موقف لن أنساه أبد الدهر.. هذا الغندور.. مساعد البشير .. وبينما أنا منهمك في الشرح وعرض الأدلة للجنة التحقيق التي شكلها المجلس الطبي لتقصي الحقائق حول ما كنت قد نشرته عبر صحيفة أجراس الحرية وبعض المواقع في الانترنت من ملفات تكشف وتفضح فساد المسئولين بالمركز القومي لأمراض الكلى.. فوجئت ببروفيسور غندور يستوقفني ويسألني : مصلحتك شنو في الكلام ده يا دكتور؟! شنو الدافع البيخليك تجمع كل الأدلة دي وتجي تعرضها لينا؟! وجم الجميع بمن فيهم أنا وساد القاعة صمت ممزوج بالدهشة قطعه علينا أحد أعضاء اللجنة -لا أعرف اسمه- قائلا له بشجاعة : ليس من حقنا كلجنة أن نسأل شاكيا أو شاهدا عن دوافعه.. حتى لو كانت الدوافع شخصية أو لمصالح مالية أو معنوية فهذا لا يعنينا.. فواجبنا يحتم علينا أن نحقق ونتحقق من صحة كل ما يعرض أمامنا هنا من أدلة.. فان ثبتت نتخذ اجراءاتنا وان اتضح عدم صحتها نردها ونشطب الشكوى المقدمة.. ثم دخل في جدل مع غندور لم ينهه الا صوتي وأنا أقول له حسنا.. سأخبرك بدوافعي.. فابتسم غندور وقال لي : ها.. هات ما لديك.. فقال لي ذلك الشخص الشجاع : أنت لست مرغما يا دكتور على ذلك.. من حقك أن لا تصرح.. فقال له غندور: دعه وشأنه.. ثم التفت لي قائلا : قل يا دكتور.. بس بالله ما تقعد تلف وتدور وتشبكني دوافعي الضمير وأخلاق المهنة ومصلحة المريض والقصص الفارغة الزي دي.. اديني الأسباب الحقيقية ! فقلت له : وهل الضمير والأخلاق قصص فارغة ؟! فقال : يا دكتور ما تقعد تلف وتدور.. فقلت له حسنا.. بصراحة أنا عميل للأمريكان والامبريالية ودول الاستكبار والصهيونية وقد كلفوني بتشويه صورة الاسلام والمشروع الحضاري عبر اختلاق قصص وهمية عن فساد في دولة الاسلام وصحابة القرن الحادي والعشرين.. كما أن لي علاقات مع الموساد وال CIA ويمنحونني مقابلا ماديا جيدا نظير ذلك.. وبالمناسبة أنا علماني وليبرالي وشيوعي حاقد.. ولي علاقات مشبوهة مع الحركة الشعبية والبعثيين والمؤتمر الشعبي والماسونية.. هل وجدت في أجوبتي هذه ضالتك التي تبحث عنها؟! وهل تشعر بالارتياح الآن؟؟! ان لم تكن ترى الضمير والأخلاق في من هم حولك يا بروف.. فاعلم أنها متوفرة بكثرة في من هم بعيدون عنكم.. ثم حملت أوراقي ومستنداتي وخرجت من قاعتهم تلك لأواجه مسلسلا امتد لأكثر من أربعة أعوام من الاعتقالات والمحاكمات والفصل عن العمل والملاحقة والتشريد.. كي أكون منصفا.. أصدرت تلكم اللجنة (لاحقا) قرارا يقضي بصحة ما عرضته أمامها من مستندات وأوصت بايقاع عقوبة (التنبيه) على الفاسدين !