شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    افتتاح المعرض الصيني بالروصيرص    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مزاد الانتفاضة ما بين الصادق والترابي – الحلقة الأخيرة
نشر في حريات يوم 30 - 07 - 2012

أما مكالمة الشيخ الترابي مع الغنوشي فهي تؤيد بالمجموع ما ذهبنا إليه في هذه المقالات عن تكتيكات الشيخ الترابي الخفية وارتباطه بالدوائر الإسلامية الخارجية على حساب انتفاضة الشعب السوداني.
الغنوشي سجل زيارة ل “معهد واشنطن” للدراسات، وهو أحد أهم المؤسسات السياسية والبحثية المؤيدة لإسرائيل، وتعتبر سابقة في تاريخ المعهد استضافة زعيم حركة النهضة الإسلامية التونسية. ولم يكن بالإمكان استدعاؤه وضيافته لو لم تتعهد قيادة الإخوان المسلمين المصرية – محمد مرسي وشركاه- بالكتابة خطيا بالتعهد على ألا يلغوا معاهدة كامب ديفيد الخ، أضف إلى ذلك أن الغنوشي هو رجل جوزيف القرضاوي والأخير أجزم إنه لو محمد قام من قبره لتحالف مع حلف الناتو!! وبعد زيارته لواشنطون لتوكيد الطاعة اتجه الغنوشي لقطر لتقبيل رأس جوزيف القرضاوي، وبلا شك ربما قبل يد أميرها حمد، وهكذا سلم الغنوشي كل “ريشه” ليهود واشنطون ولفرعهم في الدوحة.
قال الغنوشي في تصريح مثير “إن دولة قطر شريك” في الثورة التونسية أولى ثورات الربيع العربي التي أطاحت بنظام الرئيس بن علي يوم 14 يناير 2011، مما زاد في تعميق توجس التونسيين من “اللغز” بين الدولة الخليجية حاضنة الحركات السلفية وبين الحركة التي تقدم نفسها على أنها حزب سياسي مدني.
وشدد الغنوشي في مقابلة مع جريدة “العرب” القطرية على أن “دولة قطر شريكا في الثورة من خلال إسهامها الإعلامي عبر قناة “الجزيرة” وتشجيعها للثورة حتى قبل نجاحها”، وأضاف الغنوشي: “نحن ممنونون لقطر ولأميرها ولتشجيعها الاستثمار في تونس”. وهذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها الغنوشي ب”لغز” دور دولة قطر في ثورة يعتز التونسيون بأنها ثورتهم قادها شباب الشرائح المحرومة والفقراء والعاطلون عن العمل مطالبين بالحرية والكرامة. وفيما يتهم سياسيون وناشطون حركة النهضة بأنها مدعومة سياسيا وماليا من طرف قطر من خلال تلقي “أموال سياسية” تؤكد الحركة أن علاقتها بالدولة الخليجية “لا تتجاوز علاقة أخوة متينة بين أميرها وراشد الغنوشي”. بينما جاءت تصريحات الغنوشي لتؤكد ما يتردد في الأوساط السياسية التونسية من أن علاقة النهضة بقطر تتجاوز “علاقات الصداقة” بين الأمير والشيخ مبدية ملاحظاتها “إنها علاقة تدعو إلى التساؤل وتثير الشكوك باعتبارها علاقة بين حركة ودولة وليست علاقة حركة بأخرى ولا هي علاقة دولة بدولة”. كما أعادت هذه التصريحات إلى أذهان التونسيين كيف “طار” رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى الدوحة قبيل انتخابات 23 أكتوبر. ووصفها السياسيون التونسيون حينها بأنها “زيارة لترتيب فوز الإسلاميين” كما يستذكرون أن الغنوشي “طار” إلى أمريكا إثر فوز النهضة ورأى فيها الإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد “زيارة طمأنة”.
وللتذكير، أمير قطر زار تونس بدعوة من الحكومة التي تقودها النهضة في شهر يناير الماضي بمناسبة الاحتفال بمرور سنة على الثورة. وأثارت زيارة الأمير سخطا لدى الفاعلين السياسيين والاجتماعيين الذين نظموا وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس التأسيسي بباردوا ورفعوا شعارات مناهضة لدولة قطر ودورها في منطقة الخليج وهتفوا “شعب تونس حر لا أمريكا ولا قطر”. ومنحت قطر تونس 500 مليون دولارا تم ضخ نصفها إلى البنك المركزي بعد أن استبعدت حركة النهضة محافظه مصطفى كمال النابلي وعينت مكانه عضو المجلس التأسيسي منصف شيخ روحو القريب من الحركة. ويتساءل السياسيون والنشطاء التونسيون عن”مسار الثورة” في ظل ما يروج من معطيات حول “الدور القطري في طبخ الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في ربيع 2013م، والتي يفترض أن تنقل البلاد من الوضع المؤقت إلى حكومة شرعية تنتخب بعد صياغة دستور جديد للبلاد وإرساء مؤسسات دولة مدنية ومجتمع ديمقراطي.
ورغم الإطالة أعلاه نجد خبر “الغنوشي” مهما “لنغنشة” أذهان المعارضين السودانيين. فالسودانيون لن ولن يفهموا ما يدور في بلادهم إلا عبر فهم ما يحدث في مكان آخر. وتفسير مكالمة الترابي الغنوشية هو هين - فالغنوشي هو عضو مجلس الأمناء في الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين ويترأسهما جوزيف القرضاوي، وكلا من المجلس والمكتب يعملان لدولة الخلافة المستقبلية التي ستنتهي لصالح آل سعود!!
وبما أن “علاقة “المؤتمر الوطني بقطر سيئة جدا ومتأزمة وفي دور الاحتضار، غير أن المؤتمرجية أمثال أمين حسن عمر، وقطبي المهدي، وغازي الخ نجحوا في ضرب ستار ثقيل من الصمت على الأزمة العميقة بينهما. وتعزى الأزمة السودانية-القطرية حين أكتشف عمر حسن أحمد البشير متأخرا جدا أن دولة قطر تلعب بأصابعها في مؤخرة السودان أي في هيجليج وفي كل النقاط الساخنة على الحدود مع جنوب السودان. وبما أن الأمير جوزيف القرضاوي لا يطيق لا البشير ولا الترابي ويلعب ورقه لصالح إمارته أي دولة الخلافة المستقبلية، التي لا تقل إمارته وزنا وأبهة عن إمارة أمير البلاد الأصلي حمد – إلا كونها إمارة افتراضية، يبدو أن ملف أزمة المؤتمر الوطني الحالية مع دولة قطر هي في يد القرضاوي وإلا لما أتصل الشيخ الترابي براشد الغنوشي. وهذا الأخير لديه رأي سيئ عن المؤتمرين الوطني والشعبي أدلى به للصحف مبكرا مع بواكير الثورة التونسية.
لا تستخفوا ببوق قطر جوزيف القرضاوي أمير دولة الخلافة الراشدة في طورها الافتراضي فهو من الوزن والعيار الثقيل حقيقة. فهو يميت ويحي كفرعون مصر ويقرر من من الرؤساء العرب القوميين (والعلمانيين) المنافسين يموت برصاصة يتيمة ومن فيهم يتم ذبحه ذبحا أو من خلاف أو حتى “يغتصبوه” لصالح دولة خلافته الراشدة. هل لاحظتم ضيقه وتبرمه مثلا من أعضاء حزب التحرير الإسلامي المنافس على مشروع دولة الخلافة حين يدخل أعضاؤه خلسة على الخط التلفوني الساخن في برنامج الشريعة والحياة وكيف يبترهم الأستوديو بترا بلا رحمة؟
كتاب جوزيف القرضاوي “الإسلام هو الحل” عبارة عن مانيفستو لا يقل في منطلقاته عن مانيفستو كارل ماركس الشهير، بغض النظر عن المحتوى وبرغم لن تجد فيه حلا إسلاميا على طريقة القرضاوي لكونه كتابا ساذجا، ولكن أهم ما في الكتاب الفصل الأخير بعنوان: كيف تعمل تنظيما. وعليك أن تسأل، تنظيم لمن ضد من؟ وهو القطري الجنسية وليس واردا أن يقوم تنظيمه هذا بانقلاب ضد أمير البلاد حمد، إذن هذا التنظيم الذي يحث عليه بوق قطر هو لصالح دولة الخلافة في طورها الكوزموبوليتاني لذا يسمى مؤسساته بالعالمية، وبدعم قطري. ولن نفوت ظاهرة ضاحي خلفان على كل المستويات، فجوزيف القرضاوي ممنوع دخوله دولة الإمارات العربية مطلقا ويطرد من مطاراتها فورا، وأخر تصريحات رجل دبي القوي: “الإخوان المسلمين يتآمرون على قلب أنظمة الحكم بدول الخليج العربي”. هل الأسرة القطرية الحاكمة تبنت مشروع دولة الخلافة الراشدة للقرضاوي؟ ربما.
الفلسطيني إسماعيل هنية يقبل يد القرضاوي بتبجيل شديد كما تقبل يد الملوك بينما راشد الغنوشي التونسي يقبل رأسه وتجد الصور في الانترنيت. وخالد مشعل يعطي ظهره لسوريا ولسان حاله وداعا بشار الأسد ويهرول نحو دولة قطر لتسليم مفاتيح القضية الفلسطينية لخليفة المسلمين جوزيف القرضاوي. وقد تناقلت الوكالات خبرا سيئا ربما يمد خالد مشعل القرضاوي بكل خفايا وأسرار الجيش السوري التي حتما ستنقل لإسرائيل فورا إذا صح الخبر، بل اغتيال إسرائيل لعماد مغنية رجل حزب الله وصانع نصر حرب 2006م كان من المستحيل حدوثه لو لم تتم مساعدة لوجستية ومعلوماتية من قبل حرس خالد مشعل الخاص – هكذا تناقلت الوكالات هذا الخبر المؤلم مؤخرا. ثم أخيرا وليس آخر ألا ترون القرضاوي تمتلكه أعراض الملوك والأمراء حين يتحكم فيه الشبق الجنسي في أرذل العمر نحو الفتيات الصغيرات، مثل ملوك وأمراء الخليج تماما؟ طبعا بفضل الفياجرا.
عليك أن تلاحظ أن كلمة “العالمي” في كل من مجلس الأمناء ومكتب الإرشاد التابع للقرضاوي وللاخوان المسلمين تعني “دولة الخلافة الراشدة” في الطور الكوزموبوليتاني على طريقة فتحي عثمان “الدولة الفكرة” التي طرحها في الخمسينيات. ولا يتبقى على ولادتها عمليا سوى خطوة أو خطوتين بإزاحة النظام السوري يتلوه إزاحة النظام الأردني. ثم ألا ترى أن الفريق ضاحي خلفان تميم المهيري قائد عام شرطة دبي يشتم الأخوان المسلمين علنا ويرى فيهم كل الخطر على أنظمة الحكم بدول الخليج العربي، وزاد العيار، إنهم سيأتون حبوا لدول الخليج. وقد صدقت نبوءة ضاحي خلفان حين حبا الرئيس المصري محمد مرسي حبوا نحو سيده ملك السعودية عبد الله مثلما فعل شيخه الراحل حسن البنا.
جوزيف القرضاوي يلعب ورقته في السودان لصالح دولة الخلافة فهو ينحاز لمجموعة الصادق عبد الله عبد الماجد والحبر وعصام البشير وبقية السلفيين مثل أنصار السنة والسروريين – قطعا لا ينحاز مطلقا للمؤتمرجية من الوطني والشعبي الذين أصبحوا مرة أخرى في عزلة إقليمية قاتلة، أي مجددا كما لو كنا في منصف السبعينيات، لذا تجد المؤتمرجية يلوذون بالصمت والرقص على كل الحبال – منها الحبل الإيراني. فاعتقال الصحفية المصرية شيماء عادل قصد منه المؤتمرجية كسر العزلة وجر الرئيس المصري محمد مرسي من أنفه و،ف تنظيمه لنقطة تماس وحوار. وبالمثل تعيين عصام أحمد البشير وكيل السعودية وجوزيف القرضاوي في منصبه الحالي الهدف منه فتح أبواب القرضاوي وجماعة مرسي والدول السعودية والقطرية.
أما السؤال انتفاضة أم لا؟ هذا السؤال يهم كل الشعب السوداني صغيره وكبيره وهي قضية في الحق مصيرية وتاريخية – يجب أن يديرها الشعب السوداني بنفسه وليس بالوصاية أو الوكالة، ويعتمد الجواب السؤال على سلوك وردة فعل الشيخ الترابي. فالتغيير عبر الانفجار هو لا محالة قائم وهو حتمية حين تتناقض العلاقة على كل المستويات ما بين الحاكم والمحكوم، وتصبح هذه العلاقة معوقا لتطور الشعب السوداني، ومن يقف في وجه الشعوب يجهل أبجديات السياسة.
وقد يمكن أن يحدث التغيير وينتقل السودان نقلة نوعية بإرادة السياسيين الحرة، إذا فهم وعقل السياسيون المتشبثين بالسلطة من المؤتمرين الوطني والشعبي إنهم وصلوا إلى طريق مسدود. ولكن هذه الإرادة الحرة قد تصبح مشوشة حين لا يستطيع السياسي منهم التفريق ما بين تناقضاته الذاتية والتناقضات القومية – ويخدع ذاته حين يسقط تناقضاته الذاتية على التناقضات القومية – أي حين تصبح تناقضات السياسي كما ولو هي تناقضات الوطن. وهذا الحكي الأخير مرسل للإسلاميين بجمعهم على الخصوص، ولمن في السلطة على الأخص.
فهل “يسخو” الشيخ الترابي كما قال المرحوم محمد إبراهيم نقد على الشعب السوداني؟ وهل يمتلك الشيخ الترابي الشجاعة الأدبية والدينية؟ ونسأل الشيخ الترابي مرة أخرى هل من مصلحة السودان أن يربط نفسه “بلعبة” سعودية أو قطرية جوفاء في الإقليم ومع أذناب مأجورين مثل القرضاوي والغنوشي..الخ؟ أو أن يربط السودان نفسه بهيصة إسلامية فارغة المحتوى سوى عناوين جوهرها تكفيري مجرم خارجي؟ لماذا لا نرجع إلى سودانيتنا؟ هل توجد دولة في العالم لها تسع حدود وتسعة جيران إلا السودان؟ لماذا لا يعمل الجميع من أجل شعار دولة كبرى في القرن الأفريقي؟
أحد الأمثلة الشخصية لا على سبيل الحصر حين يسقط السياسي تناقضاته الذاتية على التناقضات القومية ينطبق على شخص نائب الرئيس علي عثمان محمد طه، فقدراته الشخصية أقل من الاعتيادي ولا يملك من المؤهلات أو الموهبة الفكرية أو السياسية شروى نقير، ومع ذلك يجيد “شيخ” علي بأسلوب براجماتي فطري اللعب على كل الحبال، ويحيل تناقضاته مع خصومه السياسيين بنعومة إلى انتصار كما لو هو انتصار قومي – رغم إنه انتصار لشخصه. بلا شك علي عثمان محمد طه وأمثاله عقبة كبيرة في وجه أي تغيير حقيقي في السودان. وأترك أمثال المنافقين صراحة مثل الدعي علي عبد الله يعقوب – الذي خاطب الملك فيصل في الخرطوم في منتصف الستينيات بالخليفة الراشد السادس ومن وقتها وقد استمرأ الريالات النفطية – بينما الملك فيصل هو أكبر مجرم في تاريخ العرب والمسلمين والعالم قاطبة – ولم يقتله بن أخيه خالد بن مساعد عبطا. وما فعله فيصل من أجل الدولار الأمريكي من خدمة يؤهله لكي يحصد دينا وشرعا كل ذنوب أهل الأرض لأجل تلك الشعوب التي هلكت فقرا أو جوعا بسبب عملة الدولار، الديون، وفوائد وخدمة الديون. ولعل علي عبد الله يعقوب الآن يخاطب االرئيس السوداني بأنه الخليفة السابع، تستغرب أمثلا علي عبد الله يعقوب هم من يقود البلاد، فأمثاله يجب أن يتم كنسهم من الساحة السياسية – بفضحهم عبر الإعلام، ولكن أين هو الإعلام في دولة الشيخ الترابي؟
من هذه المقالة لابد أن يستنتج القارئ الكريم أن ما دار في الماضي وما يدور الآن ومستقبلا في السودان هو غير منقطع بمحيطه ومرتبط بوشائج عديدة من التدخلات الإقليمية المباشرة وغير المباشرة انعكاسا لما يدور في الإقليم العربي أو القرن الأفريقي. وبما أن بترول الشرق الأوسط يمثل قضية حيوية للغرب، تصبح هذه المنطقة العربية وما حولها هدفا وبؤرة مستديمة لتطبيق إستراتيجية الهيمنة hegemony. فحين تقرأ الرسائل التي بادلها الملك فيصل مع جون كينيدي ثم مع خلفه ليندون جونسون 1961-1969م وقد نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية على الانترنيت، ستؤيد رأينا فيما نقول. فحوى تلك الرسائل المتبادلة أن الملك فيصل وإخوانه السديريين كانوا يحثون الرؤساء الأمريكيين لقطع القمح عن مصر، وضرب مصر عسكريا وتأديب سوريا وثم تقسيم العراق – ثم يقول الفيصل للأمريكيين: ونعوض بعض خسارتهم ببعض المال. كان هذا الحث الفيصلي الإجرامي كليةً تحت غطاء محاربة الشيوعية والمد الشيوعي في الإقليم، وقد أزعج فيصل بطلباته اللحوحة ومناديبه الأمريكيين للتدخل العسكري لسحق هذه الدول الثلاثة، رغم أن الرؤساء الأمريكيين شرحوا للفيصل أن نظام عبد الناصر ليس شيوعيا بل متحالفا مع نظام شيوعي. وأبدى السفراء الأمريكيين تعجبهم من إصرار فيصل على مسألة محاربة الشيوعية، وشرحوا له مرارا إنهم لا يستطيعون استفزاز الإتحاد السوفيتي وقتها. وأخيرا قامت دولة إسرائيل بتلبية الطلب الفيصلي بدعم أمريكي في يونيو 1967م – خلاص البكباشي سينتهي!! – هكذا كان يحدث الأمراء السعوديون بعضهم في جلساتهم الخاصة قبل الهجوم.
عندما تتأمل الحراك السياسي في السودان في طيلة الستينيات بعليقة الملك السعودي فيصل وحربه الضروس ضد الشيوعية تجزم أن خزائن كل من حزب الأمة والوطني الاتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي امتلأت فجأة بالريالات السعودية لمحاربة الشيوعية، التي لم تكن سوى جمال عبد الناصر في باطن الأمر. وطبقا للريالات، أو لدبلوماسية دفتر الشيكات السعودية، طردت الأحزاب السودانية في ديسمبر 1965م أحد عشرة عضوا برلمانيا شيوعيا عب التصويت بناء على واقعة دار المعلمين من قبل طالب ساذج أو ربما مدسوس على الشيوعيين.
حتى رئيس الوزراء وقتها محمد أحمد محجوب نال نصيبه من كرم الملك فيصل الخليفة الراشد السادس كما لقبه علي عبد الله يعقوب وجها لوجه من على خشبة المسرح القومي في مارس 1966م. بما أن جمال عبد الناصر رفض رفضا باتا مصالحة آل سعود والحرب الإعلامية ما زالت وقتها مشتعلة بينهما طوال الستينيات، وعد الملك فيصل رئيس الوزراء محمد أحمد محجوب لو صالحه مع جمال عبد الناصر سيعطيه إكرامية مليون دولارا – والمصالحة تعني وقف التحريض الإعلامي الثوري الخارجي – ونجح المحجوب فعلا. هذه الرواية هي على ذمة الشهيد ناصر السعيد في كتابه: تاريخ آل سعود.
لكن الطريف هي حيرة سكرتير الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب رحمه الله، لم يفهم –وأين له أن يفهم- ذلكم الوحي الإسلامي الذي هبط فجأة على الأحزاب السودانية الثلاث فبدلت في ديسمبر 1965م تقاليدها فجأة من الليبرالية إلى التمسك بشعار دستور إسلامي. ولم يفهم عبد الخالق وقتها أن “أصل المسالة..يا سعد” هي عصافير أو ريالات سعودية ضخمة هبطت فجأة على فقراء السودان المعدمين فطاش صوابهم. وهنا يمكننا تتبع كيف كان يفكر عبد الخالق محجوب في هذا المسألة الإسلامية الفجائية على لسان الدكتور عبد الله علي إبراهيم:
(تساءل عبد الخالق في سياق عرض فكرته عن استغلال النادي الحاكم للدين عن منشأ النبع الإسلامي في الحركة السياسية آنذاك. وتساءل، هل أصابت النادي الحاكم شحنة فكرية مفاجئة حولته عن قناعته الأولي بالدستور الليبرالي إلي الدستور الإسلامي. وفي تقدير عبد الخالق أنه لم ينشأ بين جوانح هذا النادي شوق فكري مرصود معلوم ينتفض للإسلام في جهاد إحيائي فكري مستنير. وغاية الأمر، في قول عبد الخالق، أن الإسلام وقع للحاكمين المأزومين “من باب التجريب والمواتاة السياسية”). تجد مقالته تامة هنا:
http://www.sudan-forall.org/sections/d_fi_tareekh/pages/abdullahi_ibrahim_abdalkhaliqmahjoub.htm
نخاطب للشيخ الترابي مجددا، هل لا يوجد طريق للفرج للشعب السوداني سوى طريق دول الخليج؟ هل يعقل يا شيخ الترابي أن تغلق هيئة الاتصالات القومية السودانية على كتب وفتاوي الشيخ الأزهري العلامة يوسف الدجوي؟ هل نحن في السودان أم في المهلكة السعودية؟
الحل للأزمة السودانية يتمثل في الخطوات التالية:
1. انتخابات حرة نزيهة حقيقية، مع وضع دستور مدني ليبرالي للبلاد، يرتكز على حق المواطنة وفصل السلطات الثلاثة وحرية الصحافة والمعتقد الخ، لكي يختار الشعب السوداني من يختاره.
2. القضية الدينية تخضع للمراجعة من كافة الشعب السوداني بليبرالية مطلقة مع تشجيع البحوث الإسلامية بشكل علمي حقيقي، وطبع كل كتب التراث الإسلامي طباعة شعبية رخيصة. بهذا الأسلوب فقط وفقط بهذا الأسلوب يمكننا أن نضع سدا بيننا وما بين الطوفان السلفي الوهابي الحشوي. وهكذا بدلا من أن نكون تابعين لدول الخليج خاصة للوهابية السعودية نصبح مصدرين للفكر والثقافة الدينية اعتمادا على عقولنا وبحوثنا. مع التنبيه أن السعودية بقوة أموال النفط جففت الإقليم العربي من كل المصادر الإسلامية المعتبرة منذ الخمسينيات، بينما ضخت بشكل ضخم كتب بن تيمية وتلاميذه بعمل مخابراتي حاذق.
3. تعتبر القضية الاقتصادية هي أس البلاء في الإشكالية السودانية المجملة، ليس لفقر مكونات الاقتصاد السوداني من موارد لأننا نمتلك كل مقوماته، بل لطريقة التفكير الاقتصادية العبيطة التي تركل كون السودان يمتلك كل مكونات الاقتصاد من موارد وثروات حقيقية ومع ذلك يتم التعويل على “البنكنوت الورقي” الخارجي مثل الدولار الأمريكي والريال السعودي والقطري والدرهم الإماراتي. لا يمكن مساوقة الثروات الحقيقية بالبنكنوت الورقي الخارجي مثل الدولار أو الريال الخ. لمزيد من الفهم لهذه النقطة يجب أن يقرأ القارئ الكريم مساهمتي الاقتصادية في كتابي: جهاز الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا على طاولة التشريح السودانية.
في الختام نقول لقرائنا الكرام ستركز مقالاتي التالية على القضية السورية ربطا بالسودان، ومن خلالها سيفهم السودانيون ما يحاك لهم إقليميا بليل مظلم.
شوقي إبراهيم عثمان
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.