المختصون في علوم الأزمات السياسيه يعلمون أن بعض الأنظمه الشموليه عندما تشتد أزماتها الداخليه ويختلط حابلها بنابلها وتعجز عن حل الإشكالات الداخليه التي تواجهها، تقوم بممارسة ما يعرف (بقذف) الأزمه الي الخارج أي تعميمها ونقلها الي جهات أخري لتتمكن من تحويل الأنظار عن مكمن الأزمه الداخليه . وهكذا يتم تحويل الأزمه من أزمه حزبيه داخليه الي أزمه قوميه لها أبعاد أخري وبذلك ينصرف النظر عن مكمن الأزمه الأساسي ويقل مؤقتا الضغط علي مركز الأزمه. ظلت المجموعه المتأسلمه الحاكمه في السودان تمارس لعبة ( قذف أزماتها الداخليه الي خارجها) بصوره دائمه حتي برعت فيها وأجادتها. فكلما تكاثرت عليها الخطوب وتعقدت أزمتها الداخليه إفتعلت حربا أو إصطنعت صراعا مدمرا لتتواري في ثناياه وتداعياته وتجد وقتا للخروج من أزمتها الداخليه الخانقه. إلا أن مفهوم أو نظرية أو سمه ما شئت ( القذق بالأزمه للخارج) له تبعات عده ومردود تراكمي خطير، حيث تعود ردة الفعل للمركز – بعد حين – بضغط وتعقيد أكبر من سابقه، فتصبح الأزمه أكثر تعيقدا مما كانت عليه أولا ؛ ويحاتج قذفها للخارج مره أخري لقوة دفع أكبر من المره السابقه. قوة القذف للخارج في المره الثانيه تحتاج الي هزات وأحداث أكبر بكثير من المره الأولي. ففي المره الثانيه؛ و كنتيجه لتعود الناس علي أحداث وتداعيات صدمة القذف الأولي، يتطلب صرف نظرهم في المره الثانيه أحداث أكبر تختلف نوعا وكما عن سابقتها. لذلك يقوم مكمن الأزمه بتجميع أكبر قدر من قواه وإمكاناته لقذف الازمه مره أخري للخارج، فتعود بعد إكمال دورتها راجعه للمركز بضغط أكبر ربما يتساوي مع حجم الإمكانات والقوه التي حشدها المركز ابتداء لإنجاز عملية القذف. وهكذا تستمر هذه الدائره المرتده حتي تأتي لحظه يعجز مركز الأزمه عن حشد القوه الضروريه لقذف مردود الأزمه للخارج. والنتيجه الحتميه لكل ذلك هي تفجر الأزمه في داخل المركز لعجزه عن قذفها للخارج ، ومن ثم ينهار ! هذه ببساطه هي الصيروره التي يسير فيها حزب المؤتمر الوطني. تعطي الحروب المتصله في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق مثالا حيا علي سياسة قذف الأزمه الي الخارج، ومحاولة تحويل الازمه الداخليه للحزب الحاكم وعجزه عن حل مشاكله السياسيه الي قضايا لا تتعلق بفشل الحزب بل تتعلق بوجود الدوله ، لا تستهدف الحزب، بل تستهدف الجميع. إن الحرب التي يشنها المؤتمر الوطني علي أهلنا في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ما هي إلا وجه واحد من وجوه الأزمات التي يعاني منها الحزب. فكلما فشل الحزب في ( سحق) القوات الثائره في هذه الجبهات كلما إتجه نحو القوي السياسيه الأخري وعمل علي قمعها والتضييق عليها ( ستقّذف الازمه في المره القادمه في إتجاه هذه القوي). لذلك سيكون من الخطاء الكبير جدا أن تعتقد القوي السياسيه أن حملة المؤتمر الوطني الحاليه ستنحصر في ملاحقة أعضاء الحركه الشعبيه فقط. ليس هنالك أدني شك أن الكثيرين من الناشطين والقيادات من القوي السياسيه المختلفه ستطالها يد البطش. هذا أمر لا مفر منه ، وهذا هو منطق الاحداث وتاريخ المؤتمر الوطني وممارسته. إن جوهر القضيه السودانيه المتمثل في أزمة الحكم نابع من أصل الفكره الأحاديه التي يقوم عليها حزب المؤتمر الوطني. فالفكر الأحادي المتطرف الذي يرفض الآخر، يصطدم بالداخل المتنوع وبالإقليمي المنفتح وبالدولي المتعولم، بحيث لم يعد لهذا الفكر الإنغلاقي مكانا، لا داخليا و لا إقليميا ولا دوليا، مكانه شاغرا منذ فتره في (….) التاريخ، يعلمه سدنة الحزب ولكنهم يرفضون أن يتبؤوه بالرغم من إكتمال كل الشروط .. ولكن هيهات….. سيتبواء سدنة المؤتمر الوطني مكانهم الشاغر هناك وإن طال السفر وامتد تمنعهم وعنادهم، إذ لابد مما لامنه بد. أكثر ما يحيّر المراقب هو الإدعاء الكاذب لإعلام المؤتمر الوطني بضعف المعارضه ! وهو إدعاء القصد منه التخذيل وتسبيط الهمم الناهضه للمنازله والتغيير. وغني عن القول أن المعارضه السودانيه هي أنشط وأفعل وأطول معارضه في المنطقه. إذ كيف تكون المعارضه ضعيفه وهي ظلت تنازل النظام سلما وحربا لقرابة ال23 عاما خلافا لكل المعارضات الاخري. وفوق كل ذلك – عندما انكسرت شوكة النظام واتجه للبحث عن حلفاء – رفضت مشاركته في جنازته ونفرت منها كما ينفر الصحيح من الأجرب. إذن، لأكثر من عقدين من الزمان فشل المؤتمر الوطني وحتي اليوم في كسر شوكة المعارضه السلميه أو العسكريه. فلا تزال السجون ملأ بالمناضلين ولا تزال جبهات المنازله العسكريه مفتوحه في ثلات جبهات وربما تكون الرابعه في الطريق. أين هو الضعف إذن، وقد كسرت شافة المؤتمر الوطني في الجنوب وإضطر للتنازل عن ثلث البلاد ليبقي في السلطه. أين هو الضعف وثلاث جبهات مفتوحه للكفاح الثوري،إما ان يقبل المؤتمر الوطني بشروط التعايش وإعادة ترتيب مركز السلطه او سيجبر أمام الضغط الثوري للتنازل عنها كما تنازل من قبل. أين هو الضعف وتحالفات الثوار ماضيه في ترتيب صفوفها ومواصلة الكفاح لم تفتر عزيمتها ولم توهن إرادتها وشعارها (لابد من صنعاء وإن طال السفر). رغم سيطرته علي إمكانات الدوله لأكثر من عقدين عجز المؤتمر الوطني عن حل أي قضيه وطنيه بل علي العكس فاقم ما كان قائما. إختار المؤتمر الوطني سحق الجيش الشعبي في الجنوب، فحشد ما حشد من قوات ومليشيا ووعدهم بالفردوس وما الي ذلك، ثم عاد بعد سبعة عشر عاما حاسر الرأس مجبرا لإطلاق سراح الجنوب ساحبا مليشياته ومجاهديه حارما لهم من بلوغ الفردوس الموعود. والان وقد اعلن القائد العسكري للعمليات في النيل الازرق بهدفه في سحق الجيش الشعبي والقضاء عليه كما كرر هذا الحديث الدكتور نافع، فلا نملك أن نقول ( أبشر بطول سلامة يا الجيش الشعبي) حيث لا نزال نذكر عبارات (صيف العبور) و ( مسك الختام) التي لم نكن نعلم وقتها أن المقصود هو العبور شمالا أو الختام بالإنسحاب والطلاق. هنالك حلين فقط أمام المؤتمر الوطني، أحلاهما مر. إما الإنتحار من الداخل أو تسليم السلطه للمعارضه. أما الطريق الثالث فهو اكمال الزحف من الاطراف علي المركز وكنس المؤتمر الوطني باللغه التي يعلمها، وقد بداء الزحف ولن يتوقف، وعلي المؤتمر الوطني مسابقة الزمن وتحديد خياره النهائي. [email protected]