى ومبادروبالمقابل ظهرت دول ذات تأثير ضعيف فى القارة مثل غينيا بساو وشاد تأخذ ادوار متقدمة فى عملية السلام فى المنطقة وفى فض النزاعات.
للاسف حتى اليات الوساطة نجدها مجزأة، مع قدر ضئيل من الإشراف والتوجيه من رئيس لاتحاد الافريقيى أو مجلس السلام والأمن الافريقى وهذا ما اطال امد كثير من الصراعات ومن بينها الصراع فى دولة جنوب السودان والتداخل مع قضايا السودان الشائكة.
ضياع الفرص فى تحقيق السلام فى دولة جنوب السودان:
كثير من الفرص ضاعت على السودان وكان مؤهلا للعب دور كبير فى تحقيق الاستقرار وهذا ما كانت تنظر اليه الاسرة الاقليميه والدوليه والاستفاده من وجوده كضامن فى الاتفاقيه الاخيرة بين الطرفين الموقعه فى أغسطس 2015 .
حتى التقارب اليوغندى والعلاقة المتينه مع اثيوبيا وحتى مع كينيا كان ممكن توظيفها بحكمة لقيادة هيئة الايقاد لرسم مسار لحوار وطنى داخلى مع الاحزاب السياسيه المعارضه فى دولة الجنوب والجماعات الملسحة، كل هذا لم يفتح على السودان ان يتقدم خطوة الى الامام اى لازال الدور المحايد للسودان مطلوب بشدة ويظل امرفى غاية الاهميه لكسر حاجز الثقة بين جوبا والاطراف الاخرى المسلحة!
بينما كان المجتمع الدولى والاقليمى ودول الجوار ينظر الى السودان كلاعب اساسى فى استقرار الدولة الجار المضطلربه وفى اخماد النيران ووقف الحرب المستعرة وقبلها كانت الفرصة فى الصومال، الا انه للاسف الشديد غيابالاستراتيجية السياسيه للسودان تجاه الجنوب والتى اصلا لم تكن موجوده حتى فى ظل الفترة الانتقاليه وخلال كل حقب الحكم فى السودان. اذ كان موقف السودان فى كل المواقف غير محايد وينظر الى التسويات الانية مع الحركات المتمردة اما بالايواء اوعن طريق التسويات الوقتية التى كانت تتجاهل المشكلات الاساسية التى تمثل جزور الصراع.
خارطة الطريق الموقعه بين قوى نداء السودان والحكومة تظل هى الرهان الوحيد و المخرج لانهاء الصراع في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وتحقيق السلام فى ربوع السودان وكذلك تنهى التوترات بين البلدين الجارين اذا ما سارت الامور على النحو المرجو بقدر الالتزام والاراده).
استخلاصات لتطوير رؤيه تعمل على احداث مشروع متكامل يؤسس لعلاقة بين البلدين:
كان المتوقع استماتة الجهات التى اسهمت فى قيام دولة جنوب السودان بان لاتسمح بانهيار وتفكك الدوله الوليده، الا ان هذه لم تحدث بالصورة المتوقعه مما اوجد فراغا تشير كل المعطيات المؤشرات الى دور سودانى وطنى مطلوب، وهنا يمكن ان تكون رؤية حزب الامة فى مشروع التوامة بين البلدين مشروعا تكامليا يظل هو الاجدى والانفع للبلدين باعتبار ان كل الظروف متوافره حتى فكرة التوأمة فى ظل طرح يعمل على انشاء نظام فدرالى اقرب لواقع الجنوب الحالى.
التسوية السياسيه فى السودان وفق خارطة الطريق يمكن ان تعمل على ارساء دعائم السلام والمصالحه ومعالجة بؤر الصراع فى كل من دارفور والمنطقتين وكل المعطيات والميزة النسبيه لحزب الامه تعمل على تقدم المشروع المستقبلى لتعاون البلدين.
بالرغم من حدوث تحولات جيوسياسيه واقتصاديه وتأثيرات على مستوى الدبلوماسيه متعددة الاطراف فى منطقة القرن الافريقى وشرق افريقيا بدخول فاعلين ذو تأثير مثل الصين ودول مجلس التعاون الخليجى وتركيا الا ان الدول الكبرى التقليديه لا زال تأثيرها كبير وفاعلا على المستوى السياسى والاقتصادى فى المنطقة وهلا حاليا التى تعمل مع منظومة الاتحاد الافريقى والياته هذا التباين فى الرؤى الجيواستراتيجيه تساعد فى دعم اليات الاستقرار والتنميه فى المنطقة وينبقى التعامل مع كل الاطراف بدون ترجيح كفة على اخرى.
يظل خيار الحل السياسى المفضى للسلام فى البلدين هو افضل الخيارات التى تمهد لاليات سياسيه متنوعة وتعمل لاستدامة السلام على المدى البعيد وتحقق كل المكاسب الاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه لمواطنى الدولتين وايضا الرهان هو خارطة الطريق.
قضية التنميه والاقتصاد التنموى ظلت عصية وهيمن اقتصاد تمكين الدوله على حساب الاقتصاد الريفى والمجتمعى هذا المنهج احدث تشوهات كبيرة فى بنية الاقتصاد السودانى ، لذلك تظل التنميه وتوطين تنفيذ جدول اعمال 2030 للتنمية المستدامة فى البلدين هى الاولويه فى مشروع تكامل البلدين وينبغى ان تؤسس وفق رؤية ومنهج شامل يعالج بعض من جذور الصراع من فوارق تنمويه بين البلدين وداخل كل بلد والتهميش ويعيد التوازن البيئى والاحيائى فى حزام السافنا الذى يمثل صمام الامان للبلدين ويعزز نهضتهما اذا ما تحقق الاستقرار والسلام… هنا ينبغى ان تكون هنالك رؤية واسعة لعملية الانعاش والتننميه فى البلدين بعيدا عن الافكار والمناهج المعطوبة القديمة وليس على شاكلة " صناديق دعم الوحدة وصناديق اعمار الجنوب" التى كانت تبديدا لموارد السودان ونقطة سوداء فى تعاملنا مع مؤسسات التمويل والمانحين.
………………
قراء جيو سياسية : التبادل الثقافي والاقتصادي والوشائج الاجتماعية بين شعبي السودان وجنوب السودان
أ. عبد الرسول النور
الحمد لله الوالى الكريم والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه مع التسليم.
يقول الله تعالى فى محكم تنزيله ( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى و جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) صدق الله العظيم.
خط الحدود الفاصل بين شمال السودان وجنوبه وفق تعريف إعلان مبادئ الايقاد ذى النقاط الست والذى كان الأساس والمرجع للمفاوضات ..فى الاول من يناير عام 1956 صبيحة الاستقلال .. والموقع عليه من حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان( طرفا النزاع وقتها( وأصدقاء الايقاد الذين تحولوا بقدرة قادر إلى شركاء الايقاد! وبعض الدول الغربية والأمريكية عام 1997..وعلى ضوئه جرت المفاوضات المارثونية والتى قادت فى النهاية إلى تقسيم البلاد.. دون تحقيق السلام والاستقرار والديموقراطية. خط الحدود ذاك هو خط الحدود الإدارى بين مديريات السودان الشمالية و الجنوبية، وهى حدود إدارية مرنة وليست دولية ..
ليس هناك مانع طبيعى جبال أو بحار أو حتى صحراء يحول دون التواصل والاختلاط بين الناس على طرفى الحدود فى ذلك الحزام الواصل. والذى يعرف بحزام التماس أو التمازج او التعايش، فهى إذن حدود مرنة، ساعدت المواطنين ومواشيهم على الحركة بحرية وسهولة فى رحلاتهم المكوكية صيفا وشتاء، شمالا وجنوبا.. طلبا للماء والكلا والمنافع الدنيوية الأخرى..
يخترق هذا الحزام من الغرب إلى الشرق وادى عميق يحمل الماء والخير والبركات ..هو الجرف الذى يعرف ببحر العرب لوجود قبائل العرب )البقارة (على طول ضفتيه الجنوبية والشمالية. وهو ينبع من مرتفعات أفريقيا الوسطى غربا وتغذيه خيران واودية ضخمة بالمياه .ويلتقى شرقا بنهر بحر الغزال الذى يصب في النيل الأبيض مكونا بحيرة(نو (وهو أطول روافد النيل الابيض، ويكاد يكون الرافد الوحيد الذي يجرى من الغرب إلى الشرق. وعندما يفيض النيل الابيض، يعكس مساره فيجرى من الشرق إلى الغرب..وهو ما يعرف ب )السيار) حيث يحمل كميات كبيرة من المياه الأسماك، فتمتلأ فروعه ومصارفه المعروفة محليا بالرقاب والرهود والمستنقعات والاودية والتيجان (جمع توج) الرقبة الزرقة،ام بييرو، نيمورا، رقبة تقل، رقبة القرنتى وغيرها. وبهذا يعتبر هذا المانع المائي..كالحبل السرى يحمل اكسير الحياة لأهل الحزام جميعهم، فهو إذن عامل اتصال وتواصل، لا عامل انفصال وتنافر..
ومن غرائب الصدف والطبيعة أن بحر العرب هذا يقسم جغرافية المنطقة إلى أراض طينية لزجة ورقاب وخيران ومستنقعات شمالا..واراض رملية وقردود..او ما يعرف بالقاع )جمع قاعة) جنوبا حيث يلجأ إليها الرعاة البقارة في بداية هطول الأمطار طلبا للماء والكلا تجنبا للحشرات والذباب والبعوض )طير البقر) حشرة ضارة فى حجم النحلة والتى تكثر فى شمال بحر العرب.
يمتد هذا الحزام العريض الطويل من بحيرة ام دافوق غربا إلى شرق الرصيرص شرقا بطول يناهز الالفين ومائتي كيلومترا، يعيش في هذا أناس كثيرون من شتي القبائل القوية والمؤثرة مثل من الغرب إلى الشرق التعائشة، والسلامات، والهبانية، والبنى هلبة، وخزام، وفلاته تلس، والترجم، والرزيقات، والمعاليا، والمسيرية الحمر والزرق، والحوازمة ،والكواهلة، والنوبة، اولاد حميد، كنانة، الجمع، الاحامدة، سليم، القحاقحة، الشانخاب، والصبحة، ونزى، ودار محارب، ورفاعة، ودغيم، الهوسا، وام بررو، وغيرها .تقابلهم على الضفة الأخرى قبائل الفراتيت،الدينكا بفروعهم العديدة) ملوال، ريك، توج، نقوك، روينق الخ) وشرق النوير ، وغرب النوير، والشلك، والمورلى، والانواك، الانقسنا، والبرون، والوطاويط العركيين وغيرهم ..فهو حزام ذو كثافة بشرية وثروة حيوانية وموارد طبيعية هائلة.. ومن لطف الله ان حيوانات المواطنين على ضفتي النهر لا تشبه بعضها البعض ابقارا وضانا وماعزا وحتى الدجاج، فأبقار الدينكا والنوير والمعروفة) بالمجوك) أصغر حجما وأطول قرونا وضانهم المعروف) بالدلابو) أصغر حجما وأقصر ذنبا وكذلك ماعزهم النيارى مفردها (نور (nyor)وهى أصغر حجما مثل) التقر( وهو ماعز الجبال وكذلك دجاجهم صغير الحجم المعروف ب (البتول) بفتح الباء وسكون التاء وفتح الواو، فأصبح بذلك من غير الممكن لكل طرف إخفاء بهائم الطرف الآخر..
موارد المياه بحر العرب وبحر الغزال وفروعمها.
.بحيرات عذبة المياه دائمة وموسمية مثل بحيرة ام دافوق والردوم ومستنقعات المارونية (المروية (الباطنة (بحيرة كيلك، بحيرة الابيض، بحيرة ميرى وغيرها (من) البطاع ( تردة الرهد، تردة ابو زبد..
الخيران والاودية والسدود والخزانات، وادى شلنقو والعزيبة، خور ابو حبل،خور العواى، خور كجار، سد السنوط وغيرها. بالإضافة إلى الرهود والإعداد ) جمع عد( والصناعية) السرف( ناهيك عن مياه الأمطار والسيول.
تكثر في المنطقة الغابات الشاهقة والحشائش الطويلة وثمار الأشجار والنباتات البرية.
يكثر بالمنطقة كل أنواع الصيد والمناحل الطبيعية للعسل.
يعتبر صيد الأسماك من وسائل كسب العيش في المنطقة..
هذا بعض ما يوجد على ظاهر الأرض، أما فى باطنها فهناك النحاس فى حفرة النحاس وكفياكانجى والبترول فى غرب جنوب كردفان وولاية الوحدة وولاية أعالى النيل، والذهب والحديد فى ابو تولو فى غرب كردفان، والليرى في جنوب كردفان ومناطق اخري . إذن الحزام غنى بكل الموارد البشرية والحيوانية والطبيعية.
العلاقات الاجتماعية:
عاشت هذه القبائل في وئام واحترام وتعاون في معظم الأحيان بالرغم من بعض الاضطرابات الطارئة، والتى كثيرا ما كانت تحسم بالصلح وفق النظم والأعراف المتبعة، وذلك قبل اقتحام السياسة والسياسيين حياة الناس، كانت الاحلاف والمعاهدات ولجان السلام تحكم العلاقات بين القبائل، وكانت الإدارة الأهلية واجهزتها المختلفة من خفراء ومحاكم شعبية والمحاكم المشتركة العادلة والناجزة والتى تنفذ فورا صمام الأمان للاستقرار، وكذلك المؤتمرات الاستباقية التي تنظم دخول وخروج الرحل لما وراء بحر العرب .
تاثرت القبائل المتعائشة ببعضها البعض، فاجاد بعض غير العرب اللغة العربية واجاد بعض العرب اللغات غير العربية، كما تبادلوا اللسان تبادلوا الألوان والمزاج والمشاعر والأسماء العادات كختان الاولاد والأزياء ، كان المتحدث باسم الوفد الشعبي للمسيرية مثالا هو دينق بلايل ووزير دينكا نقوك في حكومة غرب كردفان هو احمد التوم وأشهر بطون الحوازمة الرواوقة هم اولاد نوبة ، كان مما لفت انتباه المراقبين ايام مفاوضات نيفاشا ان معظم أبناء المسيرية يرتدون الزى الافرنجى غير أن ناظر دينكا نقوك ادم دينق مجوك كان مصرا على ارتداء الجلابية البقارية المعروفة بجناح ام جكو والعمامة والشالو(المركوب) والعصا فكان الأكثر أناقة وتمثيلا للمنطقة، أما من الناحية السياسية فقد تأثر الناس بعضهم ببعض، فكان الدينكا والنوير والفراتيت أقرب إلى حزب الأمة حيث فاز احمد دينق مجوك ممثلا لحزب الأمة فى برلمان 1968 وفاز سعيد فرج الله نوبة بدائرة لقاوة ممثلا للاتحادى الديمقراطى فى نفس البرلمان ، وفى آخر انتخابات برلمانية 1986.فاز حزب الامة بدوائر جغرافية فى شمال أعالى النيل الرنك المرحوم الزمالى وابيى د. جبريل يونس وغرب بحر الغزال راجا عبد الصمد مصطفي هذا للمثال لا الحصر..
خلاصة القول.. العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والتعايش السلمى بين مكونات المجتمع المدني في هذه المنطقة لم تختل وتتوثر إلا بتدخل السياسة والسياسيين واجندتهم الخاصة والأجنبية..
وان أمر هذا الحزام الهام لا ينصلح إلا بالعودة إلى ما ارساه الآباء والأجداد من أسس متينة للتعايش السلمى وقبول الآخر والتعاون معه وفق النظم والأعراف المتبعة والتى حافظت على سلامة النسيج الاجتماعي لعقود طويلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.