تشكل الدفعة (60) جامعيين بالشرطة إحدى الثمار المرة لسياسة التمكين . وبحسب تلك السياسة القاضية بإعادة صياغة الدولة لصالح المؤتمر الوطني ، أدخل الحزب دفعة كاملة من الاسلامويين الجامعيين – غالبهم من خريجي الهند وباكستان – أدخلهم إلى الشرطة للسيطرة عليها وتحويلها إلى شرطة حزبية . وعند تخريج تلك الدفعة قال المرحوم الزبير محمد صالح ( من هاهنا تبدأ الشرطة) ، ويعني من ها هنا تبدأ شرطة الإنقاذ ! وفعلاً تسلمت هذه الدفعة غالبية المفاصل الرئيسية في الشرطة السودانية . وحطم هؤلاء الضبط والربط ، فانتماؤهم الحزبي وغض النظر عن رتبهم العسكرية جعلهم فوق قيادات الشرطة ، فطاحوا فيها وفي مواردها بلا رقيب أو حسيب . وبغطاء من (التمكين) (الحزبي) (مكنوا) أشخاصهم بالفساد ، وكنماذج على ذلك ، نقدم بعض ممتلكات ضباط هذه الدفعة . العقيد أكثم السيد السماني ، كان ضابطاً في أمن المجتمع ، ثم مسئولا في مشتروات الشرطة ، ويدير حالياً ما يسمى بوحدة ( حماية الأسرة والطفل) ، يمتلك عمارة من (6) طوابق في أركويت . وأما حسام الدين السيد – الشخصية الرئيسية في شركة أواب ، وهي شركة خاصة للخدمات الأمنية تابعة لقيادة الشرطة – فيمتلك عمارة من (5) طوابق بأركويت ايضاً . ويمتلك خالد هاشم – مدير مكتب مدير عام الشرطة سابقاً – فيلا بالطائف قرب منزل الفريق عمر الحضيري . وأما جمال الدين حسن محمد طه – ابن عم علي عثمان محمد طه – فتولى مكتب العلاقات البينية ، وحين ذاعت أخبار فساده صدر قرار بنقله إلى كردفان ولكنه رفض تنفيذ القرار ، فتم التراجع عن نقله وألحق بجمعية (القران الكريم) – والقران منه براء – ثم إلى شرطة المرور ، حيث أحد مراتع الفساد . له عمارتان ، واحدة في الأزهري ، وأخرى في كافوري ، التي انتقل للسكن بها قبل حوالي شهرين ، في مناخات اقرب إلى مناخات ( ألف ليلة وليلة) . وأما محي الدين برير فانتدب لتأمين البترول وعمل في بترودار حوالي (12) سنة ، وتحصل مع آخرين على ضمان اجتماعي بمبلغ (1) مليار و(600) مليون جنيه بمتوسط (160) مليون جنيه للشخص الواحد ثم عاد إلى الشرطة وألحق بجامعة الرباط كمدير تنفيذي ، ومنح عربة (لانسر) فرفضها باعتبارها لا تليق ! ويستخدم حالياً عربة (برادو) يتجاوز سعرها ال (150) مليون جنيه ! وبينما ينعم ضباط الدفعة (60) بعماراتهم في الطائفوأركويت وكافوري ، وعربات البرادو ، رغم أنهم التحقوا بالشرطة في منتصف التسعينات ، في المقابل فان ضباط الشرطة الشرفاء ، ومنهم من هم أقدم بسنوات ، لا يجدون منازل للإيجار في أم بدة والصحافات ، ولا تكفي مرتباتهم إقامة أود أسرهم . ويقدم نموذج (التمكين) في الشرطة عينة تمثيلية للتمكين في المهن الأخرى ، حيث انتهى في جميع الحالات إلى (تمكين) فساد الأشخاص . والسبب في ذلك ، انه حين تنعدم الشفافية والرقابة والمساءلة ، كنتيجة لمصادرة الديمقراطية وحقوق الإنسان ، يتحول الفساد إلى نظام شامل ، يعيد صياغة الأفراد على صورته ، فيفسدون بغض النظر عن ادعاءاتهم ورغباتهم . وفي مثل هذا الفساد الشامل ، فان مكافحة الفساد مجهود عبثي ، لأن المناخ يفرخ عشرات المفسدين في مقابل أي مفسد يتم القبض عليه .