إنطلاق امتحانات شهادة المرحلة الابتدائية ببنغازي    المريخ يتدرب على اللمسة الواحدة    إعلان قائمة المنتخب لمباراتي موريتانيا وجنوب السودان    بدء الضخ التجريبي لمحطة مياه المنارة    شاهد بالفيديو.. مواطن سوداني ينطق اسم فريقه المفضل بوروسيا درتموند بطريقة مضحكة ويتوقع فوزه على الريال في نهائي الأبطال: (بروت دونتمند لو ما شال الكأس معناها البلد دي انتهت)    بعد الإدانة التاريخية لترامب.. نجمة الأفلام الإباحية لم تنبس ببنت شفة    صلاح ينضم لمنتخب مصر تحت قيادة التوأمين    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية كبيرة من الجمهور.. أحد أفراد الدعم السريع يظهر وهو يغني أغنية "هندية" ومتابعون: (أغنية أم قرون مالها عيبها لي)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية كبيرة من الجمهور.. أحد أفراد الدعم السريع يظهر وهو يغني أغنية "هندية" ومتابعون: (أغنية أم قرون مالها عيبها لي)    شاهد.. زوج نجمة السوشيال ميديا أمنية شهلي يتغزل فيها بلقطة من داخل الطائرة: (بريده براها ترتاح روحى كل ما أطراها ست البيت)    بعد الإدانة التاريخية.. هل يستطيع ترامب العفو عن نفسه إذا نجح بالانتخابات؟    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون يقدمون فواصل من الرقص "الفاضح" خلال حفل أحيته مطربة سودانية داخل إحدى الشقق ومتابعون: (خجلنا ليكم والله ليها حق الحرب تجينا وما تنتهي)    دفعة مالية سعودية ضخمة لشركة ذكاء اصطناعي صينية.. ومصدر يكشف السبب    احتفال جنوني من نيمار بتتويج الهلال    "إلى دبي".. تقرير يكشف "تهريب أطنان من الذهب الأفريقي" وردّ إماراتي    في بورتسودان هذه الأيام أطلت ظاهرة استئجار الشقق بواسطة الشركات!    مسؤول سوداني يكشف معلومات بشأن القاعدة الروسية في البحر الأحمر    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    فيصل محمد صالح يكتب: مؤتمر «تقدم»… آمال وتحديات    هل تنعش التحرّكات الأخيرة عملية السلام في السودان؟    "إهانة لبلد وشعبه".. تغريدة موجهة للجزائر تفجّر الجدل في فرنسا    الفارق كبير    مدير شرطة ولاية الجزيرة يتفقد شرطة محلية المناقل    السعودية "تختبر" اهتمام العالم باقتصادها بطرح أسهم في أرامكو    العمل الخاص بالأبيض تحقق إنتصاراً كبيراً على المليشيا المتمردة    ميتروفيتش والحظ يهزمان رونالدو مجددا    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    مذكرة تفاهم بين النيل الازرق والشركة السودانية للمناطق والاسواق الحرة    سنار.. إبادة كريمات وحبوب زيادة الوزن وشباك صيد الأسماك وكميات من الصمغ العربي    حكم بالسجن وحرمان من النشاط الكروي بحق لاعب الأهلي المصري حسين الشحات    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    والي ولاية البحر الأحمر يشهد حملة النظافة الكبرى لسوق مدينة بورتسودان بمشاركة القوات المشتركة    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يترأس اجتماع هيئة قيادة شرطة الولاية    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    بيومي فؤاد يخسر الرهان    نجل نتانياهو ينشر فيديو تهديد بانقلاب عسكري    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبن رشد [520ه - 1226م]..مفكر من طراز فريد
نشر في حريات يوم 20 - 08 - 2011

الى العزيز الدكتور الطيب زين العابدين الذي يزداد ضميره نقاءا وتوهجا كلما تدافعت ضده العجول وخلفها الطبول..
جمعت شخصية إبن رشد الأندلسي ما فات الفيلسوف الاسلامي في المشرق، ليس فقط في التماسك العقلي ولكن أيضا في تكامل بناء الشخصية الانسانية ، فلم يك إبن رشد متملقا يراهن على التزلف شأن أبي يعقوب يوسف الكندي مع ابي تمام- امام الخليفة العباسي المعتصم (1).
“امتدح الشاعر العباسي ابو تمام الخليفة
فلما وصل الى قوله:
اقدام عمرو في سماحة حاتم ………….. في حلم احنف في ذكاء اياس ِ
قاطعه الفيلسوف الكِندي (وكان حاضرا مجلس الخليفه) قائلا:
ان الامير يا ابا تمام فوق ماوصفت
فانت لم تزد على انه شبهته باجلاف العرب
فاطرق ابو تمام قليلا ثم قال:
لاتنكروا ضربي له من دونه …….. مثلا شرودا في الندى والباس ِ
فالله قد ضرب الاقل لنوره ……….مثلا في المشكاة والنبراس.”
قد دفع إبن رشد ثمنا باهظا لترفعه عن الصغائر واعتزازه بذاته مع ابى يوسف يعقوب سلطان الموحدين ، بأن احرقت كتبه، ولعنته العامة ، وذاق مرارة التشرد والنفي (2).
لم يستصغر إبن رشد نفسه يوما كما فعل الامام أبو حامد الغزالي (1113-1058) حينما وصف الاخير نفسه في كتابه ” فضائح الباطنية ” ب ” الخادم المطيع ” أمام الحضرة السلطانية نظام الملك السلجوقي التي أمرته أن يصنف كتابا يفضح فيه الباطنية وغوائل علمهم: { حتي خرجت الأوامر الشريفة المقدسة النبوية المستظهرية بالاشارة إلى الخادم في تصنيف كتاب في الرد على الباطنية مشتمل على الكشف على بدعتهم وضلالاتهم فرأيت الامتثال حتما والمسارعة في الارتسام حزما – إذ قال الله تعالى ” وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } (3).
يبدو أن تقاليد طبائع الاستبداد في الدولة الفارسية القديمة التي استقى منها الغزالي نموذجه المثالي للتقابل والتماثل بين الحضرة السلطانية والحضرة الالهية قد صاغت الشخصية والعقلية على نحو ترفع فيه الحضرة السلطانية إلى مراقى الألوهية لتكون على مشارف الادراك كما قد بين الامام الغزالي في كتابه ” الجام العوام عن علم الكلام.(4): { لكن ينبغي أن يعلم أن الحضرة الالهية محيطة بكل مافي الوجود، إذ ليس في الوجود إلا الله سبحانه وتعالى وأفعاله ، فالكل في الحضرة الالهية ، كما أن جميع أرباب الولايات في المعسكر حتى الحراس هم من المعسكر ، فهم في جملة الحضرة السلطانية، فأعلم أن كل مافي الوجود داخل في الحضرة الالهية ، ولكن كما أن السلطان له في مملكته قصر خاص وفي فناء قصره ميدان واسع ولذلط الميدان عتبة يجتمع عليها جميع الرعايا، ولا يمكنون من مجاوزة العتبة ولا إلي طرف الميدان والجلوس فيه على تفاوت في القرب والبعد بحسب مناصبهم }
إذا كان الغزالي قد قفز مباشرة من مطلوبه (5) كما لخصه في ” المنقد من الضلال ” أن تكون حقائق الأمور واضحة بذاتها إلى الغموض المطلق بالغوص في الباطن.(6) واستبعاد الحواس والعقل، فقد لبث إبن رشد كل سنى عمره يدافع عن البرهان العقلي باعتبار إعمال العقل والوصول إلى البرهان واجبا شرعيا وقد فصل ذلك في فصل المقال فى ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال .(7).
وإذا كان إبن سيناء إسماعيلي النحلة باطني السلوك ، يتأرجح أحيانا بين قدم العالم والخلق والفيض (8) والابداع وتارة أخرى بين الأفلاطونية والأرسطية ثم يجمع بين التصوف.(9) والعقلانية دون أن يمنعه كل ذلك أن يكون طبيبا تجريبيا بارعا عاشقا للعلم غارقا في اللذة الحسية بعد رفع الأقلام وجفاف الصحف.(10)، فإن الشيخ الرئيس أبن سينا يبدو على قدر من الاضطراب إلى جانب إبن رشد المتسق المنطق والسلوك والأخلاق الذى لا يتخلى عن الحصاد العقلاني للأرسطية وينبذ بعيدا الأفلاطونية المحدثة التي طبعت المشرق بميسمها (11) الغنوصى واختلاطها بأمشاج من النزعات المشتجرة وهي تتجول بين أروقة المسيحية في روما والاسكندرية ثم في هجرتها إلى فارس وعودتها مرة أخرى بعد تقمصها حللا مأنوية زرادشتية نورانية لتجد لها مقاما كبيرا في أروقة الفارابي وابن سيناء وإخوان الصفاء (12).
ورث ابن رشد تقاليد القاضي الذي يجهد نفسه كفقيه مجتهد في الكشف عن (13) مناهج الأدلة من أسرته ذات التاريخ العريق في مزاولة تلك المهنة بعد أن أضاف إليها علوم وتجارب الطب وآلة المنطق التي تعصم مراعاتها الذهن من السقوط في الضلال والتهافت. لم يك ابن رشد خامل الذكر في عصره أو بعيدا عن نبض مجتمعه وحركته أو بمناى عن مجتمع الدولة التي لا تغفل ان تمسه أيضا بشنأن يدها الماكرة والغادرة، فاستمد من الحكمة والطب والقضاء وفقه الدولة والحياة ما لم يتوفر لغيره من فلاسفة الاسلام في بيئة جد جديدة ليست هي عربية الأمويين في الشام أو مدنية العباسيين في بلاد ما بين النهرين وفارس وبلاد ما وراء النهر والسند والهند أو أرض البربر في قرطاجنة ومراكش ولكن كل ذلك في أرض اخري جمعت بين اوروبا المسيحية التي أدخلت إلى الاسلام وتجري فيها ينابيع من روافد وثنية ويهودية فشكلت فكرا جديدا للعالم الذى تخلق فيما بعد.
أن أسبانيا التي تعربت وأسلمت لم تتخل لحظة عن روح تراثها الأوروبي القديم، وان عبرت عنه بصياغات اخرى طبقا للحال والمقال، وكان ابن باجة السرقطي(تدبير المتوحد) وابن طفيل (حى بن يقظان) وابن رشد القرطبي التبلور المثمر لذلك اللقاح الفريد، وفي ضوء ذلك علينا أن نقرأ ذلك الجدل المثير الذي نسب ابن رشد يهوديا ونصرانيا ومسلما متماسكا في ذات الوقت . ثم أتى محيي الدين ابن عربي وأضاء بوحدة وجوده ذلك الوجدان الأندلسي الذي تقبل كل ذلك في تجانس مدهش.
يظل أبن رشد التجسد والتجلي الذي لا يغيب رغم تقادم الزمان للضمير الذي يزداد توهجا واشتعالا وتحديا في المثقف غير الزائف كلما تعرض لكوابح ونوازل الاستبداد أفاعيلا ورموزا وطبائعا “وبوقات”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.