هذا النوع من الإعلان – المرفق – من النوع الذي يقف أمامه المرء حائراً، هل يبكي أم يضحك أم يلطم ويندب ؟ فهو مثير للضحك والشفقة في آن، ويجب أن يُنشر في باب: إلى أصحاب القلوب الرحيمة! رجل جاهل شبه أمي، يقود مليشيا مسلحة، مخنثة ومجهولة الأبوين – لا هي نظامية ولا هي تتبع لجهة معلومة – يعلن رسمياً بلا أدنى حياء أو خجل، عن حاجة مليشيته التي قوامها المنبوذين وقطاع الطرق إلى مجندين جدد، بل يشترط بكل صفاقة وبجاحة مجندين نوعيين بمؤهل "دبلوم" و"بكالوريوس"، حتى يعينهم برتب "عريف" و"رقيب"، وهي كما نعلم مراتب واطية تأتي في قاع التراتيبية العسكرية المعروفة! وتكمن المفارقة في أن قائد هذه القوات نفسه يضع على كتفيه المائلين رتبة "فريق"، أعلى رتبة عسكرية بجيوش العالم، نالها دون أدنى تأهيل أكاديمي أو عسكري، ودون أن يخوض أي حرب، وبلا أي دبلوم أو بكالوريوس أو بطيخ! هذا بخلاف أن الكل يعلم أن هذه القوات مهمتها الأساسية التخريب لا البناء، إذ أنها تأسست وفقاً لنظرية: "امسح، اكسح، قشوا، ما تجيبوا حي"، فقتلت الناس بدارفور فرادى وجماعات، وأهلكت النسل والحرث، وارتكبت من الفظائع ما يندي له جبين الحجر، درجة أنها أصبحت مسألة وقت حتى تصدر العدالة الدولية مذكرة توقيف بحق قائدها، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، وكأني بعمر البشير مريض "إيدز" حقود لا يهدأ باله حتى يعمم مرضه على الجميع! ولا أعرف لماذا تحتاج مليشيا تأسست للقيام بالمهام القذرة والتخريب إلى مؤهلات أكاديمية؟ فما الشيء الذي سيقدمه حامل "الدبلوم" لحرق قرية بمن فيها وما فيها، وماذا سيقدم صاحب "البكالوريوس" لبقر بطن امرأة حامل في قرى "الفور" و"الزغاوة" وغيرها؟ ماذا تفعل الماشطة في الوجه العكر؟! لا بأس، إن تجرأ قائد هذه المليشيا بإعلانه هذا، فرئيسه تجرأ بما هو أعلى من ذلك، ولكن البأس الشديد أن هذه المليشيات أصبحت تشكل جيشاً موازياً للجيش النظامي – إذا صحت التسمية – ما ينبئ بكارثة قادمة لا تبقي ولا تذر! ولكن من قال إن هذا الأمر يرفضه جميع المواطنين الشرفاء؟ أنا شخصياً موقن تماماً بأن وجود هذه المليشيات داخل العاصمة تدبير من الله، إذ لا بد لمن صمتوا عن قتل إخوتهم في الهامش البعيد أن ينتقل القتال إلى مواقعهم، فيشربوا حتى الارتواء من نفس الكأس، ويتذوقوا طعم الدم بألسنتهم الخرساء، فيألمون كما يُألمون، ويتحقق وعد الله الحق، ووعد التاريخ، فالشعوب التي لم تتواثق بالحق وبالعدل تتواثق بالدم. اللهم ابتدئ التخريب الآن فإن خراباً بالحق بناء بالحق.