أحداث ليبيا الأخيرة أعادت الأضواء إلى دوراً جبائيا وإجرامياً ظلت تمارصه سفارة السودان وقنصلياتها طوال أعوام في حق الأبسُماك من العُمال السُودانيين في ليبيا ؛وهكذا تظهر اي أعمال خبيثة لبعض موظفي السفارة والقنصليات . سفارة الخرطوم وقنصلياتها بطرابلس تحولت الى غرفة علميات لصالح الثوار الليبيين حينما تبين أن كفة الاخيريين راجحة ؛ وغدت تقدم ما تجمعه من معلومات عن بلادهم وعن معبود ليبيا السابق معمر القذافي الى الثوار وانصارهم ؛ ذلك كان مفهوماً لكن لأن تتجسس سفارة على رعايا بلدها وتطردهم حين يلجأون اليها في زمن الشدة تقدم سفارة الخرطوم أي مكتب مافيا إجرامية كانت هي في ليبيا. وبما انه معلوم أن غالبية الأبسُماك في العمال السودانيين بليبيا دخلوا ليبيا عبر طرق التهريب والتسلل من بلادهم الطاردة أصلا ؛ وأن أغلبهم لا يحملون وثائق ثبوتية شخصية : جنسية/ بطاقة شخصية /جواز سفر / شهادة ميلاد او تسنين /رخصة قيادة او رخصة تجارة / شهادة سكن /شهادة وطن / رقم وطني . او كرت الحمى الصفراء / ورقة ضمان صحي. لا اي شئ من ذلك كان ينتظر من سفارة بلادهم مساعدتهم في زمن السلم والحرب لا التأليب عليهم. للعلم هذه الأوراق تفرضها سياسية الدولة في السودان لاي شخص يريد مغادرة الجحيم الذي يعيش فيه ؛ فبالنسبة للدولة ذات السياسات التميزية هذه العمليات التوثيقية جزء من الضرائب الباهظة التي تفرض على المواطن وتتبع بسؤ المعاملة في جمعها لذلك يهربون من بلادهم ويدخلون ليبيا بطرق غير مشروعة . وتجدد مكتب المَافيا السودانية بطرابلس وفروعها في المدن الليبية الاخرى السيناريو ذاته في حالة نية احد العمال العودة الى بلاده ؛ فيما تسميه ضرورة استخراج “ورقة العودة الإضطرارية ” التي تسبقها وتتبعها سلسلة رشاوي للفاسدين بالقنصليات ؛ ثم يكون الابسُماكي ضحية الجِبايات مرة أخرى ؛ فكل ما جمعه خلال أعوامهم في ليبيا يقدموه في بوابات الجمارك في كرب التوب ودنقلا أو الرَاهِب ومليط معا . في الاحداث الاخيرة ؛ ولأغراض عنصرية داخل وخارج ليبيا أُذيع كذبا ان هناك سُوود يعملون مرتزقة مع قوات الكلونيل الليبي معمر القذافي ؛ علما ان نحو نصف سكان ليبيا سُوود ؛ وان غالب النصف هؤلاء هم جيش الكلونيل بجانب متطوعون ليبيون وغير ليبيين . الا انه بدون دليل فقد تراءت للذهنية العنصرية في الخرطوم ثمة فرصة نادرة لبث سمومها في حق شعب السودان بالخارج ؛ وفي من هم مادة حربها اللعينة . حتى 20 فبراير2011ف حين صرحت الخارجية في الخرطوم عن وجود مرتزقة من ابناء اقليم دارفور في الحركات المسلحة يعملون في كتائب القذافي كانت المسالة في عمق الخطر ؛ و كان ينتظر من الخارجية تصريح معاكس تماما لذلك ؛ فهناك بالفعل من السودانيين ومن هم محسوبون بالايدي (اعضاء في اللجانه الثورية) ؛ وهناك جنسيات اخرى بالطبع في تلك اللجان . ويوجد من ابناء دارفور بين تلك القلة الا ان مئات الالف من شعبنا كانوا عمال عاديين لا علاقة لهم بتلك اللجان ؛ وليسوا اعضاء في الحركات المسلحة حتى ؛ ولا صلة لهم من قريب او بعيد بالدولة الليبية . وبما ان الليبيين لا يفرقون اصلا بين السودانيين أهم من إقليم دارفور ام من غير دارفور من جهة ؛ وبين بقية العمال الافارقة من كل الدول الا لمن يحمل اوراق ثبوتية. كانت المأساة وقع الكثير من ابناء السودان في ليبيا خلال الاحداث ضحايا مطاردة وقتل وسلب مجحف وظالم وفر العديد بجلده ؛ كان ذلك تحت سمع وبصر موظفي السفارة السودانية في طرابلس الغرب الذين تحولوا في الثورة الليبية شركاء لا أجراء فقط . جميع ابناء دارفور في ليبيا والذين هم مدنيين وعمال عاديين لا يملك غالبهم أوراق ثبوتية صاروا للثماني اشهر اما محاصرون أبديا في المنازل طوال هذه الفترة واما رحلوا الى سجون الثوار ليستنطقون باقصى الطرق وافظع الالفاظ واما اختفوا من الوجود نهائيا حيث لا يزال الامر غامضا ولم يعرف مصير الكثير منهم. كانت سفارة الخرطوم وعبر موظفيها تمارس خبثها ورشواتها في حق المساكين في العهدين الليبيين . في بعض الاحيان يخرج السوداني لياتي بالطعام من الدكان المجاور ثم يختفي ولن يعود لاصدقائه المنتظرين في سجنهم الاختياري . وكان يمكن ؛ ولغرض اخلاقي وانساني فضلا عن انه واجب ان ترد شهادة من السفارة السودانية بطرابلس او احدى قنصلياتها لصالح السودانيين الملقى القبض عليهم من قبل الثوار ؛ و تضمن السوداني امام الثوار وتنقذه هذا اذا تمكن اصدقائهم من الوصول الى السفارة او تمكنوا ن معرفة مكان صديقهم الذي خرج ولم ياتي ؛ علما انه في طرابلس دائما حين يعتقل يذكر المعنقل جنسيته . بينما اعلنت كل السفارات الاجنبية في ليبيا خلال الاحداث ان رعاياهم لن يكونوا في مأمن في اي مدينة خلال الحرب التي تجري بين الليبيين انفسهم ؛ وسارعت جميع القنصليات في السفارات الى عقد ما تشبه غرف طوارئ من اجل انقاذ رعايا بلادهم والتعجيل بعودتهم مجانا الى ديارهم وعائلاتهم .. إلا سفارة السودان حيث بدات التجارة والخبث . في ظل هذه الاوضاع الحادة وفي مارس 2011 ف أعلنت السفارة السودانية بكل قسوة انها لا تضمن اي سوداني في ليبيا لا يحمل الا جواز سفر او جنسية فقط لا غير . والبقية اتهمتهم بانهم جميعا “مرتزقة ” وهي غير متأكد فيما اذا يكونوا تشاديين او سودانيين من اقليم دارفور !! كانت بهذه الطريقة تنفذ دورها الغير اخلاقي والغير انساني في حق رعايا السودان من ابناء دارفور . وبكل هدوء كانت تمارس نفاقها إنها تعمل على إجلاء الرعايا السودانيين من ليبيا ؛ وينشر هذا النفاق عبر تلفزيونهم الرسمي ؛ وفي شريط الدعاية ويظهر جلابي عنصري ممتلئ الوجنتين باسم الجاليات يردم كذباً كما يشرب الماء . وما ان شاهد الابسُماك ذلك الشريط حتى أسرع بعضهم في الاتصال بالسفارة لتاتيه الاجابة التي ما يكون يتوقعها إنسان ؛ ان فرص التسجيل بالسفارة للراغبين العودة قد إنتهت !! وكانت السفارة تعلم ان المتصل وصاحب الحاجة ليس ممن يصنفونهم كجالية سودانية . فالجالية في عُرف المافية الخرطومية في طرابلس ليسوا أهل دارفور ولا كردفان الغالبية من هم ابسماكا .. وبحسب صحيفة الشرق الاوسط ؛ ففي 5 مارس يعيش السُوود ” في ليبيا حالة هلع ويبقى بعضهم في بيوتهم، بينما يختبئ آخرون في الصحراء، إذ إنهم يتعرضون للإهانة والتهديد والضرب والطرد والسرقة لربطهم ب«مرتزقة» القذافي مما يضطرهم للتخلي عن كل شيء للنجاة بأرواحهم.” و المتطرفون الليبيون يمطرون بالرصاص المساكن التي يعيش فيها السُوود هم ونسائهم واطفالهم ؛ ويصرخون من الخارج (أخرجوا يا عبيد لنذبحكم ) . مات عدد كبير من شعبنا في المزارع ؛ ليس هناك إحصائيات دقيقة عن جملة من فُقد حتى الان ؛ لصعوبة الوصول اليهم ؛ وبينما الخرطوم وسفارتها تمارسان الكذب والغش في تجارة بوجدان البشر كان آلالف السودانيين يتركون كل شئ عملوا له ويتوجهوا بقدر المستطاع الى بوابة راس الجدير في الحدود مع تونس غربا ؛ او بوابة السلوم في الحدود مع مصر شرقا ؛ او التوجه الى عمق الصحراء جنوبا بعد مدينة سبها ؛ لكن الالف لا يزالون مجهولي المصير في حملة التطهير العرقي المستهدف . بعض الأبسُماك الذين نجحوا وعائلاتهم في الوصول الى الخرطوم من بنغازي أو طرابلس او مصراتة عبر رحلات شابهت (عمليات موسى) أو (بالبساط الطائر) والتي هدفت لاخلاء الجالية الجلابية بطرابلس. أو من الابسماك مَن خيّر حياته بين جحيم مخيم شُوشة في تونس أو مخيم السلوم في مصر ووصل الخرطوم ؛ يجد أمامه ما هرب منه مجددا على ايدي سلطات ما يظنها بلاده . في حلفا ؛ والخرطوم يتم تصنيف السودانيين وفق قبائلهم وجهاتهم ليبدأ حملة إستنطاق عنصرية لكونهم ذوو صلة بالحركات الثورية المسلحة في اقاليم الغرب. بينما يعيش مئات الآلآف من السُوود بينهم السودانيون في ليبيا أوضاعاً جحيمية في ظل تعتم إعلامي عربي رهيب والقنوات المشرقية تتباكى على عرب ليبيا لا سُوودها حتى !! وتُركل الإنسانية في تراجيدي إعلامية مدهشة ؛ في 23 اوت 2011 ف يصل مدير المخابرات السوداني الجنرال محمد عطا المولى الى بنغازي ؛ ويقوم بتسلم من بين خدماتهم السخية لليبيين الجدد نسخة من الاقرار عن رعايا دولتهم ؛ ” ابناء اقليم دارفور السوداني في ليبيا ومن هم في الحركات المسلحة كانوا مرتزقة يدافعون عن حكم الكلونيل الليبي معمر القذافي “!! وذلك حصاد ما قامت به عيونهم في سفارة بعثتهم العنصرية في طرابلس ؛ ويدلق الخادم الخرطومي طلبا خاصا بتسليم التمردي خليل ابراهيم الي الخرطوم ؛ او الاذن لهم للخوض في عباب الخطر من أجل القبض عليه !!. خليل إبراهيم الأبسماكي -ومن قضى عاما في ليبيا تأبسمك و صار منهم !! – كان ضمن القادة الثوار عن الاقاليم السودانية التي تعش حالة العنصرية بالبلاد خلال القرن الحالي ؛ ويخوضون حرباً مصيرية بغسم شعبهم ضد نظام الأبرتَهايد الجلابي في الخرطوم ؛ إلا أن الذي يميزه انه هو وحده من اؤلائك القادة الثوار مَن قُدر له أن يعيش مثل سوداني ليبيا أجواء الحصار في المنازل والمُطاردة في الشوارع ثم الهروب عبر البوابات الخلفية خلال الأشهر الثمانية من اندلاع الاحداث الليبية المسلحة . منعم سليمان