محمد عبد الله برقاوي.. هل للعلم والابداع كهولة او شيخوخة بالمفهوم الوظيقي لروتين وبروقراطية الخدمة المدنية فيحال عندها المبدع أو العالم الى الاستيداع لمجرد أنه ، قد بلغ الستين الا في بلادنا التي يتكلس فيها السياسيون ويا للمفارقة العجيبة على أنفاس وظيفتهم ولا قانون يحيلهم الى سلة المعاش ولو اصابهم الخرف الذي يضر بمصالح الوطن أو الوهن الذي يقتضي حتي تحويلهم الى دور العجزة ؟ في البلاد التي تقدر العلم والابداع فتخرجهما من ملاك الوظيفة العادية ، يبدأ عمر المبدع والعالم مع بذوغ فجر موهبته ونبوغه ويتجدد أخضرار عوده كلما سقطت عليه أمطار الخريف التي تزيد من ثمارخبرته فتتفتق عنها براعم جديدة تتلقح من ثنايا ذلك العطاء وتشكل منه امتدادات لا تنقطع ! لم أبلغ الستين بعد، ولكني أخطو نحوها ، وقبلها بسنوات وجدت نفسي على هامش الحياة ! لا أدعي بالطبع تميزا ولا أزعم تفردا أو تفوقا ما ! ولكني اتدفق أسى ويخنقني الاحباط حينما أسمع أن أستاذا جامعيا أو مهندسا مخترعا أو طبيبا نطاسا وغيرهم من ذوي الطاقات الخلاقة التي لاتبلى خلاياها الدماغية ولا يزيدها العمر الا نشاطا وتفتحا وقد عوملوا بمعايير الأفندى العادى مع احترامنا لعطاء الكل ، فينتهي زمانهم الوظيفي بمجرد ورقة ، تقول لهم اذهبوا الى ظلال الانكفاء الخلفية ، فالكرسي الهزاز ينتظركم عند أزيار السبيل لقضاء وقت فراغكم الذي سيمتد بكم عبورا الى محطتكم الأخيرة وهي الموت! هل سمعتم أن مخرجا تلفزيونيا أو سينمائيا في المجتمعات والدول التي تحسن المشاهدة ، طلب منه ان يتوقف عن تصوير مشاهد لا زالت تنداح متسلسلة في مخيلته الثرة ! أو مذيعا لم يكمل قراءة تعليق على أحداث بقي صناعها كالديناصورات في غابة الحكم، وذهب هو لتسوية معاشه لهثا وأعياءا في دواوين القرف الذي لا يميّز بينه وبين قارئة الفنجان ! او كاتبا صحفيا استدعته هيئة المعاشات التي لا يهمها الفرق بين عموده وعمود زيارة المستشفى ليتوقف عن تسطير ذلك العمود لانه ينبغي ان يحبس حروفه خلف سياج الستين ..! ولم أسمع أن في البلاد التي تطرب لسيمفونيات ألفها رجل أصم لم يسمعها ، قد طلبت من موسيقيا لمجرد ان شيب تراكم النغم قد وخط سوالف صدغيه ، فقالوا له أقطع شرايين اوتارك وأطويها مع بقايا اوراق نوتتك الموسيقية وراء حسك المتوقد ، لان رؤية الخدمة المدنية لأناملك لاتختلف عن منظورها لأية أصابع أعياها الامساك بيراعة ألأرقام الجافة أو أنهكتها ريشة الحروف السائلة مع دموع الموظف العادي الذي تنكر له الكرسي مثلما تجحد عربة الكارو بذل حصانها الذي هرم امامها وكم كان فتيا ! فحيال كل ذلك كانت هذه الحروف الخجولة التي نزفتها دمعا ايحاءا من حالات الذين لفظتهم الاوطان التي تحكمها قوانين النظر الى عمر الجسد وتتقاضي عن ألق الذهن الشفاف ، فخرجوا يتجددون في الضفاف البعيدة ، هربا من تصحر الاحالة وتحجر المواهب ! فاستشرفت مصيري المماثل ، وتصورت ذاتي حبيسا في سياج الذات الستيني وقد بدأت ملامح المأساة تطل برأسها وتعصر بكفها الجائر وردة الأعماق التي أراها لم تذبل بعد !.. قد أبدو حرا ..لكّني.. مكتوف بهمومي وحنيني.. أسئلة تسحق تفكيري.. وشكوكي تفترس يقيني.. حلمي بالشاطيء سنداني.. والموج مطارق يثنيني .. احترقت سفني وأجنحتي.. وأنظر مينائي يناديني.. أسخر من بدني ..يدفعني.. اتحامل من خلف سكوني.. فأمد الطرف مع قدمي.. وخطاه تسحلني..تطويني دربي يتلوى .. أظماني.. ثوبيّ معروق .. وجبيني.. يتفصد فيضا يغمرني.. أتراه يحنو.. يرويني.. ألهث في صخب الذكرى.. جمرات كلماتي ولحوني.. لا اسمع الا زفرات.. تلهب أنفاسي تكويني.. قد أبدو حيا ..لكّني.. مصلوب .. على نصل السكين.. ما بال الدهر. . يجافيني.. يتعمد ظلمي.. يؤذيني.. ما ذنبي في عمري وسنيني.. أ.. لاني … عود ستيني.. لكن ّعطائي يملؤني.. وشراع الهمة يحدوني.. قد أبدو كهلا لكّني.. في خضرة قلب عشريني.. ما كلّت عينايا ولا شلّت.. في حقل الحرف يميني.. ما جفت أزهاري .. ولم ينضب من نهر الفكر معيني.. فعلام الجفوة يا وطني.. وسحابك يأبي يدنيني.. فأراه سرابا يخدعني.. يتباعد دوما يشقيني.. لاصيف الغربة يرضاني.. ولا طلّ الأوبة يسقيني.. ما بين الشوق .. وحرماني يضحكني الهم .. ويبكيني.. سامحونا .. ودام شباب العطاء ، حيثما كان ! بامرالله المستعان.. وهو من وراء القصد.. [email protected]