الإنسان كائن بشري له معتقداته الروحية التي يؤمن بها ومعتقدات الديانات الإبراهيمية الثلاثة تؤمن بفكرة الآخرة والثواب والعقاب فيها حسب معتقدات من يعتنقها ويمارس الشعائر الدينية التي عليها سيتم محاسبته في الحياة الآخرة وممارستها يتطلب الصوم والزكاة والحج إلى آخره، ولكن الدولة كيان سياسي لا يمارس شعائر دينية يمكن للخالق محاسبتها عليها في الآخرة، وبنا على ذلك لا نستطيع أن نقول إن هناك دولة مسلمة ودولة كافرة لان الدولة من مكوناتها الشعب الذي يكون فيه المؤمن والكافر، كذلك المؤسسات الأخرى الاقتصادية أو الاجتماعية، فلا يجب أن نقول إن هناك شركة كافرة وأخرى مؤمنة لان الكيانات السياسية أو الاقتصادية تختلف عن الكيان البشري فالإيمان بالغيبيات هو شأن خاص لا ترعاه الدولة بأي شكل من الأشكال. حدث ذلك في جميع دول العالم المتقدمة منها والمتخلفة ما عدا الدول الإسلامية فلماذا يستخدم رجال الدين الدستور والقانون الوضعي العلماني لفرض دين بعينة على الجميع؟ في الدول التي لا تنص دساتيرها على دين الدولة (الدول العلمانية) ترفض طرح أي فكر على المواطن بالقوة ونجد هذا واضحا في غالبية دول العالم تقريبا، ففرنسا العلمانية لا تفرض على المسلمين المقيمين على أرضها ترك الإسلام أو عدم بناء المساجد، والولاياتالمتحدة العلمانية لا تمنع أي مسلم من لبس الجلباب القصير وإطلاق اللحية بينما في الدول الإسلامية يرفضون الآخر المختلف وأسلوب حياته وبقوة القانون يمنعون المسيحيين من بناء كنائس وبقوة القانون، يمنعون البوذيون من ممارسة شعائرهم علنا وبقوة القانون، يتعرض الملحد للاضطهاد وربما القتل باسم الدولة وبقوة القانون، ويتم الحجر على المعتقد وتحجيمه وبقوة القانون، لماذا يضطر الإسلام إلى فرض نفسه على المواطنين بقوة القانون أو الدستور الوضعي. الدولة المدنية الحديثة لا تحتاج دينًا تحتمي فيه بل هي التي تحمي أديان مواطنيها. والدين القوي لا يحتاج دولة يحتمي بها بل هو قوي بإيمان أتباعه من الأفراد به. والآن سنبحث عن الإجابة عن سؤال واحد، وهو: هل دول العالم يوجد عندها دين رسمي في دستورها؟ كنت اعتقد بسذاجة أنّ دول المعسكر الاشتراكي السابق هي التي لا ينص دستورها على دينًا رسميًا! وقد ظهر لي أنّ هذا ليس له علاقة بالواقع ، وهناك دول كنت أعتقد جازمًا أن لها دينًا رسميًا لكن بالبحث اكتشفت أن اعتقادي خاطئ، كنت أتصور مثلاً أنّ الهند دولة تتبع الدين الهندوسي. وفي الحقيقة أنّ الهند ليست دولة دينية. فلا يوجد في دستورها دين رسمي للدولة! بينما كمبوديا ديانتها الرسمية هي البوذية. والدول التي في آسيا والتي لا توجد لها ديانة رسمية: ميانمار، لاوس، ماليزيا، الفلبين، اليابان، كوريا الجنوبية، كوريا الشمالية، استراليا، جويانا الجديدة، الصين، منغوليا، روسيا، كازخستان، أوزبكستان، قرغيزستان، توركمانستان، أذربيجان، جيورجيا، ولبنان، وبالنسبة لسوريا فلا يلزم دستورها الدولة بدين معين (ولكن رئيس الدولة يجب أن يكون مسلمًا حسب القانون)، وتركيا (مجتمع إسلامي، وكانت فيها عاصمة الخلافة الإسلامية قبل أن تتحول إلى دولة لا دينية عام 1924. ومن الدول الأوربية التي لم يخطر ببالي إطلاقًا أنها دولة لا دينية هي إيطاليا (ماعدا الفاتيكان!)، وكذلك فرنسا، والنمسا، وهولندا، وبلجيكا، وايرلندا، والبرتغال، وسويسرا، وجمهورية سان مارينو، وليشتنشتاين، ولوكسمبورج، بولندا، لاتفيا، ليتفا، استونيا، كرواتيا، البوسنيا والهرسك، رومانيا، يوغسلافيا، هنغاريا، سلوفاكيا، جمهورية التشيك، ألمانيا، سلوفينيا، مولدوفا، أوكرانيا، بلوروسيا، مقدونيا، ألبانيا. وتوجد في إنجلترا وكذلك فنلندا بعض الحماية للكنيسة إلاّ أنها لا تعتبر رسمية. ومن الدول العربية الأخرى التي لا يوجد فيها دين رسمي للدولة نجد دولة جيبوتي أما في أفريقيا فنجد الدول التالية: النيجر، بنين، توجو، غانا (بلد كوفي عنان)، ساحل العاج، ليبيريا، جويانا، غينيا بيساو، السنغال، بوركينا فاسو، ليبيريا، سيراليون، جويانا، جامبيا، مالي، موزامبيق، بوتسوانا، ناميبيا، أنجولا، زمبابوي، دولتا الكونغو، مدغشقر، ملاوي، تنزانيا، إرتيريا، أثيوبيا، رواندا، أوغندا، كينيا، تشاد، أفريقيا الوسطى، الكاميرون، الجابون، جويانا الاستوائية، نيجيريا، بوتسوانا، سوازيلاند، وجنوب أفريقيا. وفي قارة أستراليا، و جويانا الجديدة.لا يوجد دين رسمي للدولة. وتوجد في قارة أميركا الشمالية ثلاث دول فقط هي: الولاياتالمتحدة، وكندا، والمكسيك؛ وكلها لا يوجد لديها دين رسمي للدولة! وفي أميركا الوسطى، واللاتينية: فإنّ جواتيمالا، وبيليز، والهندوراس، ونيكارغوا، وبنما، وكوبا، والبهاما كلها دول لا دين رسمي لها. أمّا في السلفادور وهاييتي فرغم الاعتراف الخاص في الدستور بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية إلاّ أنه ليس دينًا رسميا. و في البحر الكاريبي. ولا يختلف الوضع كثيرًا عنة في أميركا الجنوبية. فهناك تسع دول لا دين رسميًا لها من مجموع 13 دولة هي: البرازيل (الدولة الخامسة من ناحية المساحة في العالم)، فنزويلا، تشيلي، الأكوادور، كولومبيا، أورغواي، سورينام، غويانا، أمّا البارغواي فتتمتع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فيها باعتراف خاص منذ دستور 1992 ولكنها لا تعتبر الدين الرسمي للدولة. بل الدستور ينص على علمانية الدولة. وهكذا يتضح لنا أن (128) دولة من دول العالم ال (192) لا يوجد فيها دين رسمي للدولة. والدول السبع الأكبر من ناحية المساحة في العالم وهي(روسيا،، كندا، الصين، الولاياتالمتحدة، والبرازيل، استراليا، والهند) دول لا دينية. ومن ناحية تعداد سكان الدول، فإنه يزيد على 80 % من مجموع سكان أرضنا التي نعيش عليها هي دول علمانية. وهذه الدول تختلف كثيرًا في تركيبتها الاجتماعية والاثنية وفي أديانها وطوائفها وتطورها الاقتصادي والحضاري وفي الطرق التاريخية التي سلكتها. ولكنها جميعها، تقريبًا، أفضل في تطورها وفي مستوى معيشة سكانها وفي مراعاتها لحقوق الإنسان وكرامته ورفاهيته والعمل من أجل مستقبله مما هي عليه الكثير من الدول الأخرى التي تتباهي بأنها تتبع دينًا رسميًا. وفي حقيقة الأمر فإن الدول التي تتبنى الدين رسميًا تُحوّل رجال الدين إلى توابع لسياساتها وعندما تنحدر السلطة إلى الدكتاتورية يصبح موقف رجال الدين في الدولة مخزيا جدًا. بل ومثيرًا للشفقة.