في ظل أجواء التفاؤل المتصاعد برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية واسم السودان من قائمة الدول الداعمة للارهاب في الثاني عشر من اكتوبر القادم حدث تطور غير محسوب بالقرار الذي اصدرته محكمة فيدرالية امريكية ظهر الجمعة برفض الاستئناف السوداني السابق علي قرار محكمة امريكية وفرض غرامة وقدرها سبعة بلايين دولار علي الحكومة السودانية بناء علي حيثيات المحكمة التي اكدت ان السودان يتحمل المسؤولية عن الهجوم علي سفارة الولاياتالمتحدةالامريكية في العاصمة الكينية نيروبي في العام 1998 وهو الهجوم الذي خلف عشرات القتلي ومئات المصابين من حملة الجنسيات الامريكية وجنسيات اخري من بعض العاملين والموظفين وزوار السفارة وبعض الذين تصادف مرورهم بالقرب من مبني السفارة في لحظة الانفجار. اثار الحكم الصادر من المحكمة الامريكية ردود افعال مختلفة ومتباينة وسط اتجاهات الرأي العام السودانية داخل وخارج البلاد وتميزت اغلبها " بالتهكم" من توقيت صدور قرار المحكمة الامريكية ومبلغ الغرامة الخرافي وعن من هي الجهة التي ستقوم بتسديد المبلغ وكيف في بلد مثل السودان تعيش الاغلبية الساحقة من اهله ومواطنية ظروف معروفة وتكابد لتوفر لقمة عيشها وعلاجها وتعليم اطفالها بشق الانفس مع كل الاحترام والتوقير لقرار القضاء الامريكي والحق الاصيل لضحايا الحادث الارهابي المذكور واسرهم وضحاياهم في التعويض المجزي عما لحق بهم من اضرار وان كانت الارواح البشرية لاتعوضها الاموال. تعتبر هذه المرة الاولي في تاريخ السودان الذي تصدر فيه محكمة اجنبية حكم من هذا النوع الذي احتوت حيثياته علي ادانة بايواء الارهاب وتسهيل اعمال من هذا النوع ترتب عليها اهدار هذا العدد الكبير من الارواح والانفس البشرية وهو اسلوب درجت عليه ماتعرف بمنظمة القاعدة والاجيال اللاحقة من المنظمات الاسلامية المتشددة التي سارت علي دربها والتي الحقت اساليب عملها واعتمادها العنف المطلق واستهداف المدنيين وقتل الناس علي الهوية اضرار بالغة بصورة الشعوب العربية والاسلامية كما تسببت في اضرار مباشرة ببعض القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية والقضية العراقية بعد الغزو الامريكي لبلاد الرافدين. للشعب السوداني تاريخ طويل في مناهضة بعض السياسات والتدخلات الامريكية في المنطقة العربية واجزاء واسعة من العالم ومواقف ثابته في دعم حقوق الشعوب في مناهضة الغزاة والمحتلين ودعم حركات التحرر الوطني والمقاومات المشروعة ولكن السودان لم يعتمد في يوم من الايام هذه الطريقة العشوائية والهمجية في اطار رد الفعل علي همجية الاخرين بالصورة التي تبرر بها جماعات العنف الديني جرائمها واستخدامها قضايا الشعوب والاسلام شعارا ولافتة لتبرير اعمالها المعادية للشعوب. حاصرت الحركة الجماهيرية والشعبية في العاصمة السودانية سفارة الولاياتالمتحدة وسفارات غربية اخري في مراحل مختلفة من تاريخ السودان بالتظاهر المتحضر والهتاف المعبر واوصلت رسالتها دون ان تكسر نافذة او تستهدف العاملين فيها او تعتمد الارهاب منهجا باستثناء حوداث وافدة تورطت فيها منظمات فلسطينية في فترة السبعينات ومنتصف الثمانينات. الحكم الذي اصدرته المحكمة الامريكية بهذه الغرامة الخرافية يفتح باب من الجدل حول مدي اختصاص و صلاحية القضاء الداخلي في امريكا في النظر في مثل هذه القضية واذا ما كان احالة القضية الي مجلس الامن هو التصرف الصحيح والسليم كما حدث في سوابق اخري وعمليات ارهابية مشابهة. تاريخ المنطقة المعاصر شهد توقيع غرامات ضخمة ومماثلة بسبب قضايا الارهاب وتورطت مخابرات القذافي في تفجير طائرة ركاب فرنسية في صحراء النيجر في 19 سبتمبر من العام 1989 "Bombing of UTA flight 772 over the Sahara Desert in Africa in 1989" وقتل جميع من عليها من الركاب المدنيين وتوصلت التحقيقات الدقيقة في هذا الصدد الي تورط مجموعة من اعوان القذافي في العملية. المفاجاة المذهلة في هذه القضية المعروف انها لاتنتهي بالتقادم بمنصوص القوانين الدولية هو اعتراف احد اركان نظام القذافي ووزير خارجية نظامه السابق عبد الرحمن شلقم في لقاء تلفزيوني وعبر معلومات مفصلة بعد سقوط نظامهم بتورط مخابرات القذافي في تدبير الحادثة وتفجير الطائرة المذكورة بسبب غريب ولامثيل له في تاريخ البشرية المعاصر وهو وجود معلومات لديهم تفيد بوجود المطلوب الاول لنظام القذافي وزعيم المعارضة الليبية الدكتور محمد يوسف المقريف علي ظهر الطائرة المنكوبة ومع كل ذلك لم يتحرك اي كائن وحتي السلطات الفرنسية لفتح ملف التحقيق من جديد في هذه القضية ووضع النقاط علي الحروف في قضية الاستخفاف الخطير بالارواح البشرية وتفجير طائرة مدنية وقتل جميع من عليها بسبب البحث عن شخص واحد وكل المذكورين المشار اليهم احياء يرزقون ويمكنهم ان يدلوا بشهادتهم الحاسمة في هذا الخصوص بدلا من تحميل الشعب الليبي ودولته وزر هذه الاعمال ابد الابدين بعد ان سددوا من حر مالهم الغرامات المالية. وعلي شاكلة الليبيين شعب السودان وشعوب اخري لاذنب لها في هذه الحوادث حيث تغيب الشعوب في لحظة صدور الاحكام داخل التفاصيل والحيثيات المصاحبة لها بينما عليها فقط ان تسدد ثمن حماقات الاخرين من حكامهم وبعض التابعين. [email protected]