[email protected] العزاء موصول لكل سوداني وسودانية على فقد شهيدة المنهج الخطأ عوضية عجبنا وعلى رأس قائمة من نعزي ذوي الشهيدة ورحمها أمها واخوتها وأخواتها .عوضية التي قتلتها ذات الرصاصة التي كان ينبغي أن تصد عنها غائلة المعتدين ،لكن مثلما أخبرنا أمل دنقل (مرارا)- و حيثما يغيب النهج السليم يصدق قوله : إن الرصاصة التي ندفع فيها ثمن الكسرة والدواء لا تقتل الأعداء لكنها تقتلنا إذا رفعنا صوتنا جهارا تقتلنا وتقتل الصغارا ومن أعجب ما قرأت تحليلا لما جرى في الساعات الأولى من ثلاثاء 6 مارس المنصرم (على بعد يومين من اليوم العالمي للمرأة) ما كتبه أحد كتبة السلطان المسبحين بحمد من لا يستحق الحمد بأن: سوء تقدير الموقف الفردي هو الذي أزهق روح الصبية، ولو كان ذلك صحيحا لما جزعنا، فالأخطاء الفردية واردة الحدوث في كل نظام مهما بلغت درجة شرعيته ورشاده، وعلاجها مضمون بكوابح من داخل النظام نفسه. أما الأخطاء المترتبة على منهج معوج من الأساس ، يحمي نفسه بسياج الإرهاب وبالإتكاء على قانون معيب وبالإستعانة بأفراد تحمي نزواتهم وتفلتاتهم الدولة فذلك هو مصدر خوفنا: عندما يغدو حاميها حراميها وعندما تنعدم الثقة بين مواطنين ودولتهم متمثلة في السلطة الألصق تعاملا مع المجتمع أي الشرطة فتلك هي الكارثة العظمى التي لا ينفع معها لصق أو رقع وهي ذات العلة التي تنطق بانتهاء صلاحية النظام القائم.. وفي المرة الماضية كنا قد جمعنا شواهد استدللنا بها على أن الإنقاذ نظام يلفظ أنفاسه الأخيرة وقلنا أن علينا أهل السودان استباق ذلك الحدث المتوقع بتحضير يقينا غوائل الفوضى التي قد تعقب مثل هذا التغيير لو نحن قصرنا في إعداد أنفسنا بشكل ملائم ، مثلما رأينا في كل من مصر وليبيا ثم اقترحنا أن يمضي ذلك الإعداد بمسارين أحدهما اتفاق سياسي ينجزه السياسيون بين القوى السياسية والمسلحة في الساحة الوطنية السودانية و المسار الآخر مفتوح للمجتهدين والمجتهدات و يكون برصد متقصٍ للتجربة السياسية السودانية منذ الاستقلال لتبني النافع والبناء عليه ولفظ الضار وتجنبه. وقد اخترت لقلمي أن يرصد تلك التجربة من خلال فترة الديمقراطية الثالثة باعتبارها تجربة ديمقراطية كاملة الدسم وهي الأحدث والأكثر نضجا ووعدا ويكون ذلك على هدى كتاب الديمقراطية راجحة وعائدة الذي اختطه قلم الامام الصادق المهدي شاهدا على العصر وقائدا للركب كرئيس وزراء منتخب لتلك الفترة كما أسلفنا . إن تجربة الديمقراطية الثالثة في السودان والتي تم تعتيمها وغمطها بشكل متعمد تشهد بما لا يدع مجالا لشك بأنه إن واجهت الديمقراطية الصعوبات فالأوتقراطية تقف عاجزة عن حل المشكلات) كما عبر عن ذلك صاحب الكتاب أما أوضاع الوطن الحالية فتقف شاهدة بوضوح على مدى الخسائر التي مني بها الوطن منذ قيام انقلاب يونيو الأسود:فكل ملف من ملفات البلاد إما انتهى به المطاف إلى تدهور مريع في جميع مناحيه والأمثلة على (قفا من يشيل) أو انتهى بنا يومنا الوطني إلى فقده بالمرة مثل انفصال الجنوب. وكل تلك المآلات السوداء كانت بأسباب الإنفراد والعناد: صفتان ملازمتان حتما للنهج الأوتقراطي كما سنرى. كثيرا ما يسأل المُحبَطون و المحبِطون عن البديل إن انتهى النظام القائم بحسب حتميات التاريخ ونظريات علم الاجتماع لأسباب ذاتية أو موضوعية .وفي السياق نريد أن نسهم بتقديم رؤية واضحة لهذا البديل من خلال رصد دقيق لتلك التجربة التي وصفناها بالواعدة . ونحن هنا لا نتحدث طبعا عن الشخوص ولا عن أحزاب بعينها إنما نتكلم عن نظام ،عن مؤسسات تحتكم إلى قوانين تضبط إيقاعها، نتحدث عن الحكم الراشد (الشفافية،المحاسبية،المشاركة وسيادة حكم القانون). هذا هو البديل في نظرنا و هو البديل الذي يجب أن يسعى الناس لإقراره وتبنيه :إذ لا يهم من يحكمنا طالما كان حكما مستندا إلى قوانين تحفظ مقاصد الشريعة(الدين والنفس والمال والعرض) وهي ذاتها مقاصد حقوق الإنسان. قوانين تحافظ على العدل والمساواة فلا يظلم أحد لعرق أو لدين أو لنوع. ولا يهم من يحكم طالما كان حكمه مقرا بالتداول السلمي للسلطة،وطالما كان حكمه مؤمنا بأن الغايات مهما سمت لا تبرر الوسائل الخطأ :فلا سبيل إلى حكم الناس مهما كانت الشعارات إلا باختيارهم الذي تحدده صناديق الإقتراع في إنتخابات نزيهة وحرة وشفافة . في مرافعتنا عن الديمقراطية نظاما لا بديل له للحكم ولا غنى ، ينجدنا في المهمة أداء الديمقراطية الثالثة المتميز في الجانب السياسي ،النقابي،العسكري،الاقتصادي ،السياسة الخارجية،التموين والمعيشة …الخ وتفيدنا مقارنة ذلك الأداء بتخبط الشمولية كما نضيف هنا بسرور أن الفرصة لديمقراطية مستدامة صارت أكبر بسبب التغيرات التي حدثت لجارتنا في شمال الوادي مما يشكل (ضمانة) إضافية لاستمرارية الديمقراطية السودانية متى ما ولدت ويخلصنا من لعنة الدائرة الشيطانية الخبيثة بين ديمقراطية نجهد للتمكين لها وشمولية تنال حلمنا في مقتل ، ذلك أن معظم الكيد لكل نظام ديمقراطي سوداني كان مصريا أو مصري الهوى، يجد له في مصر حبلا سريا يرفده بأسباب الحياة.أما وقد صار الأمر في المحروسة إلى ما صار إليه بعد ثورة 25 يناير وربيع الحرية فيها فذلك مما نحمد عليه الله كثيرا ونعده تهيئة مطلوبة لمسرح الديمقراطية السوداني متى ما انتصب. نستعرض فيما يلي الجوانب أو الوجوه (بحسب الكتاب) المكونة للحكم ونرى من خلالها كيفية معالجة الصعوبات في العهد الديمقراطي مقارنة بطرائق الشمولية في إنفاذ أمرها دون تدبر ولا رجوع . 1- الوجه السياسي:ويشمل الأحزاب السياسية،الجمعية التأسيسية ،ونهج معالجة الخلافات بين الأحزاب. أولا: الأحزاب السياسية: نعلم أن الحزب السياسي هو لبنة بناء الحكم خاصة في النظم الديمقراطية.وفي السودان كان لأحزابنا الوطنية السودانية فضل تحقيق استقلال السودان وفضل إدارة وتوجيه الإنتفاضات ضد دكتاتورية العسكر والتعبئة ضدها بصورة فعالة ثم نجحت في إجراء انتخابات صحيحة متطورة نحو الأفضل في عهود الديمقراطية.ونعلم أنه بالنسبة للتجربة السودانية داؤنا ودواؤنا محمول على ظهر تلك الأحزاب (ونتكلم هنا عن الأمة والاتحادي الديمقراطي خاصة) : معلوم أن الحزبين الكبيرين بحسب آخر انتخابات معترف بها(أحرز حزب الأمة 105 مقعدا والاتحادي الديمقراطي 63 مقعدا) مسنودين بقواعد تقليدية تشكل معظم العضوية في الحزبين فالأنصار هم الشريحة الرافدة لحزب الأمة والختمية هم الشريحة الرافدة للحزب الاتحادي الديمقراطي ،تلك الحقيقة تجعل التطوير داخل منظومة تلك الأحزاب تحديا صعبا وبطيئا لأننا نتحدث عن شكل حداثي هو الحزب تحكم تطوره عضوية معظمها بعيدة عن مواصفات الحداثة .لكن ذات هذا الذي وصفناه بالداء يشكل من ناحية أخرى فرصة جيدة للنهوض بكل المجتمع من خلال تسريب أدوات الحداثة للعضوية التقليدية بشكل تدريجي يتم استيعابه ضمن منظوماتها .وفي السياق يلزمنا جدا أن تكون القيادات على رأس الحزبين الكبيرين قيادات مؤمنة بالديمقراطية ووسائلها وتستخدم الولاء التقليدي لها في إحياء مؤسسات الحزب وتشجيعها للتحرر من القداسة في السياسة ويكون ذلك باعتماد الانتخاب الديمقراطي وسيلة وحيدة لتسنم المنصب الحزبي وعقد مؤتمر الحزب العام بانتظام واتخاذ القرار عن طريق الشورى وتدريب الكوادر وتأهيلها والعمل وسط القواعد لمحو الأمية والتعليم والصحة والتنمية ..الخ. ونحسب أن درجات متفاوتة من تلك المعايير أخذت طريقها إلى دهاليز تلك الأحزاب وإلا ستفرض نفسها عاجلا أو آجلا. الحزبان العقائديان الآخران بحسب نتائج آخر انتخابات معترف بها ، تطورا أيضا في تلك الفترة بحسب ما ورد في الكتاب .فالحزب الشيوعي السوداني بادر بالانفتاح وإعادة الهيكلة قبل أن تنادي بها القيادة السوفيتية. بالنسبة للحزب الذي أتى ثالثا في انتخابات 86 وهو حزب الجبهة الإسلامية(نالت 51 مقعدا) يحتاج لمعالجة منفصلة ذلك أن هذا الحزب هو المسئول عن الإنقلاب وعن قطع الطريق أمام تطور ونضج تلك الأحزاب وعدم ايمانه بالديمقراطية وسيلة للحكم تطعن في اعتمادنا له كحزب قطع تطوره الطبيعي بفعل فاعل . في مكان آخر عدَ الامام الصادق عشر موبقات للانقاذ ما يهمنا منها هنا هو العمل المثابر على إضعاف تلك الأحزاب بشقها وسلخها ومطاردة عضويتها وحرمانها من مصادر التمويل. فإن كان ما لا يقتلني يقويني قول صحيح فإن تلك الأحزاب برغم الجز والحز والطعن واللعن لكنها موجودة وتتنفس مما يطمئن على رسوخها وتعافيها متى ما زال المؤثر.. أفرز الانقلاب وصراعه على السلطة انقسام الجبهة الإسلامية إلى حزبي المؤتمر الشعبي والوطني . و يقف الشعبي على باب المعارضة لكن تغبش رؤيته مرارات التجارب الشخصية مع صلحاء الأمس ومطلوب منه الإعتراف بفداحة جريمة الإنقلاب على الشرعية الدستورية المنتخبة وتأكيد اعتماد الديمقراطية وسيلة وحيدة للتداول السلمي على السلطة . أما الحزب الآخر أي المؤتمر الوطني فهو حزب متعيش على الدولة ومتى ما سقطت دولته وفطم من ثديها سنجده قد تلاشى بلا أثر خاصة وقادته هم ذاتهم الحكام الملاحقون دوليا والمتهمون بالفساد والمدانون بجريرة فصل الجنوب وقائمة من القضايا بدأت بوئد الديمقراطية ولن تنتهي باغتيال عوضية عجبنا فبقاء يوم واحد إضافي للمؤتمر الوطني يعني جريمة إضافية ضد شخص ما أو جماعة ما في بقعة ما. ثانيا: الجمعية التأسيسية: تميزت عن سابقاتها بالآتي: لم تشهد إنقسامات، لم تشهد ظاهرة تصدير المرشحين،لم تشهد ظاهرة نخاسة النواب ،ارتفع فيها مستوى الوعي والثقافة ،خلت الجمعية من التهريج ومبتذل الحديث وكان المناخ فيها وديا وخلت من الإجراءات الكيدية فلم يقدم ولا طلب واحد لسحب الثقة من الحكومة وانعكس فيها نجاح التجربة الديمقراطية السودانية فارتفع تأييد الحكومة فيها من 70% الى 80% في آخر حكومة في الديمقراطية الثالثة و تطور سندها الشعبي والنقابي إلى ما يشبه الإجماع.كما لعبت دورها التشريعي والدبلوماسي ومراقبة الحكومة بكفاءة وتتبع. ويتضح علو كعبها تماما متى ما قارناها بالمجلس الوطني الحالي المتكون على إثر انتخابات ابريل المزورة ذلك المجلس الذي يرأسه أ. أحمد ابراهيم الطاهر وقد رأينا مراجعته للنواب في جلسة مناقشة ميزانية 2012 بعد طلبهم أن يسبق عرض مخصصات الدستوريين مناقشة الميزانية ،بما يشبه التهديد المفضوح حتى تراجعوا ثم سمعنا رئيس البرلمان في رده على د.عائشة الغبشاوي التي طلبت من الحكومة رفع مظلمة المناصير سمعناه يقول بما لم يسبقه عليه صاحب برلمان (أنهم يخافون الله وليس الشعب) في مغالطة واضحة لمبدأ اسلامي اختطه الفاروق عمر ( إن الله استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم) وخلط للمفاهيم يضر ولا ينفع لأن الخوف من الله هو الذي يلزم الحكام بعدم الظلم وليس العكس!. ثالثا: الخلافات بين الأحزاب: في ظل الديمقراطيه تغدو خلافات الأحزاب فيما بينها وفي داخلها أمرا عاديا،ومهما كانت الخلافات فإنها احتويت بصورة إيجابيه وأثمرت المناقشات أدبا سياسيا ثريا جدا. أما ما نشهده حاليا من قهر المؤتمر الوطني لكل معارض حتى داخل صفوفه حيث نقلت الأخبار حملهم السلاح ضد بعضهم بعضا بصورة يصدق معها الوصف القرآني في سورة الحشر أن بأسهم بينهم شديد فهو ما يشهد للطريقة الراقية التي سادت بين الأحزاب في السابق. (لا يقاتلونكم جميعا الا في قرى محصنة او من وراء جدر باسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بانهم قوم لا يعقلون)الحشر 14 طعن أناس في بطء الإجراءات الإصلاحية في الديمقراطية وعدم حسم الأمور بسرعة بسبب الحرص على الاتفاق والشورى .وكل ذلك وارد لكن التجربة المرة علمتنا أن (درب السلامة للحول قريب) (وأن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي) فالإصلاح بطيء لأنه يتحرى أفضل الطرق وأكثرها كفاءة وهو قادم رغم البطء فوضع الأمور في مكانها الصحيح هو ما يزودها بدافعية التقدم والإنجاز .لم يدع أحد أن الديمقراطية ستنزل جنة الله على الأرض لكن في ظلها الناس يحتكمون إلى نظم معتمدة يمكن التكهن بما ستأتي به ويمكن في ظلها مساءلة المتجاوزين والمفسدين بل سحب الثقة عنهم واستبدالهم دون خوف على نفس أو مال أو عرض وفي ظلها نكون أحرارا وهذا وحده كسب كبير. يمكننا ختم هذاالجزء بشهادة لا تدليس فيها من مرجعنا المذكور (بأن أداء الديمقراطية الثالثة بكل المقاييس كان ناجحا فقد وجدت بعض أهم قضايا الفكر السياسي حلا وكانت التيارات الفكرية الأساسية تتجه نحو التقارب والوفاق وأي قراءة موضوعية للأحداث تثبت بجلاء هذه الحقيقة.حيث زالت حدة الصدام بين الشيوعية السودانية والآخرين) وكان المشهد عشية الانقلاب واعدا فقد تم تحديد موعد للمؤتمر الدستوري الذي سيبحث كل قضايا السودان ليجد لها حلا يتراضى عليه الجميع من مشكلة جنوب السودان الى الهوية الى القوانين الاسلامية الى قضايا التنمية …الخ ولم يفسد روعة هذا الوفاق حتى اعتزال الجبهة الإسلامية التي كانت تضمر الغدر فقد بدا موقفها معزولا.في الاسبوع القادم بإذن الله نواصل الإسهامات التي نراها ضرورية قبل اليوم الموعود . وسلمتم