بدلا عن كل هذه الضجة والبكاء علي القيم والتقاليد السودانية بسبب ما حدث اثناء تشييع الراحلة فاطمة احمد ابراهيم لو اكتفي السادة النظاميين المعنيين بالذهاب الي منزل الفقيدة مباشرة وتقديم العزاء ففي هذه الحالة لايحق الا لاصحاب المنزل التحدث معهم ورفض وجودهم من عدمه ولكنهم ظهروا في ساحة ومناسبة عامة يوجد فيها خصومهم المفترضين من كل الوان الطيف السياسي وليس الشيوعيين وحدهم من المغبونيين غبن واضح لايتطرق اليه الشك من مجريات الامور وتسلط المتاسلمين الطويل المدي وحدث ما حدث.. للاسف ماحدث اثناء مراسم تشييع فاطمة احمد ابراهيم جرس انذار يعطي مؤشر واضح لما يمكن ان تكون عليه الاوضاع في حالة حدوث متغير معين في مستقبل ايام السودان ودوام الحال من المحال وتلك الايام نداولها بين الناس وتلك سنة الحياة ولن تجد لها تبديل.. لم نعايش سقوط الفريق ابراهيم عبود وثورة 21 اكتوبر السودانية الشهيرة ولكن الوقائع الموثقة لتلك الاحداث تقول بانها قد جرت في اجواء من الاحترام المتبادل بين ممثلي الشعب المنتصر والجنرال الذي خسر الحكم بعد ان اطاحه الشعب الذي انخرط في مراسم اعادة الحقوق وتسليم السلطة بروح وهمة عالية تعلو وجهه ابتسامة عريضة رحمه الله الفريق ابراهيم عبود. في صبيحة السادس من ابريل من العام 1985 احتشدت اعداد رهيبة من المواطنيين في وسط حي كوبر خارج سجنها العريق تردد الهتاف واناشيد الفرحة وعلي بعد امتار كان يقع منزل اللواء عمر محمد الطيب نائب النميري وعلي الناحية الاخري من الشارع منزل مساعد الرئيس الراحل المقيم الرشيد الطاهر بكر المحامي ولم يعبر متظاهر واحد الي الناحية الاخري من الشارع حيث منازل هذه الشخصيات التي كانت تتولي مناصب رفيعه في النظام . هكذا كان هو شعب السودان في ذلك العصر والاوان يدرك ان تلك المنازل مملوكة لقادة النظام الذي اسقطوه في صباح ذلك اليوم ولكنهم كانوا يدركون ايضا ان بداخلها اناس اخرين يعتبرون في عداد " الحرمات" التي لايجوز المساس بها باي حال من الاحوال وانفضت تلك الجموع ولم ينطلق حجر طائش نحو تلك الانحاء والمنازل ولم يروع داخلها كائن من اهلها. علي ذكر التقاليد السياسية للناس في السودان وفي قاهرة التسعينات التي كانت بمثابة القيادة المركزية لانشطة المعارضة السودانية التي توزعت علي عدد من دول الجوار وانحاء اخري من بلاد العرب والعجم كان مكتب حزب الامة يتوسط مدينة القاهرة في عمارة الثورة العريقة والقديمة وكان المكتب المذكور اشبه بخلية النحل منذ الصباح الباكر وحتي نهاية اليوم وكان يرتاده الاعلاميين من صحافة تلك الايام وملتقي لكل السودانيين والمعارضين . شهد نفس المكتب صبيحة احد الايام مراسم تقبل العزاء في والد الراحل المقيم الدكتور عمر نور الدائم الذي تصادف وجوده في القاهرة وتدفقت جموع كبيرة علي المكتب ومن ضمن الحضور كان بعض طاقم السفارة السودانية في القاهرة ومن ضمنه شخصية امنية انفعالية وغير اخوانية من الذين تربطهم علاقة مصاهرة باحد قيادات الاسلاميين. كعادة الحديث في منازل العزاء السودانية تطرق الحضور لاوضاع السياسة والوضع الداخلي المتردي في اولي سنين الانقاذ و التمكين واراد رجل الامن المشار اليه المشاركة في الحديث الدائر وكان يجلس الي جوار الدكتور عمر نور الدائم وقال : " هذه الايام انتشرت انواع من الملاريا غريبة جدا في الخرطوم " ولم يكمل الرجل حديثه فاستدار له الدكتور عمر بعفويته المعروفة قائلا .. ياخوانا ماتصدقوا هولاء الناس المجرمين هم احيانا يطلقون اشاعات مثل هذا الحديث واستطرد في وصف مخازي نظام الخرطوم وكيف انهارت الخدمات ومؤسسات الدولة .. واستاذن اعضاء السفارة المعنيين في الذهاب ووقفوا ورددوا الفاتحة قبل ان يتجهوا نحو المصعد بجوار المكتب .. وفي هذه الاثناء قال احد شباب حزب الامة للدكتور عمر انت الناس الكنت بتتكلم معاهم ديل بتعرفهم فاجاب بالنفي فقال له انهم فلان وفلان بتاعين الامن والمكتب العسكري في السفارة.. فقال له الدكتور عمر رحمه الله وبنفس العفوية اجري ياخي حصلهم وقول لهم والله انني لم اكن اعرفهم ولو كنت اعرفهم لما تحدثت اصلا في هذه المواضيع .. ويبدو ان هناك من شباب حزب الامة من تكفل بتوصيل نفس الرسالة الي الاشخاص المعنيين ضمن اعتذار ضمني عن موضوع النقاش الذي دار وذلك اثناء توصيل هولاء المعزيين الي المصعد. هكذا كان الناس يتعاملون بتلك الشفافية والسمو اثناء السلم والخصام في سودان تلك الايام التي خلت ولكن اليوم امر اخر فقد جرت مياه كثيرة تحت النهر ولم يعد الحال هو نفس الحال ونتمني للناس والبلاد حسن الختام والسلامة من المصائر المترتبة علي تراكم المظالم والانتهاكات من نوع النهايات التي انتهي اليها اقوم اخرون. www.sudandailypress.net