هاجم الشيخ عبد الفتاح مورور حكومة الائتلاف الثلاثي الحاكم الذي تقوده حركة النهضة مشددا على أن “سكوتها على تجاوزات السلفيين هو تقنين للفوضى واستباحة لحق المواطنة” وأكد أن “الدولة مطالبة اليوم بفرض تطبيق القانون والتصدي للسلفيين” واصفا إياهم ب “الفوضويين”. وقال الشيخ الذي أسس معية راشد الغنوشي في بداية الثمانينات من القرن الماضي حركة الاتجاه الإسلامي، النهضة حاليا “إن الإشكال الذي تعيشه تونس اليوم يتمثل في أننا نخشى من إمكانية أن يصبح العنف شكلا من أشكال التعامل العادي بإسم الإسلام”. وأضاف في مقابلة مع صحيفة “الصريح” في عددها الصادر الثلاثاء أن ما تشهده تونس اليوم من تنام لعنف السلفيين “خطير جدا في بلاد تعيش مرحلة الديمقراطية الناشئة” ملاحظا أن “استعمال السلفيين العنف لفرض أفكارهم وآرائهم من شأنه أن يلغي الديمقراطية من أساسها”. وكان مورور تعرّض يوم 6 آب (أغسطس) الحالي لاعتداء بالعنف من قبل السلفيين أثناء مشاركته في ندوة فكرية نظمتها “شبكة تونس للحقوق والحريات والكرامة” في مدينة القيروان الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر جنوبتونس العاصمة. ووصف “الظاهرة السلفية ب “الحالة المرضية” مشددا على أن “الوقت قد حان لأن يولي التونسيون أهمية أكبر لهذه الظاهرة وعدم الاكتفاء بشجبها فقط” ودعا إلى “ضرورة التطرق إلى معالجة الظاهرة السلفية من منظور علمي اجتماعي نفساني وقانوني وسياسي”. وتأتي تصريحات مورور وسط اتهام السياسيين والحقوقيين لحكومة النهضة ب “التسامح والصمت المريب” تجاه انتهاكات السلفيين المتكررة للحريات الفردية والعامة وهدر دم المبدعين والمفكرين والإعلاميين. واتهم مورور “دعاة الإسلام الوهابي” بالوقوف وراء تنامي نشاط السلفيين من أجل “خلق ظاهرة دينية تكفيرية موازية للإسلام المعتدل” من شأنها أن “تحدث تيارا يشغل المواطن العادي بقضايا فقهية تطبيقية حتى لا يرتقي إلى شغله بالقضايا الأساسية”. وخلال الأشهر الأخيرة تحولت تونس إلى وجهة جذابة إلى دعاة المذهب الوهابي المعروفين ب “المطاوعة” قدموا من دول الخليج وخاصة من السعودية ومن قطر وألقوا دروسا ودورات تكوينية في “العلوم الشرعية” استهدفت شبابا ذي مستوى تعليمي متدن ومن وسط اجتماعي فقير. وأكد مورو أن التيار السلفي “يعمل اليوم على مقاومة بناء الدولة على أسس معتدلة تحترم مبدأ الاختلاف داخل المجتمع الواحد” ملاحظا أن “السلطة أخطأت عندما لم تتصرف بحزم ولم تعمد إلى تطبيق القانون بصرامة على كل المخالفين سواء كانوا أفرادا أو مجموعات”. وفي 23 آب (أغسطس) الحالي شن حزب التحرير السلفي التونسي هجوما عنيفا على “الدولة المدنية” وعلى “النظام الجمهوري الكافر” مشددا على أن “دولة الخلافة الراشدة التي تطبق الشريعة الإسلامية هي النظام الوحيد المناسب لتونس”. ووصف ا الناطق الرسمي للحزب رضا بلحاج النظام الجمهوري بأنه “كافر خبيث حارب الإسلام والمسلمين، ودعا إلى إقامة “دولة الخلافة الراشدة”. وبرأي مورور فإن ظاهرة السلفيين استفحلت في المجتمع التونسي السني المالكي نتيجة “استقدام الدعاة الأجانب الذين أصبحوا يجدون كل السند والدعم لنشر مذهب جديد وهو المذهب الحنبلي بأصوله وقواعده كما لو أن تونس تحتاج إلى مذهب جديدغير المذهب المالكي”. وتابع “نحن في تونس نتمتع منذ مئات السنين بأحادية الدين وأحادية المذهب ونعتبر ذلك مكسبا وسببا من أسباب السلم الاجتماعي لأننا نعرف في التاريخ الإسلامي بأن البلاد التي ابتليت بتعدد المذاهب ابتليت بتعدد الفتن”. وأعتبر الشيخ مورو أنه “من الخطير أن نجعل تونس منفتحة انفتاحا غير واع وغير مدروس لأنها باتت مستباحة من قبل الدعاة الوافدين علينا والذين أصبحوا يجدون أحضانا مفتوحة صلب يعض الجمعيات ما جعل الخلافات تتأجج بين سنة وشيعة وبين سلفيين ووهابيين”. وفي 17 آب (أغسطس) جرت بمدينة قابس (جنوب شرق) مواجهات بالهراوات والحجارة بين سلفيين متشددين ومجموعة شيعية خرجت في مسيرة بمناسبة “يوم القدس العالمي” الذي يتم إحياؤه سنويا في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وفق تعليمات ايرانية. وحذر عبد الفتاح مورور من “أن البلاد أصبحت مستباحة ومفتوحة حيث لا وجود لسلطة تضبط الخط الديني والمذهب للبلاد”، مضيفا أن ما يعيبه على السلطة هو “عدم تقديرها بشكل جيد لما قد ينجر عن تغلغل التيارات السلفية والوهابية في المجتمع”. وطالب الحكومة ب “فرض هيبة الدولة والتطبيق الصارم للقانون” مؤكدا على أن “الدولة مطالبة اليوم بفرض تطبيق القانون والتصدي لهؤلاء الفوضويين المارقين عن القانون”. وتواجه حكومة النهضة اتهامات من قبل خصومها ب”زرع كوادرها في مفاصل الدولة بهدف أسلمة مؤسساتها العلمانية ونخرها من الداخل” كما تواجه اتهامات بصمتها على “استباحة السلفيين لمؤسسات الدولة وهيبتها” لتخريبها من الخارج”. غير أن النهضة تنفي مثل هذه الاتهامات وتعتبرها “عارية من الصحة”. وبخصوص ظهور “جماعات الشرطة الدينية” التي تنشط تحت شعار “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” أكد مورور “أقول للذين يريدون فرض نمط عيشهم وسلوكهم على الناس تحت لافتة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن النهي عن المنكر باليد أي بالقوة هو من خصوصيات الدولة ومن مشمولاتها دون سواها، ولا يحق لأحد أن يمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد”. وأعرب عن أسفه من أن ما يحدث في تونس اليوم هو ” شطحات غريبة عن مجتمعنا تحت مسمى الدين والدين منها براء هو تقنين للفوضى واستباحة لحق المواطنة وتحريض لمجموعات على أخرى”. وأعرب الشيخ عبد الفتاح مورو عن يقينه بأن “المعركة في تونس اليوم بين تيار رجعي وتيار تقدمي” وهو ما تجمع عليه مختلف القوى الديمقراطية. يذكر أن الشيخ عبد الفتاح مورو المعروف في الأوساط السياسية التونسية بمواقفه الدينية المعتدلة دخل في خلاف حاد مع “صقور حركة النهضة” وفي مقدمتهم رئيس الحركة راشد الغنوشي وتم استبعاده خلال السنوات الأخيرة قبل أن يعود إلى الحركة بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني).