ينفتح الاحتفاء بقناة أم درمان على تفاصيل غشاها النسيان وعلى مدن جفت وهجرها الناس وذلك بقدرة الاستاذ الكبير حسين خوجلي الذي يجيد مهنة مداعبة الكلام، يحقنه بأكسير الحياة حتى يعود ندياً وصبوحاً كأنه مغسول بماء الذهب. وعبر قناة ام درمانالجديدة تعود ام درمان من مقام الرمزية والدور الذي كان الى شحنات جديدة من العطاء والحضور الجميل في المنتديات وفي حياة الناس سلوكا وبطولات تطل عبر فراغات وانكسارات الزمان وكبوات السودان المتلاحقة. عبر قناة أم درمان يسعد الناس والمبدعون منهم على وجه الخصوص باعادة الذكرى ولكل الذين فاتهم الاستماع وندرة التوثيق وتسارع خطى العاطلين على منابع الابداع. وتتجلى مرة اخرى عبر ام درمان قدرات الاستاذ حسين في الاختيار المتجاوب مع رغبة المشاهد والمستمع السوداني الذي مازال عشمه ممتداً مع عطاء مبدعيه القدماء بقراءة جديدة وعصرية يقدمها الاستاذ حسين وبلغة سلسلة وسهلة ترغم (المستعجل) على البقاء والتأجيل، فقد يصنع الصانعون ورداً ولكن وردة الروض لا تضارع شكلا.. وعبر قناة ام درمان ستعود فينا روح ام درمان التي تطل عبر نوافذ الوطن المجيد ونعيد قراءة الحكاوى من سينما برمبل وسوق الموية وسوق القش ومحمد ود الرضي وابو صلاح وخليل فرح والضريح الفاح طيبو عابق، وسنغذوا عاديات الزمان بحصافة وحصانة ام درمان بل ستولد فينا ام درمان مرة أخرى. ولا أبرح قدرات الاستاذ حسين في الاختيار، هذه القدرات القائمة على نقاء الحس الانساني والمدعومة (بقلب المؤمن دليله) والتصالح المشهود مع المبدعين ايا كان مشربهم الفكري وموقفهم السياسي. وعبر ام درمان سينفتح الف باب على روافد (الثقافة المركزية) من شعر البطانة الذي تعالى وتمدد يوما على مضارب العرب ومطلوبات الغزل الرخيم الى موقف سياسي بائن، وسجال غاضب بين ام درمان ورفاعة سجل فيه المثقفون ضد سلطة الخليفة بأم درمان ليظل شيخ العرب حبيساً مجهول المصير الى أن أنقذته تلك القصيدة المشبعة بقيم انسانية عالية. ولعلي في ختام مقالي أقف مع حساسية الثقافة المركزية التي يتبناها الاستاذ حسين خوجلي ويستبعد منها دائماً وفي كثير من المناسبات (الرطانة) الذين كانوا ومازالوا اكبر دعامات للثقافة المركزية، فخليل فرح والجيلي عبد الرحمن وعبد اللطيف عبد الرحمن ومحيي الدين فارس والتجاني سعيد وعزمي احمد خليل وجعفر محمد عثمان ومرسي صالح سراج، كل هؤلاء حملوا لواء الثقافة المركزية وعبروا بها عن آمالهم وأوجاعهم دون ان ينقص ذلك من انتمائهم لثقافات مختلفة، وان هؤلاء يمثلون بعضاً من خلفية السودان الثقافية والحضارية والاجتماعية، والمناطق التي جاءوا منها وهي التي حركت الثورة نحو اصقاع السودان لتكون المحطة الأخيرة أم درمان. ويبقى الوطن.. محمد علي عبد الجابر