حديث الاستاذ عثمان ميرغني أمس في « حديث المدينة » عن التوجيهات التي تصدر من أهل السلطة والقرار دون أن يزودوها بجناحين تحلق بهما أو قدمين تمشي عليهما ، ذكرني بتلك التصريحات المضروبة والمضرة التي تصدر من سياسيين ونافذين يطلقونها في الهواء الطلق، واعدين ومبشرين، أو متوعدين ومهددين، بأرق العبارات في الحالة الأولى، وبأقساها في الحالة الثانية، ولكن لا تلبث هذه الأقوال إلا قليلاً حتى يبددها الواقع وتهزمها الواقعية التي تفرض مآلاً يفضي إلى معكوس ما عكسته تلك الأقوال الجزافية، إما بإنتهاء الوعود والبشريات الواعدة إلى المحصلة صفر، أو أن تؤول التوعدات والتهديدات الراعدة إلى موادعة ومسالمة، بلسان حال قائل « ما أحلى التصافي من بعد التجافي» كما يغني المغني، والملاحظ أن مثل هذه التصريحات المضروبة تتكاثر عند الملمات وينشط مطلقوها في ساعة الأزمات، دون أن يعتبروا ويتعظوا من تصريحاتهم السابقة ، فتراهم يعيدونها ويكررونها كلما حَزِب أمر أو حلّت أزمة دون أن يطرف لهم جفن .. والمفارقة أن أغلب من تصدر عنهم هذه الأقوال المرسلة والتصريحات الهراء ليسوا أصحاب حق أصيل فيها ولا حتى حق مجاور بلغة لجنة المصنفات الأدبية والفنية، وإنما هي مجرد « شلاقة » منهم بقصد ترفيع ذواتهم وتضخيم أدوارهم على طريقة « نفخ الورل » التي لا تكلف شيئاً سوى ملء الاشداق بالهواء ثم إفراغها منه فيعود الهواء إلى الهواء ولا يجد الناس إلا ريحها .. ... والمشكلة أن لا أحد عاقل راشد استطاع أن يوقف مثل هذه الترهات عند حدها رغم ما أذيع حول تكوين غرفة عمليات إعلامية يعُهد إليها مهمة تمليك الحقائق ونشر المعلومات الحقيقية والصحيحة، ولكن بلا جدوى فما تزال التصريحات تتخابط وتتضارب «عمّال على بطال» ومن كافة المستويات التنفيذية والسياسية لدرجة يمكن معها أن تسمع تصريحاً مجلجلاً لمسؤول صغير في «حشوا فرّوا» يدلي به في شأن حادثة أو واقعة لا يعرف « كوعها من بوعها » ، فيقول عنها كلاماً ينتف شعر الحقيقة كما نتف الأعمش إبطه عندما دخل المسجد فوجد رجلاً يحدِّث الناس عنه، ويقول حدثنا الأعمش عن أبي إسحق عن أبي وائل، فدهش الأعمش لهذا الكاذب الأشر، فعمد إلى الجلوس في وسط الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه، قال الرجل يا شيخ ألا تستحي نحن في علم وأنت تفعل مثل هذا، قال الأعمش الذي أنا فيه خير من الذي أنت فيه، قال كيف، قال الأعمش لأني في سُنة وأنت في كذب، أنا الأعمش وما حدثتك مما تقول شيئاً... وليت قومنا من أصحاب التصريحات المضروبة لو عكفوا على نتف آباطهم بدلاً عن هذه البلبلة التي يمارسونها... فأن يمارسوا سنة فذلك أفضل لهم وللناس من هذه التصريحات المضرة ... الصحافة