شاهد بالفيديو.. البرهان يعزي في استشهاد الملازم أول معاش محمد صديق بمسقط رأسه    فيصل محمد صالح يكتب: كيف يتم تفعيل إعلان جدة؟    البليهي يرد على التشكيك في قوة الدوري السعودي    البطل محمد صديق ..هل تم تسليمه..؟    وضع الجيش أفضل عسكرياً وعملياتياً .. وأن مليشيا التمرد تحت الضغط والمضاغطة    مليشيا الدعم السريع يصادر مركبات النقل العام في أم بدة    شاهد بالفيديو.. الناشط صلاح سندالة يثير غضب الجمهور بعد تغزله وإشادته بالراقصة آية أفرو ووصفها بالإعلامية وساخرون: (أصلاً هي شبهك وأمثالك لا يعرفون الإعلاميات أمثال بنات المغربي)    ولاية الخرطوم تشرع في إعادة البناء والتعمير    هؤلاء الزعماء مطلوبون للجنائية الدولية.. لكنهم مازالوا طلقاء    شاهد بالصورة والفيديو.. سائق "أوبر" مصري يطرب حسناء سودانية بأغنيات إيمان الشريف وعلي الشيخ الموجودة على جهاز سيارته والحسناء تتجاوب مع تصرفه اللطيف بالضحكات والرقصات    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الثلاثاء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل بوصلة رقص مثيرة وهي تدخن "الشيشة" على أنغام (مالو الليلة) والجمهور يتغزل: (خالات سبب الدمار والشجر الكبار فيه الصمغ)    شاهد بالفيديو.. الناشطة السودانية الشهيرة (خديجة أمريكا) ترتدي "كاكي" الجيش وتقدم فواصل من الرقص المثير على أنغام أغنية "الإنصرافي"    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي ليوم الثلاثاء    مصر.. وفيات بغرق حافلة في الجيزة    قادة عالميون يخططون لاتفاق جديد بشأن الذكاء الاصطناعي    صلاح ينهي الجدل حول مستقبله.. هل قرر البقاء مع ليفربول أم اختار الدوري السعودي؟    عائشة الماجدي: (أغضب يالفريق البرهان)    رئيس لجنة المنتخبات الوطنية يشيد بزيارة الرئيس لمعسكر صقور الجديان    إجتماعٌ مُهمٌ لمجلس إدارة الاتّحاد السوداني اليوم بجدة برئاسة معتصم جعفر    معتصم جعفر:الاتحاد السعودي وافق على مشاركته الحكام السودانيين في إدارة منافساته ابتداءً من الموسم الجديد    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    موعد تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    الحقيقة تُحزن    علي باقري يتولى مهام وزير الخارجية في إيران    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد والمجتمع: العقلانية والرشاد… حيدر وعقول القبائل العاجزة عن تنفس هواء الأعالي
نشر في حريات يوم 28 - 07 - 2017

في الحقيقة أكثر ما يعجبني في عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر عبور أفكاره لقرن كامل منذ نشر كتابه الأقتصاد والمجتمع، ومازالت أفكاره تعتبر مصطبة يقوم عليها هرم أفكار وأخلاق الفكر الليبرالي. ففي فكرة عقلانية الرأسمالية في كتاب الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، يصف الرأسمالية بالعقلانية ويقدم طرح مخالف لفكرة ماركس في أن البنى الفوقية أي الظواهر الثقافية تفوق البني التحتية في تفسير نجاح النشاط الاقتصادي.
فماكس فيبر يؤكد ان العقلانية قد بدأت بالاصلاح الديني مع مارتن لوثر. فالاخلاق البروتستانتية وخاصة في فكر جون كالفن كانت لها دور فعال في ازدهار الاقتصاد في المناطق التي تسكنها الأقلية البروتستانتية مقارنة بالمناطق التي تسكنها الاغلبية الكثوليكية. فالاخلاق البروتستانتية قد أدت الى تراكم رأس المال، وازدياد الاستثمار، لأن الاخلاق البروتستانتية تنبذ التبذير. وكذلك نجد جهود جون كالفن في مواجهة التراث اليهودي المسيحي المتراكم عبر ثلاثة ألف سنة فيما يتعلق بفكرة الربا قد هدمها بقوة روح الاصلاح الديني، وخلق قطيعة مع المقدس منتصرة لفكرة النزعة الانسانية. واصبح الأب الشرعي لفكرة سعر الفائدة مما أدى لازدهار الاقتصاد.
ماكس فيبر كان يري ان الأصلاح الديني قد أدى لقطيعة مع المقدس أدت الى انبجاس العقلانية، وبالتالي اتجه العقل باتجاه النزعة الانسانية. فلا امكانية لظهور العقلانية من غير تدخل العقل الانساني كما فعل عقل الاصلاح الديني مع المقدس، و الذي نتجت عنه بزوغ النزعة الانسانية، وبعدها قد اصبح الانسان في مركز الكون، ولم تعد الميتافيزيقا أرض معركة كما جسد ايمانويل كانت أسئلته ماذا أعرف؟ وماذا أعمل؟ ومن هو الانسان؟
وهنا نجد ماكس فيبر مفاخرا بأن الحضارة الغربية هي الوحيدة التي أستطاعت أن تنجز انجازا جبار قد جعلها تتفوق على بقية الحضارات التقليدية. والحضارة الاسلامية كحضارة تقليدية مازال عقلها مثقل ورازح تحت ردم الايمان، والتقديس، والتبجيل. وقد أصبحت الحضارة الإسلامية التقليدية الوحيدة التي تقاوم الحداثة بشراسة.
فماكس فيبر يرى أن البنى الفوقية هي التي تحدد طبيعة تطور الاقتصاد عكس ما يعتقد ماركس في البنى التحية، وفكرة أدوات الانتاج وفكرة فائض القيمة. والبنى الفوقية عند ماكس فيبر في الاخلاق البروتستانتية هي التي قد أعطت الرأسمالية صفة العقلانية. فالاخلاق الدينية، أي الاخلاق البروتستانتية، والفضائل هي التي تقف عند ماكس فيبر كمفسر لتطور المجتمع وليست عوامل الانتاج كما يعتقد كارل ماركس.
ولكن يجب ان لا ننسى أن ماكس فيبر رغم ترجيح كفة الاخلاق البروتستانتية وروحها العقلانية، التي قد أصبحت عقلانية ملازمة للفكر الرأسمالي، إلا انه يعلن عن زوال سحر العالم بفقدان الدين لسيطرته على تفسير وجلب سلام العالم. فعند ماكس فيبر أن سحر العالم الذي كان تجسده مظلة الدين قد زال! وأصبح العالم بلا معني، ولا قصد. وهنا يلتقي مع مارتن هيدغر وفكرة العدم.
فالاصلاح الديني قد كان جهدا جبار يوضح تدخل المجهود البشري في النص المقدس. وعبره تنبجس العقلانية، وتزدهر النزعة الانسانية، وتتجه باتجاه مجد العقلانية، وابداع العقل البشري كما يكتب أدم اسمث في كتابه نظرية المشاعر الاخلاقية. وبالتالي تتضح عقلانية الرأسمالية في احترامها لفكرة العقل والفرد والحرية.
ففي عقل الاصلاح الديني قد أصبحت فكرة تأليه الانسان، وانسنه الأله ممكنة. فهل محاولات علي عبد الرازق عام 1925 في كتابه الاسلام واصول الحكم ترتقي الى مستوى فكرة الاصلاح الديني عند مارتن لوثر، وجون كالفن كما يظن كثير من الكتاب في العالم العربي؟
تدخل العقل البشري في ترجمة النصوص المقدسة بلغة تقترب من هموم الارض، وتبتعد عن احلام السماء. فقد ترجمت كلمة مهنة بدلا من عمل حتي لا يختلط الامر مع عمل يكون ثوابه في الآخرة، ويرسخ فكرة الخلاص الاخروي التي قد كانت الكنيسة ترسخ بها سلطتها الدينية على المجتمع. ترجمة كلمة مهنة لكي تحل محل عمل انتصرت للأرض على اسباب السماء، واصبح من الممكن في ظل الاخلاق البروتستانتية أي بامكان الغني أن يدخل الى ملكوت الله عكس ما كان سائد في لاهوت ما قبل الاصلاح أن يدخل الجمل من سم الخياط ولا يدخل غني الى ملكوت الله! وكذلك كان سائد في الفكر المسيحي أن التجارة عمل غير اخلاقي وبسبب الأقلية البروتستانتية الخلاقة واخلاقها الناتجة من العقلانية استطاعت ان تغير أقدار الأغلبية الكاثوليكية الكاسدة، وبالتالي قد أصبحت العقلانية صفة ملازمة للراسمالية.
فكرة العقلانية والرشاد التي قد أصبحت روح فكر ماكس فيبر في علم الاجتماع قد أخذها ماكس فيبر من الأدبيات الاقتصادية، وخاصة تاريخ الفكر الاقتصادي. ووصف ماكس فيبر الرأسمالية الحديثة بالعقلانية والرشاد مقارنة بالراسمالية التقليدية. ففي تاريخ الفكر الاقتصادي ان الأخلاق البروتستانتية، وروح الرأسمالية من خارجها يأخذ المجتمع إلى السلام، والسلطة، والسيادة. ومن داخلها يسود العقل، والفرد، والحرية. وبالتالي يكون المستهلك الرشيد، والناخب الرشيد، وليس فكرة الراعي والرعية التي لا ينجم عنها الا الإستبداد الاجتماعي، والاستبداد السياسي الذي يرزح تحته الفرد في العالم العربي والاسلامي بلا عقل، ولا حرية، في افق تشرق فية شمس الهوية في بعدها العرقي والاثني في زمن قد اصبحت فيه الحرية، وليست الهوية هي ما يشغل ضمير الانسانية في دالة ضمير الوجود، وتجربة الانسان في فكرة هابرماس في أقتصاد الهوية.
نعم ماكس فيبر حينما قدم أفكاره في الاقتصاد والمجتمع، كان مدرك للفروق الهائلة ما بين المجتمع الحديث الذي يسير بهدي الحداثة، وروح التحديث، وما بين المجتمع التقليدي، كحالة المجتمع السوداني الذي يعيش في ظلام ربعه الخالي بسبب غياب علماء اجتماع، تشغلهم أفكار فكرة اقتصاد الهوية في أفكار هابرماس التي تتخطى بوابة العرقية، والاثنية، الى فكرة الفرد، والعقل، والحرية، وليست فكرة أهل الهامش، والجلابة كما طرح حيدر ابراهيم علي في مقالاته الأخيرة، رغم محاولته أن يتخارج بفكرة سمير امين. وافكار سمير امين قد أصبحت في مرمى أفكار تجعلها في عمق سذاجة اليسار ومراهقته، كما ذكر هاشم صالح، وقد تخطى هابرماس تلك الافكار في كتابه بعد ماركس منذ عام1976.
فحيدر، في مقالاته الاخيرة، متأخر عن الركب بثلاثة عقود، لأنه يسير على ساق واحدة- أي علم إجتماع يفتقر الى الفلسفة، وتاريخ الفكر الاقتصادي- مقارنة بافكار هابرماس المتأثر بأفكار ماكس فيبر، ومنها تتبلور أفكارهابرماس في فكرة الفعل التواصلي، والديمقراطية التشاورية.
وتظهر علامة رهاب الغريب في طرح حيدر في خوفه من ناس قندول! ويقول حيدر الآن هم في المعارضة بهذا المستوى فكيف يكون الحال اذا وصلوا الى السلطة؟ هذا ينسف طرحه تماما. أن سخريته في طرحه في إن المسألة مشكلة اجتماعية، اقتصادية. فاذا كانت تسير في اتجاه الاقتصاد والمجتمع لماكس فيبر، وفكرة اقتصاد الهوية في فكر هابرماس، لما انقلب حيدر على عقبيه في مشكلة اثنية، وعرقية؟ ويتنبر بأنه جلابي حتي إذا كان جالب للنور كما يزعم! وهنا ينطبق على حيدر ابراهيم علي قول فردريك نيتشة عن المنتسبين الى عقول القبائل العاجزة عن تنفس هواء الأعالي.
عكس حيدر تماما، عالم الاجتماع العراقي علي الوردي. فقد تنبه الى الهشاشة في هيكل التركيبات الاجتماعية بسبب الطائفية، و الصراعات القبلية، والجهوية، وفشل النخب في نقل المجتمع التقليدي الى أعتاب الدولة الحديثة. واكد ان الحل يكمن في الفكر الليبرالي حيث يحترم الفرد، والعقل، والحرية بعيدا عن الجهوية،والطائفية، والنزعات العرقية، والاثنية مما جعله هدفا تطارده اللعنات من الكل – أي من الشيوعيين، والاسلاميين، والقوميين!
ولكن نجد في طرح علي الوردي إن علم الاجتماع، كما كان عند ماكس فيبر. فالعقلانية، والرشاد عنده منبعهما تاريخ الفكر الاقتصادي، والفلسفة كما يشهد له الجميع. وهذا ما نجده في كتاب بعد ماركس لهابرماس، في إن الحداثة، وخطورتها، قامت بتطوير كلي لبنى الشخصية البشرية بوصفها هوية إتفاقية، هي ماهية الفرد الحديث. ولا يمكن الفصل مابين النظام الرأسمالي، وبين الفردانية. تأثر هابرماس بماكس فيبر، وبشكل واضح في فكرة الفعل التواصلي الذي يمجد العقلانية التي أستمدها ماكس فيبر من أدبيات الفكر الاقتصادي.
ففكرة اقتصاد الهوية، أو كيف تكون البنى الثقافية، علاقات انتاج لهابرماس، هي نفس فكرة الاخلاق البروتستانتية، وروح الرأسمالية، وافكار الاقتصاد، والمجتمع لماكس فيبر. وفيها أن الهوية في اقتصاد الهوية، بنية تواصلية، وليست نعرة قومية، واثنية.
على أي حال، إن عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر، في فكرة الاقتصاد والمجتمع، قد أصبح الحجر الذي لم يرفض من الأساس، وقد أصبح رأس الزاوية. ففي الخمسينيات من القرن المنصرم، أعتمده ريمون آرون كسلاح فتاك في مجابهته لجون بول سارتر أيام دفاعه عن النظم الشمولية المتجسدة في الفكر الشيوعي. أما في منتصف سبعينيات القرن المنصرم، قد كان تأثر هابرماس بماكس فيبر باين بشكل كبير في كتابه بعد ماركس. وفيه يصل الى فكرة الفعل التواصلي، والديمقراطية التشاورية. واخيرا في تسعينيات القرن المنصرم، كان ماكس فيبر بريقا في كتاب نهاية التاريخ والانسان الاخير لفوكوياما ليعود عقل الانوار، وتعود الحداثة في احترامها للعقل، والفرد، والحرية. ويعود حتى فلاسفة ما بعد الحداثة كميشيل فوكو، وجاك دريدا ويكفان عن نقد عقل الانوار، وبالتالي تعود فكرة العقد الاجتماعي، ويعود ديكارت، وايمانويل كانت، وعلم اجتماع منتسكيو، وجون راولز في نظرية العدالة، ويغيب نيتشة، وهيدغر، وميشيل فوكو وجاك دريدا!
ماكس فيبر كان عالم إجتماع أعتمد على النظريات الاقتصادية، وتاريخ الفكر الاقتصادي في وضع فكرة العقلانية والرشاد في قلب مبحثه. ويتجه الآن منتصرا نحو مئوية نشر كتابه الاقتصاد والمجتمع ترافقه أفكار كل من ريموند آرون، و هابرماس، وفوكوياما كروح عائدة لعقل الانوار ترفل في ثوب نظرية العدالة، والحرية، بعيدا عن العرقية والاثنية.
على أي حال، كما للتاريخ حيل، وللعقل مكر، كما يقول هيغل عن حيل العقل ومكر التاريخ، فإن الحداثة والتحديث تستخدم حيل العقل، ومكر التاريخ، من أجل أن تكون سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع في قول جون استيورت مل. ففي المجتمعات الحية، نجد أن الصراع يدور ما بين الفرد، والمجتمع. لذلك نجد في المعادلات السلوكية في الاقتصاد لا تتجاهل المقطع الرأسي- أي الاستهلاك المستقل عن الدخل- في السير لتحقيق معادلة الحرية، والعدالة. وهذه المعادلات السلوكية التي تعطي الفرد سلطة تفوق سلطة المجتمع كلها تصب في في إحترام الفرد، والعقل، والحرية، بعيدا عن هواجس الهووي الصاخب. لذلك نجد أن الحرية، وليست الهوية، كانت هي روح العقلانية، والرشاد في تاريخ الفكر الاقتصادي- وليست فكرة الجلابي جالب النور، وقندول النوباوي- كما تفجرت في مقولة حيدر بشكل انتحاري يوضح أن بربرية الانسان قريبة من السطح مهما زعم من عقلانية كما يؤكد فرويد. ففي اقتصاد الهوية لهابرماس، يكون الصراع ما بين الفرد، والمجتمع، لا علاقة له ببعده العرقي، والاثتي. فاين فكرة هابرماس من فكرة حيدر الجلابي، وخوفه من ناس قندول النوباوي- كما كتبها حيدر لكي يميز بين نوبة الشمال ونوبة الجبال؟
على أي حال، لن يخرجنا من أزمتنا هذه، الا فكر، وأخلاق الليبرالية في احترامها للفرد في صراعه مع المجتمع كفرد غير متسلح ببعده العرقي، والاثني، بل فرد يستحق أن تحترم كرامته في المعادلات السلوكية للاقتصاد كما نجد في فكرة جون ماينرد كينز، وقبله في فكرة توماس بين في فكرة الحق في الاستمرارية. فالفرد العاقل الرشيد مكرم عند توماس بين وكينز.
يرى بعض المفكرين ان ماركسية ماركس في غائيتها لم تك إلا انعكاس لتأخر حالة الفكر في ألمانيا مقارنة بحالة الفكر في كل من انجلترا وفرنسا في ذلك الزمان. ونفس الشئ، إن فكر غرامشي يعكس تأخر حالة الفكر في ايطاليا مقارنة بحالة الفكر في فرنسا وانجلترا. وكذلك مقالات حيدر الأخيرة، أراها تعكس حالة تأخر الفكر في السودان في سيره نحو فكرة الحداثة والتحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.