ما قصدت ان أكتب في تلك اللحظة.. وقمت انبش في مكتبتي أبحث عن ورقة أريدها.. فخرج من يدي عدد من مجلة «صوت المرأة» كان تاريخ صدوره يونيو 1964.. ورحت أقلبه واستدعى تفاصيل زمانه.. كان قبل ثورة أكتوبر وقفت عند مقالة لي كتبتها في باب أدب وفن وكانت المقالة بعنوان «فنون وجنون».. سيطرت على خاطره ان أنقل لكم ما جاء فيها لأنقلكم إلى تلك الأيام. «ما تألمت وما تأسفت على القيم السودانية والأخلاق السودانية والكيان السوداني الأصيل بالقدر الذي تألمت وتأسفت فيه في ذلك اليوم الذي ذهبت فيه لبيت فرح في الحي.. وبالطبع من خشم الباب تلاقي التفف على حد تعبير حبوبتي ولكن أظن قد خانها التعبير فهي بالأصح «القبب» أو ناطحات السحاب.. وأنا لا أريد أن أتحدث في هذا الشأن ولكن لي شأن آخر أهم وأخطر من الشكل. استرعت اهتمامي مجموعة من الصغيرات أخذن يتغنين.. ولا غرابة في أمر الغناء.. ولكن الغرابة كل الغرابة في نوع كلمات الغناء.. كنت ثائرة على أغنية «السوط» وعندما سمعت الأغاني الجديدة «السوط» بقى فيها النور مجرور.. كلمات سامة تنخر في كياننا بسرعة.. وابور جاز.. وابور جاز حريقه وابور جاز السواقين بطلوا البنزين بشتغلوا بالجزولين هناك في المقرن بحرق الرخمان هناك في شمبات توست بالجنبات تحرق القنوات هناك في الديوان توست بالفستان نحرق الشبان إلى آخر الأغنية التي لم أستطع متابعتها من الهيصة ورقص التويست ولم أفق من الدهشة حتى أتى فوج من النسوة «دايرات يشوفن العروس وبالفعل جئ بالعروس التي أخذت في الرقص تارة «تنطط» وأخرى تهتز في هستريا.. تؤدي اثني عشرة رقصة تستعمل فيها أكتافها وأردافها وصدرها بطريقة تثير الاشفاق على مجتمعنا ولكل رقصة أغنية خاصة لا تقل عنها تبذلاً وتفاهة.. من بينها أغنية وابور جاز التي اشعرتني وكأنما النار قد اشتعلت فعلاً في الغرفة مع «خبط» الدلوكة و«رفس» العروس والبرش الذي كاد أن يطير من تحت اقدامها والنار التي اندلعت على كياننا السوداني.. على رقصنا الجميل وأغنياتنا الشعبية الأصيلة وجعلها مسخاً من الروك والتويست والسامبا والرمبا. ان الأمر في غاية الخطورة ويحتاج إلى محاربة لا هوادة فيها لمثل هذه الأغاني المنحلة التافهة والرقصات الهستيرية الخليعة.. حاربوها انقاذاً لأجيالنا القادمة. انتهت المقالة التي كتبتها قبل أكثر من أربعين عاماً.. ترى على أية نغمات وكلمات ترقص عرائس اليوم وتتغنى صغيرات اليوم. هذا مع تحياتي وشكري