محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] من ظرفاء مجتمعنا في الزمن السياسي الماضي ، كان الرائد المرحوم زين العابدين محمد أحمد عبد القادر عضو مجلس قيادة ثورة مايو الراحلة ، وفي أثناء جولة رافق فيها الرئيس نميري عليه الرحمة ، الى سجن كوبر وقبل سقوط مايو بسنوات ، قال (زينكو ) كما كان يطلق عليه ، للرئيس .. لابد من تحسين السجون من كل النواحي لان الدنيا ياريس غير معروفة ، وحينما سقطت مايو ودخل هو ورفاقه السجن قال ضاحكا ألم أقل لكم أن الأيام دوارة! وهو ايضا الذي نسبت اليه ، النكتة الشهيرة عندما كانوا يلعبون الورق في السجن ، فسأله أحدهم ( كم الفورة )؟ فأجابه زين العابدين يا سيدي الفورة ألف، العب لعبك ماذا وراءنا ! قفزت الى ذهني تلك الصور الطريفة التي تتراي في الوانها أنماط من العظات ، وأنا أقرأ الكلام المنسوب للدكتورة الفاضلة نفيسة أحمد الأمين التي ذكرت أن ابنها أودع المعتقل قبل انتفاضة أبريل وهي في ذلك الوقت كانت عضوا فعالا في نظام مايو ! ثم ما لبث أن سقط النظام فخرج ابنها وحلّت هي مكانه في المعتقل ! وهي دروس لو استوعبها الذين يعتبرون أنفسهم قد ملكوا الدنيا وأمسكوا الى الأبد متحكمين بدفة دولاب ايامها ، لخشيوا الله في أنفسهم قبل الآخرين ، ولأدركوا أن الحياة ما هي الا ( مرجيحة ) كتلك التي يلهو عليها الأطفال ، فترفعهم تاره وهم بين الخوف والمتعة ثم تنخفض بهم فجأة وهم بين الاحباط والرغبة في المزيد ! لا احد يعيب على انسان أن يتمسك بمبادئه السياسية في اي عهد ، المهم الا تكون قناعاته وسلطته أدوات لتحقير الآخرين واستغلالها للتنكيل بهم أو اتخاذها وسيلة لتحقيق مآرب ومصالح ذاتية تضر بمقدرات الوطن وأهله ، فتتنزى الضغائن عليه وتنطلق خلفه الملاحقات رغبة في الأخذ بالحق منه متى ما زالت سطوته وسلطانه ، فلا يجد وقتها فرصة للتوبة ولا متسعا لاستجداء الرحمة ! أما من أخلص لمبادئه أيا كانت ، سواء أختلف الناس معها أو اتفقوا ولم يلوث يديه بدم أو أقل مستوى من ضرر انسان ولم يدنسها بمال حرام أو يستغل سلطته حتى في التشفع لفلذة كبده وهو خلف القضبان دون الأخرين ، وكان في مقدوره ذلك ! فانه وان ذهب زمان ملوكه فانه يستطيع العيش في كل الأزمنة مرتاح الضمير قرير العين ، شامخا كعلو كعب نفيسة أحمد الأمين ، بعزة النفس واستمرارية البذل بعيدا عن الأضواء .. تملؤها عاطفة الأمومة وحبها لكل ابناء وبنات الوطن الذي يبادلها الاحترام كرائدة فذة وهي تمد له يدها نظيفة كصفحات تاريخها الناصعة، فتنحني لها الأجيال التي تعلمت عنها درسا في تقدير الذات .. بالتعظيم والاجلال! في عهد تكسّرت عنده أجنحة الكثيرين وأنحدرت بهم الى الأسفل ، فاستكانت عفتهم الهشة وخرّت تمسحا بأحذية القدم الزائل ، مهما طال مشوار غروره ! فلها منا أطيب الأمنيات أم حسام وعازة في عمرها المديد بالعطاء .. باذنه تعالى .. والله من وراء القصد..