الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سودان المستقبل وبعض قضايا التكنلوجيا
نشر في حريات يوم 06 - 08 - 2017


مقدمة :
في حوار لطيف مع الأخ ضياء الحق ضياء تم نقاش لبعض القضايا المتعلقة ببرنامج سودان المستقبل وعلاقته بالتكنولوجيا والتقنيات الحديثة وكذلك عن رؤية سودان المستقبل الكلية لنمط التطور التقني – الصناعي في السودان . كما تم نقاش عن شخصية العامل السوداني والفرد السوداني والمجتمع السوداني وعلاقته بالابتكار، وآخيرا عن دور القيادة السياسية وعلاقتها بالتقنية، مما يحتاج لمزيد من التوضيح.
علاقة التقنية بالتنمية والتطور الإجتماعي :
لا شك ان هناك علاقة قوية جدا وجدلية بين التقنية والتنمية؛ فالتنمية لا يمكن ان تتم دون إدخال وتطوير تقنيات جديدة في الإنتاج بصورة مستمرة. وإذا كان القرنين التاسع عشر والعشرين هما عصرا تقنيات التصنيع الثقيل المعتمد على قوانين الفيزياء والكيمياء الكلاسيكية ، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن التقنيات الرقمية والمعتمد على تطور الحاسوبات والابتكار وقوانين الفيزياء والكيمياء غير التقليدية (ميكانيكا الكم ، البيوتكنولوجيا، تقنيات النانو، علم الجينات، الذكاء الصناعي الخ)
في دراسته القيمة "آن أوان التغيير" أشار الراحل العظيم الخاتم عدلان لدور التقنية في التحولات الإجتماعية حين كتب (و تحول إنتاج الثروة القومية بصورة حاسمة من اليد إلى الدماغ. و أصبحت المعرفة و المعلومة و الفكرة، و التصميمات الذهنية، هي أداة الإنتاج الأساسية. و هذه تمتلكها الطبقات الجديدة، والفئات الجديدة، التي ولدتها الثورة العلمية التكنولوجية. و قد أصبحت هذه الفئات والطبقات هي المنتجة الأساسية للثروة، وأصبحت هي الوحيدة القادرة على قيادة المجتمع. لقد تضاءل دور البروليتاريا و جاء عهد "الكومنتاريا" كما سماها ألفن توفلر في كتابه (power shift)، التي تمتلك وسائل إنتاجها بامتلاكها للمعرفة) كما كتب إن هذه الظواهر كلها محصورة الآن في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة. ولكنها تخصنا في مجتمعات العالم الثالث المتخلفة، وتحدث عن مآلاتها ( عندما تأخذ "بلداننا ومجتمعاتنا " بأسباب التقدم على أساس منجزات الثورة العلمية التكنولوجية المعاصرة، وليس على أساس معطيات الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، وهي معطيات عفى عليها الزمن. وليس مكتوبا على مجتمعاتنا أن تترسم خطى المجتمعات المتقدمة، وقع الحافر على الحافر، بل يمكنها، ويتوجب عليها، أن تحول الفارق الزمني والحضاري إلى صالحها، فتقطع بالطائرة المسافات التي قطعتها تلك المجتمعات بالقطار. وهذا لا يتأتى إلا بتخطي مرحلة الصناعية التقليدية التي ربطت إنتاج القيمة الزائدة بالإنتاج اليدوي أساسا، والاتجاه إلى التغليب التدريجي للإنتاج الفكري المستند على المعرفة والمعلومة والوسائل التكنولوجية الحديثة.)
أما في كتابه "الرؤي: كيف سيثور العلم القرن ال21 " فيطرح ميشو كاكو صورة القرن الحادي والعشرين بناءا على منجزات العلم الحديثة وخصوصا في مجال التقنيات الجديدة، وهي تقنيات تتسرب الينا يوميا وان كنا نتعامل معها من موقع المستهلك البسيط لا من موقع المنتج او المشغل الجيد لها حتى ، وذلك ضمن عقلية استهلاكية عامة تسود بلادنا ومجتمعنا، لا بد لها من التغير اذا اردنا نهضة حقيقية في سودان المستقبل.
سودان المستقبل والتقنيات الحديثة:
ينهج برنامج سودان المستقبل لبناء دولة ناجحة وعصرية ومتقدمة اقتصاديا على انقاض الدولة السودانية الحالية. هذا لا يتأتي الا باستخدام ثمرات العلم والتكنولوجيا في كل مراحل العمليات الانتاجية. وقد حددنا خمسة قطاعات رئيسية لانهاض الاقتصاد وهي 1/ الزراعة الحديثة الكثيفة و2/ تطوير قطاع التعدين باستخراج كافة المعادن في السودان وتصنيعها ولو بمراحل اولية و3/ وتطوير البني التحتية وقطاعات البناء والنقل واللوجستيك 4/ تطوير القطاع الصناعي بدءا من الصناعات الغذائية والتحويلية ومرورا بالتصنيع المتوسط لبعض وسائل الانتاج ذات التكنولوجيات البسيطة وفي النهاية الاتجاه الي صناعات اخري كالالكترونية و المعلوماتية 5/ السياحة الحديثة وما تتطلبه من بناء قاعدتها التحتية ومواردها البشرية وقدراتها التسويقية المنافسة.
هذا كله يحتاج الى تكنولوجيات جديدة عالية الكفاءة وقليلة الكلفة ؛ وبالأخذ من أعلى رفوف التقنيات المتاحة ؛ كما يحتاج لدريب المزراعين والعمال والعاملين بالخدمات في السودان علي التقنيات الجديدة التي سيتم ادخالها للعملية الانتاجية ( وإدخالها هو ضربة لازب لتحقيق أي تنافسية) و هذا يحتاج الي مستوبات أعلى وأكثف من التعليم وتطوير المعرفة التقنية الفردي والإجتماعية العامة للتعامل الجيد مع هذه الثورة التقنية – الإقتصادية الجديدة.
هل يمكننا المنافسة ؟
هنا يطرح السؤال نفسه هل نحن قادرون على ذلك ؛ أو كما طرحه الأخ ضياء الحق (هل سيمكن للمنتجات السودانية ( في إقتصاديات سودان المستقبل) منافسة المنتجات الاجنبية ؟ لأن هذا يحتاج الي تحول السودان الي بلد صناعي و هذا لا يعتمد علي الحكومة فقد بل علي وجود رجال اعمال مغامرين و علي وجود عمال تقنيين مهرة. فحتي الزراعة و الرعي تحولتا الي صناعة . وهل يمكن للمجتمع السوداني انجاح هذا المشروع ؛ لأنه حتي بعد تغيير النظام هل ستتمكن الحكومة الجديدة من العثور علي كادر مخلص و شجاع و مثابر يمكنه انجاح هذا المخطط ام سيظل علي الورق فقط ؟) وتسائل الأخ ضياء هل إن هذا البرنامج (لا يهمل اهم مكون و هي شخصية المجتمع السوداني؟)
كانت اجابتي أنه من البديهي ان البضائع السودانية لا يمكن لها مباشرة منافسة البضائع الغربية ولا حتى الاسيوية ولكن في امكانها ان تشبع حاجة السوق السوداني وان تصدر للعديد من دول الجوار وفي هذه الاثناء ستتطور تقنيات الصناعة والتغليف والتسويق الخ . هناك سوق افريقي ضخم غير مشبع من المواد الغذائية ومنتجات الصناعة الخفيفة مفتوح أمامنا. ايضا هناك سوق خليجي (السعودية على سبيل المثال ) يمكن ان ننافس فيه برخص اسعارنا.
الرواد من الراسمالية السودانية قاموا في وقتهم بمغامرات الا انهم تعرضوا للتدمير من قبل اليمين الطائفي والاسلاموي ومن قبل اليسار ايضا ( مايو والمصادرة والتأميم وغيرها من الخزعبلات). ايضا هناك حوالي 7-8 مليون سوداني بالخارج اكتسبوا خبراتا ومهارات وبعضهم يملك رؤوس اموال صغيرة ومتوسطة سنحرص على جذبهم للاستثمار والعمل في السودان. سنحرص ايضا على استعادة التنوع السوداني وفي هذا المجال سنفتح الباب لعودة اهلنا الاقباط السودانيين الذين هاجروا باعداد كبيرة تحت نظام الانقاذ (غالبا سيكون هناك وزير/ة قبطي لوزارة المالية والاقتصاد والتنمية او لوزارة الخارجية والتعاون الدولي). ايضا سنهتم بفتح المجال امام الاستثمارات الاجنبية وخصوصا في الصناعة ومن ضمن ذلك الاستثمارات الافريقية ( حاليا اثيوبيا تجذب جزءا كبيرا من الاستثمارات رغم تاريخها الصناعي الضعيف) . ايضا سيقوم فريق سودان المستقبل بتطبيق نظام حمائي وذلك بفرض جمارك عالية على البضائع الاجنبيةلموجهة للسوق المحلي وخصوصا في المجالات التي لنا فيها انتاج محلي (الصناعات الغذائية/ النسيج/ الخ) اوذلك لدعم المتتج الوطني . من المهم تماما ايضا ان يتم تصنيع لبعض موادنا الاولية ( الجلود / الصمغ / منتجات القطن / السمسم / البرسيم الخ ) وعدم بيعها كخام وذلك لخلق قيمة مضافة عليها.
أما عن الشخصية التقنية السودانية وثقافة العمل السودانية فهي ضعيفة حاليا ولكن يمكن ملاحظة أن أداء السودانيين في العمل في الخارج جيد وافضل كثيرا من ادائهم في داخل البلاد . يرجع ذلك لسبيين أساسيين: الاول هو العائد الجيد للعمل والثاني هو الانضباط وثقافة العمل المختلفة. هذان العاملان يمكن توطينهما باسرع مما نتصور ورفع كفاءة العمل في السودان.
نمط التطور التقني – الإنتاجي :
كانت ملاحظة الأخ ضياء الحق ( كشخص مهتم بالتكنلوجيا) الثانية تتعلق بأختيار أي نمط للتطور الإنتاجي يختاره فريق "سودان المستقبل" ؛ من ضمن الرؤي الأربعة التالية :
أوضحت للأخ ضياء أن المخطط الرباعي الذي ذكره الأخ في تنميط انواع التطور التقني / المجتمعي مقبول في عمومياته ولكني اتحفظ حول اعتباره مخطط متتابع زمنيا اذ يمكن ان يتم تطبيق مختلف تلك المراحل ( بتركيز مختلف ) في فترة زمنية واحدة / أي يمكن ان يكون نفس المجتمع ناقلا ومشغلا ومصنعا ومبتكرا للتقنية في نفس الآن بدرجات تركيز مختلفة.
عموما فإن موضوع أختيار نمط التطور التقني – الصناعي أمر يتعلق بالرؤية الوطنية الشاملة وهي أمر يجب ان تشترك قطاعات متعددة في نقاشه وستتوفر له فرصة بعد فوزنا بالانتخابات. من ناحية اخرى فإن برنامج سودان المستقبل يتعامل حاليا مع واقع محدد ومعالجة قضايا اقتصادية محددة ومحدودة زمنيا وقطاعيا و ، وفي الجانب التقني تواجهنا قضية إختيار ثم نقل ثم توطين التقنيات المفيدة لتطور اقتصادنا وقطاعاته الخمسة الممكنة خلال 10 سنوات. برنامج الحد الادنى هذا ايضا يستلزم طبعا نوعا من الاختيار والرؤية التكنولوجية ؛ فهذا أمر لا فكاك منه ؛ ونحتاج الى حوار واسع حوله.
من وجهة نظري الشخصية وضمن قدراتي وموقفي كمنسق لفريق سودان المستقبل وكمرشح للرئاسة ؛ أعتقد إن الخيار الأقرب للتطبيق هو الخيار الثاني ضمن المصفوفة الرباعية التي تحدث عنها الاخ علاء وهي " مجتمع ديموقراطي مشغل بصورة جيدة للتقنية" إذ أنه ورغما عن إنهيار الإنتاج في السودان عموما إلا أن تجاربنا وقدرات الكفاءات السودانية ( في الداخل والخارج ) تجعلنا في مرحلة وسطية من التطور التكنولوجي يمكننا فيها توطين و تشغيل التقنية؛ دون ان ننسى الدخول في نفس الآن بخطوات تجريبية في تصنيع وابتكار التقنية في تلك المجالات والقطاعات الخمسة ذات الاهمية في برنامج سودان المستقبل.
ما هو الوضع التقني في السودان ؟
في اللحظة الحالية نحن نعاني من انهيار كامل للانتاج في السودان بعضا من اسبابه تكنلوجية ؛ حيث نشعهد انهياراً تكنلوجيا نسبة لتوقف البحث العلمي كلية وانعدام قطع الغيار للعديد من المكائن والمعدات تسببت في وقف عمل بعض المؤسسات مثل الخطوط الجوية السودانية بل بعض المرافق الهامة مثل ميناء بورتسودان. في المقابل حقق السودان بعض الطفرات في ادخال تكنلوجيات حديثة مثل تكنولوجيات الاتصالات ولكن يعيبها الضغط الهائل على الشبكات والمتجاوزة لامكانياتها وبغرض الربح مما يؤدي لسؤء الخدمات. ايضا نلاحظ استخدام تكنولوجيات متوسطة الكفاءة في بناء الجسور والطرق والبنية التحتية عموما ( سد مروي ومشاكل التوربينات ومشاكل نقل الطاقة).
النمط التكنولوجي المطلوب حاليا يتمثل في استيراد ونقل وتوطين التقانة لاعادة الانتاج فبعض المشاريع الانتاجية تحتاج فقط الى اعادة تأهيل (مثلا مشروع الجزيرة ) وفق التقانات المجربة وادخال بعض التطوير فيها ؛ ومن الجيد إن هذا التطوير تم اقتراحه من طرف خبرات سودانية ويمكن ان يتم تطبيقه بتلك الخبرات. لن نستطيع تطبيق النمط التكنولوجي الثالث حاليا وهو تصنيع ادوات الانتاج الثقيلة ولكن يمكن لنا تصنيع الخفيفة منها والمصمة خصيصا لاحتياجاتنا (مثلا هناك تقنيات لحفظ المياه في التربة ومع متخصصين زراعيين ومهندسين توصلنا لامكانية تامة لتصنيع مدخلاتها بالسودان) – ايضا يمكن تصنيع قطع الغيار بالسودان وهذا كان يتم سابقا حتى في مستوى الورش الصناعية.
ايضا في استيرادنا للتكنولوجيا سنراعى اختيار تلك التقنيات التي يمكن توطينها وتركيبها وصناعة اسبيراتها بالسودان ( مثلا التراكتورات البيلاروسية بسيطة جدا ولا تحتوي على الكترونيات كثيرة مثل البولندية أو الفرنسية وهي أشد متانة وأبسط تصميما مما يجعلها مفضلة أكثر لنا في هذه المرحلة من التطور) . أيضا هناك دول صغيرة كاستونيا تطورت جدا في التقنيات الرقمية ولنا علاقات جيدة مع قياداتها وستكون ( مع هولندا) من اول الدول المرشحة لتطوير انظمتنا الرقمية وخصوصا انظمة حصر السكان. دول مثل البرازيل والارجنتين تطورت جدا في الانتاج الغذائي ويمكن ان نستفيد منها (حتى تجربة بتسوانا في انتاج اللحوم يمكن أن نستفيد منها) – البرازيل ايضا وفي زمن قياسي طورت صناعة الطائرات فيها وستكون طائراتها من نوع امباريار من اوائل الاحتمالات لتزويد الخطوط الجوية السودانية بالطائرات ( لا تقل في تقديري عن البوينج وتتتفوق على الطائرات الكندية بومباردور ) . بولندا ايضا متطورة في التقنيات الزراعية وتخطو خطوات جادة في البيوتكنولوجيا ويمكن عمل شراكة – علمية تقنية معها ( مؤخرا قاموا بانشاء خط تصنيع لتراكتوراتهم من طراز اورسوس في اثيوبيا ويعملون على انشاء خط
مماثل في غانا.)
لماذا لا نتحول لمجتمع مبتكر :
يكون السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا نقفز من المراحل الاولية لنقل التقنية او تشغيها او تصنيعها للمرحلة الرابعة وهي ابتكار التقنية والتحول لإنتاج الدماغ كما طرح طيب الذكر الأستاذ الخاتم عدلان، باعتبار ان الموارد الموجهة لنقل / تشغيل / تصنيع التقنية يمكن تخصيصها للابتكار وان نتحول بالتالي لدولة رائدة في مجال البحوث العلمية والاختراعات والبراءات ؛ دون أن نمر بمرحلة التصنيع ، وذلك بضخ اموال ضخمة في مؤسسات البحث العلمي وعزلها ومن ثم تفريخ الابتكارات وبيعها لمُصنّعي التقنية ؟
اقول أنه بالنسبة للابتكار فهو يعتمد على عاملين : التعليم والعلم. لا يمكن الحديث عن قيام اقتصاد قائم حصرا على الابتكار في بلاد تعاني من انعدام وضعف مؤسساتها التعليمية والعلمية. في برنامج سودان المستقبل هناك اهتمام بتطوير التعليم كما وكيفا وتطوير العلوم والبحث العلمي وخصوصا في المجالات والقطاعات الخمسة اعلاه. شخصي ايضا مهتم بالعلوم وآخر التقنيات العلمية والابتكار لكني مقتنع ان التقنية لكيما توطن وتتطور لا يجب ان تتجاوز قدرة المجتمع التعليمية والعلمية والتقنية (سيظل دائما هناك متفردون وهم قلة في كل مجتمع يقومون بالابتكار رغم تخلف المجتمع) .
الدول التي تنتج الأفكار والإختراعات اليوم مرت بكل المراحل الاولى لنقل وتشغيل وتصنيع التقنيات ؛ وهي كلها دول صناعية او ذات تاريخ صناعي طويل. من الملاحظ ايضا ان اغلب دول التصنيع الثقيل القديمة تهجره تدريجيا وتتجه للابتكار وقطاعات الاقتصاد الحديثة ؛ بينما تتوجه دول العالم الثاني السابقة (الصين ، الهند، البرازيل الخ) الى التصنيع الثقيل . ذلك ان الابتكار لا يمكن ان يتم الا في مجتمع متقدم علميا وصناعيا وعبر عبر كل مراحل التعامل مع التقنية ؛ لذلك كان قيام وادي السيلكون في الولايات المتحدة وليس في السودان. ففي صحراء التخلف لا يمكن لك ان تبني واحات الابتكار.
هناك أيضا جانب عملي وهو إن ابتكار التقنيات الجديدة مرتبط ارتباطا تاما بتطبيقها؛ فلا يمكن أن تخترع الاختراعات وتبدع وتبتكر وتترك التصنيع لجهات اخرى هي التي تكسب من جراء بيع المنتج النهائي. هذا سيؤدي لنزيف الأفكار بعد نزيف العقول، وفي المحصلة سيؤدي لهجرة تلك العقول المبتكرة الى تلك المناطق التي يمكن فيها تطبيق وتصنيع مبتكراتها واختراعاتها.
لهذا كله سيتم تطوير وتقديم دفعة قوية للتعليم والبحوث العلمية المتعلقة بالتنمية لأنها الأساس المستقبلي للإبتكار؛ بينما سيتم استيراد وتطوير التقنيات المناسبة لاحتياجاتنا الحالية ومن مصادر مختلفة ليس من الدول الكبرى (يفضل استيراد التقنية من الدول الصغيرة وذلك لأسباب سياسية وإقتصادية). بالنسبة للمواهب المتفردة التي تظهر قدرات فوق العادة منذ الطفولة يجب رعاية تلك المواهب المعنية والاهتمام بهم باعتبار انهم سيشكلون كادر الابتكار المستقبلي. سنستفيد أيضا من تطبيق كل الافكار وبراءات الاختراع المبتكرة حول العالم (في اللحظة الحالية يملك فريق "سودان المستقبل" مدخلا لبنك اختراعات وبراءات فيه اكثر من 260 ابتكاراً قابل للتطبيق المباشر) . ايضا سنقوم في مجال تطوير التقنيات بدعم الstart-ups وخصوصا بالنسبة للكوادر والافكار القادمة من افريقيا وذلك عبر تقديم منح صغيرة لاصحاب الاختراعات ومحاولة تطبيقها ( خصوصا في المجال الزراعي يممكن أن يدعمنا كثيرا ) – لشيلي تجربة ممتازة في هذا المجال يمكن اقتباسها . (http://www.startupchile.org)
دور القيادة السياسية :
اثار الأخ ضياء نقطة مهمة وهي أن برنامج سودان المستقبل (يحتاج الي دافع يلزم الحكومة الجديدة بالمخطط و إلا ستكتفي الحكومة بممارسة الروتين و التمتع بالسلطة و اموال الشعب و هذا يحتاج الي وجود شعب يفهم حقوقه جيدا و علي استعداد للمطالبة بها، إذ إن هذا المخطط هدفه هو تحويل السودان او الانتقال به الي مرحلة الدول الصناعية المعتمدة علي نقل تقنيات التصنيع و الدول غزيرة الاستثمار كماليزيا و تركيا و تايلاند و ربما الصين، تلك الدول ما عدا ماليزيا و تركيا اعتمدت علي وجود مورد رخيص و هي العمالة النشيطة و الملتزمة الرخيصة ).
أيضاً ذكر الأخ ضياء أنه (من خلال عملي في عدد من الاحزاب وجدت ان معظم القادة تنقصهم النظرة الهندسية و التقنية و العلمية و اتجاه العالم في تلك المجالات التي غيرت ملامح العالم و التحليل العميق للشخصية السودانية ، و يركزون علي الجوانب السياسية و الاقتصادية ، متجاهلين ان الاقتصاد يعتمد علي الهندسة و التكنلوجيا و الاخيرتين يعتمدان علي البحث العلمي. و كل ذلك يعتمد علي احداث تغيير اجتماعي شامل مبني علي فهم عميق للنفس البشرية و السودانية علي الاخص).
تذكرت في سياق الرد على هذا التخوفات أني قرأت قبل مدة عن شكوى احد المسؤولين بالجنوب عن عدم اهتمام حكومة الجنوب (وذلك قبل حربهم الأخيرة العبثية) بربط الجنوب بالسكك الحديدية مع الشمال ثم مع جيبوتي واوغندا بعد رحيل جون قرنق وهي افكار كان قرنق يعطيها الاولوية. ما يوضح اهمية دور القيادة في التنمية. والحقيقة أنه في كل مشاريع التنمية الوطنية هناك عامل هام جدا وربما يكون الاهم وهو الارادة السياسية والقيادة حيث ان كل التحولات التنموية والتقنية السريعة في العالم وفي العقود الآخيرة كانت هناك قيادات قادت التحول بارادة فولاذية (لي كوان في سنغافورة ، مهاتير محمد في ماليزيا، دينج هسباو بينج في الصين ؛ اردوغان في تركيا ؛الخ ) .
بالنسبة لنا في سودان المستقبل ليس هناك تخوف من نوم الحكومة الجديدة أو انعدام الحافز لديها أو إهمالها للقضايا التقنية والعلمية ، اذ إن المهندس الأول لبرنامج سودان المستقبل هو نفسه مرشح الرئاسة و رئيس الحكومة القادم، كما إن الجانب التنفيذي في الحكومة سيكون في المقام الأول في أيدى التكنوقراط وليس السياسيين. لذلك لن يكون هناك تناقض ما بين التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ وسيكون للتقنية مكانها المعلي في هيكلية التغيير الاقتصادي الإجتماعي في دولة "سودان المستقبل".
عادل عبد العاطي
المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية السودانية 2020
3/8/2017م
www.sudanf.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.