ماكرون وبايدن يعبران عن مخاوفهما إزاء عمليات نقل الأسلحة من إيران وكوريا الشمالية    حبس عمرو دياب.. محامٍ يفجر مفاجأة عن "واقعة الصفع"    صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول من القنصليات المصرية.. لسوء الطقس عشرات الموتى في اوساط القادمين بالتهريب الى مصر    بعثة صقور الجديان تصل جوبا    اتحاد الكرة السوداني يشيد بحكومة جنوب السودان    تحديات تنتظر رونالدو في يورو 2024    سفارة السودان في واشنطن تعلق على حظر وزارة الخزانة الأمريكية ل(7) شركات لتورُّطها المُحتمل في الحرب السودانية    بعد ساعات من حادث مماثل.. مصرع أسرة سودانية ثانية في مصر    انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. "معضلة" تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر    السعودية.. استخدام طائرات الدرون لنقل وحدات الدم والعينات المخبرية بسرعة وكفاءة بين مستشفيات المشاعر المقدسة    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تضع زميلتها ندى القلعة في "فتيل" ضيق: (هسا بتجيك نفس تحملي في أوضة وبرندة وسط 13 نفر وفي ظروف الحرب دي؟)    شاهد بالفيديو.. شاب من أبناء "الشوايقة" يتوعد القائد الميداني للدعم السريع "جلحة": كان فضلت براي في السودان ما بخليك (جاك الوادي سايل أبقى راجل عوم والمطر البدون براق جاك يا الشوم)    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تضع زميلتها ندى القلعة في "فتيل" ضيق: (هسا بتجيك نفس تحملي في أوضة وبرندة وسط 13 نفر وفي ظروف الحرب دي؟)    تعليق مثير من زيدان على انتقال مبابي لريال مدريد    توتي الضحية    مصر تتفوق عالميًا بمؤشر جودة الطرق.. قفزت 100 مركز خلال 10 سنوات    نصائح مهمة لنوم أفضل    أشاد بالأداء والنتيجة..دكتور معتصم جعغر يهاتف اللاعبين والجهاز الفني مهنئاً بالانتصار    الأمانة العامة لمجلس السيادة تحتسب المهندسة هالة جيلاني    أديب: الحكومة الجديدة تحتاج "سوبر مان" لمواجهة التحديات    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    السودان يكسب موريتانيا بهدفين في تصفيات المونديال    السودان يهزم موريتانيا ويتصدر مجموعته في تصفيات كأس العالم    الجزيرة تستغيث (4)    انتظام حركة تصديرالماشية عبر ميناء دقنة بسواكن    "كعب العرقي الكعب" .. وفاة 8 أشخاص جراء التسمم الكحولي في المغرب    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    "إكس" تسمح رسمياً بالمحتوى الإباحي    حادث مروري بين بص سفري وشاحنة وقود بالقرب من سواكن    تونس.. منع ارتداء "الكوفية الفلسطينية" خلال امتحانات الشهادة الثانوية    السودان..نائب القائد العام يغادر إلى مالي والنيجر    السعودية.. البدء في "تبريد" الطرق بالمشاعر المقدسة لتخفيف الحرارة عن الحجاج    وفد جنوب السودان بقيادة توت قلواك يزور مواني بشاير1و2للبترول    صدمة.. فاوتشي اعترف "إجراءات كورونا اختراع"    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نيقرز … أولاد عرب (3)
نشر في حريات يوم 13 - 10 - 2012


بقلم / أبكر يوسف آدم
[email protected]
إجتهدنا فى الحلقتين السابقتين فى توضيح بعض من إفرازات أزمة الهوية ، مع الإشارة إلى بعض المطبات التى أظهرناها بصورة أوضح ، وإستعرنا بعض الأمثلة فيما رأينا فيها وسائل توضيحية مساعدة فى بناء وترميم المفاهيم المطروحة.
للحق كنا نخطط لحلقة واحدة تحمل توريات وترسل الإشارات، والأولى كانت هى الأخيرة ، ولكن تحمس وتفاعل بعض القراء مع الموضوع ، شجعنى على إعداد حلقات إضافية . ويجب أن أعترف أننى وجدت نفسى فى غابة متشابكة من المعلومات التى تسابق فى خدمة وإظهار وفهم هذه القضية.
لن أدعى .. ولن أنسب شيىْ لنفسى ، فكل ما وردناه وسنرده اليوم ، أنما مأخوذة من دراسات ومراجع موثقة ، ساعدتنى على الفهم والتلخيص ، وأى كاتب بالتأكيد يستطيع أن يفعل ذلك ، ثم يأتى بأفضل مما آتيتكم به.
لقد نبهتنا تظاهرة ، نيقرز .. أولاد عرب ، إلى حقائق تاريخية ونفسية وسلوكية ، ما كنا سننتبه إليها لولا متابعتنا وتأملنا فى مفردات هذه القضية. وأظننا بحاجة أن ذكر بعض النقاط التى تمهد الطريق لإستئناف مناقشة هذه القضية.
فقد أشار الدكتور الباقير عفيف لمفهوم أصالة الحضارة النوبية وحضورها ، ووجود شعبها إلى اليوم فى الشمال النيلى ، وإستدل فى ذلك على سواد نفس أسلوب الحياة من زراعة ومسميات قرى ومدن ، والإستقرار ، والعلاقة بالارض.
وأوضح أيضا من ضمن الكثير مما فتح بصيرتنا ، أن الأجناس العربية التى دخلت إلى السودان ، لهى قليلة العدد وتعيش بنفس أسلوب حياتها البدوية ويحترفون نفس حرفهم التى أتو بها ، وذلك ضمن الكثير من المواضيع الأخرى ، المفيدة جدا.
وأسمحوا لى أن أضيف أيضا ، أنه لم يحدث فى التاريخ أن أقدم قوم مهاجرون على تغيير التركيبة العرقية وقضوا على ثقافات وحضارات عن بكرة أبيها ، كما يدعى فى السودان ، فالبيض المهاجرين إلى أمريكا ، لم يغيروا من سلالات وأنساب القبائل الأصلية ، والدليل أن اللاتينيون موجودون إلى اليوم ، والأنجليز عملوا وإستعمروا مساحات واسعة من يابسة الكرة الأرضية ، ولم يضيفوا لأنفسهم شعوبا أخرى ، ولم يتمكنوا من تغيير حتى سلالات الهنود تغييرا جذريا ، فحتى الذين هاجروا لبريطانيا ظلوا هناك هنودا بريطانيين. . والدينكا تزوجوا مع المسيرية بكثافة ، ولم يترك ذلك كبير أثر ، فما زال الدينكا دينكا ، والمسيرية مسيرية. وقبيلة الفور تزاوجت مع عدة قبائل فى محيطها الجغرافى وخارجه ، ولا أظنهم تبدلوا.
ثم أن العرب دخلوا الأندلس ، وعاثوا فيها فسادا ، ومع ذلك لا نر اليوم عربا أسبان !! ومن قبل دخلوا بلاد الفرس وحطموا أيوان كسرى ، وإيران اليوم ما هى بعربية . ومن قبله دخلوا بالاسلام أرض الحبشة حتى قبل أن ينشروه فى جزيرة العرب ، وظل الأحباش أحباشا .. فلماذا ؟؟؟
هل أرسل إليهم المخصيون ، أم ماذا ؟؟
إوتمكن العرب من كنس الشمال النيلى ، وإفراغه من أهله ليسكنوه ويعمروه ؟؟
ثم يرثوا الثراث ويتعلموا ويجودوا التقاليد الزراعية ، بل ويتفوقوا على من ورثه منذ عدة آلاف من السنين ،، فى الوقت الذى يعانى فيه أسامة عبدالله ويتلقى أشد اللعنات جراء إقدامه على تهجير قبيلة شمالية صغيرة لبضع كيلومترات ؟؟؟
حتى الحلفاويون الذين هجروا إلى حلفا جديدة ، لم يتمكن أحد من أستئصالهم كليا من حلفا القديمة ، ولم يقدم أحد على الإستيلاء على حلفاهم القديم . فكيف فعلها العرب بحق الجحيم ؟؟
كيف أستولوا على أرض النوبة ؟؟ كيف؟؟
كيف أبدلوا شعبا بشعب ؟؟ كيف ؟؟
وإلى أى جهة تم تهجيرهم ؟؟
وما حجم القوة التى تمكنت من قلع شعب من جوار النيل قلعا وتبخيره تبخيرا ، بحيث لم يعد لهم أثر ؟؟
دعنا من هذا العبث ، فسكان الشمال النيلى الحاليون هم سكانه الأقدمون ، وهم النوبة ، وهم أصحاب الأرض والحضارة ، وهم بناة الأهرامات ، وهم المسيحيون الأوائل .
أى نعم ،، هم كل ذلك ، وأفضل من ذلك ، ولكنهم قرروا إلقاء كل هذا المجد والعزة جانبا ، فتسنموا قيم البداوة ، وتبنوا تأريخا فقيرا لا يسمن ولا يغنى من جوع ،، والأسوأ من ذلك تنسيب علومهم وثقافتهم وقيمهم التى بنيت وترسخت عبر القرون ، إلى من كانوا حتى وقت قريب هائمين على وجوههم فى الصحراء ، ناظرين إلى ما تفاء إليهم من خيرات الحضارات الأخرى محمولة على ظهور قوافل البعير …
لا بد أن ملابسات وظروف إنقلاب الهوية فى شمال السودان ، كانت قاهرة ، ومذلة للغاية ، مستمرة ومتصاعدة ، ولابد من أن القوة الدافعة لهذه العملية فى حالة أزدياد مضطرد ، بحيث تدفع وتزيد من عجلتها بإستمرار وتجدد طاقتها التدميرية مع التقادم.
يؤسفنى القول أن حملات الفتوحات الإسلامية ، وسلوك الجند ، والحكام الذين نصبوا على الولايات ، قد أصابوا قليلا ، وأخطأوا فى الكثير والكثير ، فسقطت من جرائها الحضارات الإنسانية ، وجراء وصاية أفراد وجيوش من شعوب بدوية إرتزاقية رجعية ومتخلفة ، على أمم مستقرة ، متحضرة متمدنة ومتطورة ، على خلفية فرض شروط إستسلام تعسفية ، لم يسبق لها مثيل ،، لقد كانت عمليات نقل السلطة إلى الحكام الجدد ، أقرب إلى نحر الحضارة منها إلى التعاون والبناء وتبادل المعرفة.
وحتى لا نتهم بالتجنى على أحد ، سندع الوثائق تتحدث ، فإقرأوا بأنفسكم العهدة العمرية للشام ومصر على الرابط التالى : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=232514
أو أبحثوا فى قوقل عن (نص العهدة العمرية فى مصر).
وليتفضل علماء السلطان ، الإتيان بالنصوص القرآنية المؤيدة لأى من بنود هذه الوثيقة القهرية الإذلالية ..
وإلى أن يفرغ هؤلاء من عملهم ، نتناول أتفاقية البقط الإستسلامية الخاصة بنا ، والتى وقعت عام 31 هجرية ، وأقتبس منها بعض الفقرات لخدمة الموضوع :
(نص)
بسم الله الرحمن الرحيم. عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته عهد عقده على الكبير والصغير من النوبة من حدّ أرض أسوان إلى حدّ أرض علوة
أنّ عبد الله ابن سعد جعل لهم أمانًا وهدنةً جارية بينهم وبين المسلمين ممن جاورهم من أهل صعيد مصر وغيرهم من المسلمين وأهل الذمّة إنكم معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن لا نحاربكم ولا ننصب لكم حربًا ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم
على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه وعليكم حفظ من نزل بلدكم أو يطرقه من مسلم أو معاهد حتى يخرج عنكما وإنّ عليكم ردّ كل آبق خرج إليكم من عبيد المسلمين حتى تردّوه إلى أرض الإسلام ولا تستولوا عليه ولا تمنعوا منه ولا تتعرّضوا لمسلم قصده وحاوره إلى أن ينصرف عنه
وعليكم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم ولا تمنعوا منه مُصليًا وعليكم كنسه وإسراجه وتكرمته
وعليكم في كل سنة ثلثمائة وستون رأسًا تدفعونها إلى إمام المسلمين من أوسط رقيق بلادكم غير المعيب يكون فيها ذكران وإناث ليس فيها شيخ هرم ولا عجوز ولا طفل لم يبلغ الحلم تدفعون ذلك إلى والي أسوان وليس على مسلم دفع عدوّ عرض لكم ولا منعه عنكم من حدّ أرض علوة إلى أرض أسوان
فإن أنتم آويتم عبد المسلم أو قتلتم مسلمًا أو معاهدًا أو تعرّضتم للمسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم بهدم أو منعتم شيئًا من الثلثمائة رأس والستين رأسًا فقد برئت منكم هذه الهدنة والأمان وعدنا نحن وأنتم على سواء حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين علينا بذلك عهد الله وميثاقه وذمّته وذمّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولنا عليكم بذلك أعظم ما تدينون به من ذمّة المسيح وذمّة الحواريين وذمّة من تعظمونه من أهل دينكم وملتكم الله الشاهد بيننا وبينكم على ذلك.
كتبه عمرو بن شرحبيل في رمضان سنة إحدى وثلاثين.
(أنتهت الوثيقة !!)
أى عزة !! وأى كرامة ترونها فى هذه الإتفاقية ؟؟
دعنى أستنطقها بطريقتى الخاصة :-
أيها النوبة لقد أتينا إليكم طلبا للرجال لبناء الجيوش ، وعليكم العمل على أصتياد وجمع العبيد وتسليمهم لنا سنويا دون الألتزام بربط معين ،، وعليكم القبول بالإستنزاف السنوى لثرواتكم وكرامتكم وعزتكم وآدميتكم ، وعليكم الإلتزام الحرفى بذلك حتى إن دعت الضرورة إلى تسليم الأبناء والأمهات والأخوات.
هل تشتمون من هذه الوثيقة أى رائحة لدعوة إلى الدخول فى دين الله ؟؟
هل دخل العرب إلى السودان لنشر الإسلام حقا .. أم من أجل المال والسلطة ؟؟
هل إطلعتم على وثيقة مماثلة فى التاريخ الإنسانى كله ، هل تجرأ اليهود ، والكفار ، والوثنيين ، وعبدة الشيطان ، وشياطين الأرض قاطبة ، من إقرار شيئ كهذا ؟؟ لقد تم تمريره بكل أسف بإسم الإسلام ، حتى إن غاب أى أثر لأخلاق الإسلام.
والآن .. ما رأيكم وقد إطلعتم على الوثيقتين ، وقد إبتعدتا تماما .. عن روح وأساسيات الدين الإسلامى..
ليس لدى أدنى شك ، أن الدين الإسلامى بريئ برآءة تامة عما فعل بأهلنا تجار الدين الأوائل ،،، الإسلامويون الأوائل ، علماء السلطان الأقدمين ، فإنهم بفعلتهم هذه ، قد كرسوا لأنشطة صيد وتجارة الرق ، وأسسوا للإستغلال ، ووتروا العلاقات بين شعوب السودان ، وأنشأوا قاعدة جديدة مفادها (لأن ندعكم تعيشون ، فلا بد أن تقدموا لنا قرابين بشرية) فأضحت مهن كالزراعة والرعى والبناء وتنقيب الذهب وصهر وتشغيل المعادن لا تلبى حاجة المستعمر الجديد ، بل المطلوب منكم أيها النوبة .. أشياء أخرى .
إزدهرت تجارة الرقيق بفضلهم ، فأصبحت مهنة قائمة بذاتها ، وهذا ما مكنت بلاد النوبة من أن تتربع على عرش أكبر مصدرى العبيد فى العالم.
وهذا ما يبرر تورط وإنشغال الكثير من النوبيين بها فيما بعد .
وهذا ما كرس فى الأذهان ، قاعدة النوبى البواب ، أو حارس الجنان والخزان ، أو المخصى المسئول عن حراسة الجوارى فى بلاط السلطان.
وهذا ما رسخ فى الأذهان صورة المهرج النوبى القزم ، الذى يلاعب القرود والكلاب فى حضرة الملوك.
وهذا ما غيب الثقة بين مكونات الشعب السودانى فى أرض حضارة كوش.
وهذا ما أضعف من نفوذ أى سلطة ، وأجهض أى محاولات لإعادة مجد الدولة النوبية التى تورطت حد التخمة فى ممارسات صيد وبيع حتى النوبيين أنفسهم ، ناهيكم عن غيرهم . فأنى تدوم لهم السلطة والمجد والنفوذ ؟؟
أما الغزاة العروبيين ، فلم يكن لهم هدف من دخول البلاد خلاف ما سبق أن عقدوا العزم عليه ، فقد حصلوا على أكثر مما توقعوه فى دنقلا بعيد الإتفاق ، إذن فلا حاجة لهم من التوغل إلى الأدغال طالما هناك من سينوب عنهم فى أداء المهمة.
ماذا ؟؟؟ أظننى أسمع تقولون !! أتقولون نشر الإسلام ؟؟
كلا .. فلا طائل ،، ولا مصلحة لهم فى نشر الإسلام ، بل أن أنتشاره بمقتضى الحال ، يمكن أن يضع أمامهم عقبة كؤودا ماهم بحاجة إليها ، ذلكم أن الإسلام سيحرم عليهم دمهم ومالهم وعرضهم .
إذن .. فليظلوا مسيحيين ووثنيين كما هم ، ولنحظ نحن وحدنا بميزة الإسلام ، أو كما يعتقدون.
هذا ما كان فى شأن تجار الدين ، الذين نلعن المعاصرين منهم ، ونتجاوز عن سوءات الأقدمين .
فهذى نبات بذورهم المرة ، وبين يديكم حجم ما أحدثوه من دمار لو تنظرون. ولو تعرفون !!
فإذا عرف السبب بطل العجب !! وقد عرفنا السبب !! فليعذرنى القارئ على هذه الصراحة ، التى رأيت فيها الضرورة.
من ذاك الوقت توالت سلسلة الإنهيارات والإنكسارات.
فالسماح من بعد ذلك بهجرة العرب إلى أرض النوبة مقيمين وعابربن ، بدلا عن عابرين غير مقيمين.
ثم نقل التجربة بحرفيتها إلى إتفاقيات بقط مصغرة بين النوبة والنوبة ،،، والنوبة ومن جاورهم من الشعوب الأخرى.
فغرق السودان كله ، نوبة وغير نوبة ، بيض وسود ، قبائل دارفور وكردفان ، جنوبيين وشماليين وبجا ، كلهم غرقوا حتى مناخيرهم فى عمليات صيد ونقل وبيع وشراء الرقيق ، ولا أحسب أن قبيلة سودانية واحدة قد أفلتت ، ضحية كانت أو معتدية.
لقد أثرت تداعيات تآكل وإنهيار وإنفراط عقد الدولة النوبية بهذه الصورة الدراماتيكية ، على إمكانية التعافى وعودة الثقة بين مكوناتها ، وإمتداداتها ، ودائرة نفوذها ، فأصبحت عملية إستعمار .. فإعادة إستعمار السودان مهمة سهلة ، فنحن من نعين على تحقيقها ، فما على الغازى إلا القدوم بجيش قليل ، ليتولى السكان المحليين بأنفسهم مشقة فتح بلدهم للأجنبى الغازى .
( حقا إنه قزم غريب !!، ولكنه قبيح لا يسرني أن اقتنيه !! ، إن هذا الحوار بكل ما يتضمن من تعابير واستعارات للرجل النوبي الأسود لا يحتاج الي تفصيل إذ أنه يتحدث عن نفسه. لقد صار النوبى فى الرواية العربية استريوتيب وصورة نمطية للقباحة والغباء.) أو كما قرأ د. محمد بدوى مصطفى ، من بين سطور رواية لنجيب محفوظ ،، إنه الخراب الشامل أيها السادة والسيدات ، خراب فى الداخل ،، وخراب وسمعة سيئة ومكانة حقيرة فى الخارج.
لقد مات فينا حدس الوطنية منذ فترة طويلة ، ويمكننى المغامرة بالقول أن الوطنية لم تكن معروفة لدينا يوما ، حتى أن الحركة الوطنية قبيل الإستعمار التى كانت تنادى بالإستقلال ، كانت تفعلها بشروطها ،، وإن شئتم .. بتوضيحاتها ، فما كان مسموحا إلا أن يتربعها كرام المواطنين ، والمذكرة المحبطة بعيد ثورة اللواء الأبيض 1924 خير دليل.
وتضامن قبائل على القضاء على الثورات المناوئة للاستعمار التى أشعلتها بعض القبائل السودانية لهو دليل آخر.
وخذلان قبائل السودان للمك نمر فى ثورته ، ومن ثم هروبة إلى جبال الحبشة ، وسخرية القوم منه رغم بطولته ، لأمر مثير للدهشة. فلا الجعليون سلموا من تبعات خذلانه ، ولا باقى باقى قبائل السودان سلمت من دفع الثمن.
حتى أن عملية تقسيم السودان لدولتين مرت بسهولة محيرة ، وكأن الأمر لم يكن مهما وخطيرا جدا ، وكأننا نبرر لأنفسنا أن الأمر ليس بجديد ، وغدا إن أتى الدور على دارفور سيمر أيضا دون أى ضجيج .
ما يثير إعجابى ، أن النوبيين يرسلون بين الحين والآخر ، إشارات أعتبرها من كوامن عقلهم الباطن ، فتجدهم يبدون العزة والثقة بالنفس أحيانا كرد فعل تعويضى ، فيتحفظون على سلوكيات البداوة تارة ، ثم ينكسون على رؤوسهم فيماهونهم فيما هم فاعليه !!
أما نيقرز … أولاد عرب !! أو من نطلق عليهم ذلك إصطلاحا ، فإنهم من يبدون العزة والثقة بالنفس حاليا ، كرد فعل تعويضى عن المظالم التاريخية التى قبرت بالحضارة السودانية ،، فالحقوا بهم قبل أن ينكسوا على رؤوسهم ، فيعودون إلى تماهى الأعراب.
وفى الختام .. دعنا نسألكم أيها السادة الكرام ، عن رأيكم فيما إطلعتم عليه فى شأن العهدة العمرية ؟؟
ولنا عودة ..
أبكر يوسف آدم
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.