أجرت الكنيسة القبطية تأبينا للبابا شنودة في يوم الأحد 10 يونيو بنادي الكنيسة القبطية بالخرطوم حضره جمع حاشد من السودانيين عامة ومن الطائفة القبطية خاصة، وخاطبه رموز الشعب السوداني والسفير المصري بالخرطوم وقد نقلت حريات بعض الكلمات التي ألقيت في الحفل أول أمس. وتواصل (حريات) رصد التأبين. تحدثت السيدة جلاء الأزهري رئيسة الحزب الاتحادي الديمقراطي الموحد وقالت إن رحيل البابا شنودة كان فقدا للسلام في العالم وإنه كان رمزا مضيئا انتفعنا بفكره وصفاء بصيرته في وطننا وفي مصر، وقالت إن السودان فيه الناس كلهم أشقاء سواء اكانوا مسلمين أو مسيحيين وإننا لم نشهد محن التطرف التي ظهرت في كثير من البلدان. وتحدث الأستاذ ساطع الحاج رئيس الحزب الوحدوي الناصري وقال إن البابا كان عالما شاعرا مثقفا وأنشد أبيات من شعر البابا شنودة الثالث وأكد إنه لم يكن رجلا عاديا أبدا. وإنه أول بابا يرأس ويؤسس مجلة أسبوعية ويكون عضوا في نقابة الصحفيين، ويواظب على عقد ندوات دورية شهرية ويؤسس كنائس في أفريقيا جنوب الصحراء في كينيا وزمبابوي وجنوب أفريقيا، ويؤسس معهدا للكتاب المقدس ويحصل على أربع شهادات دكتوراة في العلوم اللاهوتية والعلوم الإنسانية. وقال إن الشمعة إنطفأت إلا أن الشمعدان باق وزيت السراج باق ما بقيت تعاليم وكتابات البابا شنودة. وسيظل رمزا للتلاقي والسلام وستظل قلوبنا تلهج له بالرحمة. وتحدث الأنبا صرابا مول أنبا الكنيسة القبطية بأم درمان ملقيا كلمة الكنيسة القبطية في السودان، وقال إن البابا شنودة كان ربانا ماهرا عرف كيف يقود السفينة لبر الأمان. وإن الناس احتاروا فيم يقولون حوله وسوف أتكلم عن نقطة تبدو بسيطة لدى البعض ولكن تناولها البابا بعمق حقيقي وهي وطنية البابا شنودة. وقال إنه وطني حتى النخاع وقد أعطى مثالا حيا عن الوطنية وليس فقط بالكلام بل بالعمل الواقعي. وذكر بعضا من مواقفه الوطنية ومنها موقفه من زيارة القدس، فقد رفض الذهاب مع رئيس الجمهورية وكان يعلم أن ذلك الرفض سيجر له المتاعب مما يعبر عن شجاعة نادرة. ورفض التطبيع مع إسرائيل وأن يصدر توجيها بالسماح للأقباط أن يذهبوا للقدس، وكان يعلن باستمرار: كيف نطبع مع إسرائيل وهناك الاحتلال في أرضها، وقال إن التطبيع معناها أن تكون الأمور طبيعية ولا تكون كذلك مع احتلال فلسطين، والسلام الحقيقي يكون بإنهاء الاحتلال وتحقيق العدل في فلسطين. مما جعله يتحمل آلام كثيرة حيث صدر قرار رئيس الجمهورية بإلغاء اعتماده بابا للكنيسة في مصر والعالم، وإعلان التحفظ على قداسة البابا في دير الأنبا بينشوي في دير نطرون حيث مكث 40 شهرا أعطته فرصة للخلوة وفيها ألف كتبا عديدة واستفاد منها فكانت بمثابة بركة وحفظا له من الله وليس تحفظا عليه كما قيل. وفي تلك الفترة تألم أبناؤه وأحباؤه من المسلمين والمسيحيين ولكنه كان سعيدا إذ أحب رمال البرية والصحراء وكان يتغنى بقلايته في أعماق الصحراء. وقال: لا للاحتلال، لا للتهويد، لا للتدويل. وفهمه للتدويل أن تدويل القدس معناه التنازل عن عروبتها ونحن نؤمن بعروبة القدس. ومن حبه لأبنائه في فلسطين قال كلاما نراه مملوء حكمة وحبا إذ قال علينا يا أخوتي أن نتحرك لمواجهة التفوق النووي الإسرائيلي. وكانت له مواقف جريئة إذ يعلن باستمرار ضرورة موقف عربي موحد أمام الانقسامات والصراعات العربية ويقول إن تفككنا العربي أخطر من شارون ذاته، فلا بد من موقف عربي موحد لمواجهة إسرائيل. نعم كان البابا رجل دين، الدين الذي في أعماقه يخاف على أولاده من المستعمر والدمار فيطلب وحدتهم والبعد عن الكراهية والفرقة. ويقول: لماذا لا يكون لنا لوبي عربي لتكون لنا قوة تعضد الفلسطينيين وتؤازرهم أمام أي اعتداء خارجي. ويقول: لماذا لا يكون للعرب سوق عربي موحد ينعكس أثره على السياسة والثقافة؟ كان البابا شنودة صمام أمان للوطن، وعندما سئل عن الإرهاب وعلاقته بالدين قال إن الأديان كلها تدعو للحب والتسامح ولا يمكن أن يكون الإرهاب دعوة لأي دين من الأديان. وكان يقول إن النار لا تطفئها النار، النار يطفئها الماء، ولذلك فإن العنف إذا قوبل بالعنف يزداد. ورفض البابا شنودة التدخلات الأجنبية لحماية الأقباط في مصر. وقال نحن مواطنون لا نحب ان نوصف بالأقليات ولسنا بالأقليات التي تطلب إعانة أجنبية لإغاثتها. ورفض مقابلة لجنة الحريات الدينية مرات عديدة. وقال لو تدخلت دولة من تلقاء نفسها لحمايتنا فسوف نعتذر عن تدخلها فهو يؤمن بأن مشاكل أولاده تحل في الداخل وليس الخارج، وهذه هي الوطنية الحقيقية التي ذهبت لواقع حي وعملي. وكان البابا مشاركا دائما في المناسبات الوطنية ليعبر عن حبه للبلد وترابها وقد شارك في الاحتفال برفع العلم المصري على طابا في 19 مارس 1979 ورفع العلم المصري على العريش في 26 سبتمبر 1979 ومن فرط حبه قبل علم مصر. وقد عمل علاقات طيبة مع الأزهر وبدأ في إقامة موائد الإفطار الرمضاينة في مقر الأبرشية بالقاهرة كل عام، وقد اتبعنا نفس السنة فصرنا في السودان ننظم الافطار السنوي كل عام وندعو له اخواننا المسلمين. وكان في زياراته الخارجية يسأل عن المراكز الإسلامية ويذهب لهم معلنا عن حبه لهم وإنه يهمه اخوته المسلمين في داخل مصر وخارجها. وتحدث خليل عبد الله وزير الإرشاد والأوقاف الذي جاء مندوبا من المشير عمر البشير وقال إن هذا الاحتفال يليق بتأبين شخصية كشخصية البابا شنودة الذي كان من رموز الأمة العربية كلها. عرف بمواقفه وشخصيته الفذة المتفردة. وإنه رجل تميز بالحكمة التي لا تؤتى إلا لعظام القوم والقادة المتفردين، وتميز بالوطنية وسعة الأفق، وتميزت شخصيته بالمرونة، ممتدحا رسالته للشعب المصري في شأن الشريعة الإسلامية بينما كان شعب مصر يناقش مسألة الدستور. وتميز بالعلم ونال من الشهادات العالية ما لم ينله إلا القليلون. وتميز بسعة الثقافة التي لا تحد بديانته بل تحيط بالثقافة البشرية كافة فكان موسوعيا وكان رمزا يتميز بشخصية قيادية فذة وعندما ارتحل بكى عليه الكثيرون من ديانته وغيرها. وكان يعمل لتجذر العلاقة بين شعبي مصر والسودان. وقال إن الأقباط في السودان من عوامل التواصل بين الشعبين إضافة لعوامل النيل وعلاقات الدم والعروبة والإسلام. وامتدح الأقباط قائلا: اخوانا الأقباط في السودان طائفة تكاد تنعدم فيها الجريمة بكل أنواعها وهي طائفة راقية ومسالمة وواعية ومتعلمة. وقد تعاملت معهم في السوق وكثير منهم لم أجد لديه إلا الصدق وإلا العفاف وحسن المعاملة وهذه صفات تدعو من يتعامل معهم أن يكون بمثل هذا الرقي والتسامح والصدق والعفاف. وقال إنه يتكلم باسم رئيس الجمهورية ويقول: أنا أرحب بطائفة الأقباط في كل مناشط الدولة ومؤسساتها وندعو المسلمين أن يزيدوا من جرعة التعامل معهم، وقال لهم في النهاية: أسأل الله أن يوفقكم وأن يجعل الخير على أياديكم. وبعد ذلك تم افتتاح معرض الكتاب الذي احتوي على كتب البابا شنودة بالعربية والإنجليزية والألمانية وانصرف بعدها غالبية الحضور من غير الأقباط من رموز السياسة والمجتمع والثقافة في السودان وبقي الجمهور القبطي لحضور الجزء الأخير من حفل التأبين والذي كان بمثابة بانوراما حياة البابا شنودة الثالث في عرض ضوئي بالكمبيوتر تصاحبه رواية حية وأناشيد نفذها كورال الكنيسة القبطية، كانت أولاها ترنيمة (أغلق الباب وحاجج في دجى الليل يسوعا)، وانضمت إليهم في نهاية البانوراما الفنانة القديرة آمال النور التي ارتدت زيا مماثلا لزي الكورال وأبدعت في ترنيم أنشودة باللهجة العامية ألفها البابا شنودة (ربنا موجود).