القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عجّال (الرأسمالية الزراعية والتجارية السودانية والمنتج الصغير) لاقَنْ
نشر في حريات يوم 20 - 02 - 2013

تفاكير حول كلمة الصادق المهدي فى الجبلين فى فبراير 2013
توطئة:
استمعتُ اولاً ثم قرأت لاحقاً كلمة السيد الصادق أمام جماهير مناطق مدينة الجبلين المجروحة مرتين والملدوغة “من جحرين مرات عديدة” كون أهلها اغتيلوا خنقاً مرة فى منتصف الخمسينات (عنبر جودة) القريب من الجبلين ثم لُدغتْ مرات فى التسعينات فى مذبحة الجبلين.
منطقة الجبلين كما سائر المناطق الحدودية بين السودان الشمالي والجنوبي منطقة واعدة حُبلي بالتنوّع ، متعدّدة ومتداخلة ثقافياً وأثنياً وهى غنية وفخورة بذلك ؛ تشهد ذلك فى الاحياء والاسواق والاعراس بل تلمسه بحواسك الاخري لو أردت.
هذه هى المدينة التى ألقى على جماهيرها السيد الصادق كلمته يوم الجمعة 15 فبراير 2013.
أهدف فى مداخلتي بذل تعليق متأمّل وناقد لكلمة السيد الصادق المهدي الذى استوقفتني بمجازها الكثيف ومزاجها و”رَقَشتها” البلاغية التى طالما تفتقد الى استراتيجيات وخطط واضحة على ارض السياسة السودانية الضايرية الدموية الوعِرة. لى علاقة نوستالجية خاصة تربطني بذلك الإقليم الذي كان بمثابة حديقة خلفية تمتد من ربك وكوستي جنوبا حتى جودة والجبلين ومنها المقينص حيث الزراعة المطرية الآلية والصمغ والإصلاح الزراعي ورفقتنا السمحة المتسامحة من عيال جنوب النيل الأبيض فى كوستي القوز الثانوية وطعمية الهوسا وسمك النيل الأبيض ؛ ثم حلم تبخر عن كتابة بحث عن علاقة الإنتاج فى مؤسسة دائرة المهدي فى الجزيرة أبا وحدائقها الخلفية وطلاب الخلوة القادمين من غرب السودان بكافة اثنياته لحفظ القرأن وبصفة إزدواجية مخترعة ومقدسة كعمال/طلاب فى مزارع القطن وبساتين الفواكه من يوسف افندي ومنقة وجوافة وبرتقال أُعدت للسوق المحلي والإقليمي. هذا هو الخيط النوستالجي الخاص الذي يربطنى بالأنصار وحزب الأمة (كبقية ابناء وبنات الجزيرة ابا) خاصة من هاجر مادياً او رمزياً نحو أفكار نقدية تتعلق بالعدالة الاجتماعية والبحث عن رؤية لا تعيد إنتاج “بلادة الريف” على حد تعبير ماركس الذى ساقه لتسويغ غزو حداثة راس المال الاستعمارية التنويرية ايام افتتانه به. كان من رأي ماركس اهمية ذلك الغزو الحداثي وضرورته لتبديد بلادة نمط الإنتاج الآسيوي عبر مجاز القطار (كرمز للتقنية البتّارة حينئذ) الذى ما ان يشق فيافي الهند ويضيء ديجورها حتى تختفي البلادة وود ام بعلو ، ويادار ما دخلك شر او كما قال مولانا ماركس. ذلك مقام أخر ومحكية أخرى.
“لا للحرب” شعار الراسمالية الزراعية والتجارية القديم
أمّا بورصة الاسلحة حمّالة الحطب شعارها “نعم للحرب” وتأجيج النزاعات:
سأبدأ بإقتباس من كلمة السيد الصادق يقول فيه:
اقتباس:
“إن في البلد الآن حزب حرب في جوبا وحزب حرب في الخرطوم، هؤلاء يريدون أن يتقاتلوا ؛ نحن حزب السلام نريد أهل السودان يتفقوا لنقيم السلام لأن مصلحتنا في السلام، وأي من يريد تعبئتكم للحرب أو سوقكم للحرب قولوا لا لا لا. نحن لا بد أن نأخذ موقفا واضحا: لا للحرب نعم للسلام ، لا للحرب نعم للسلام، لا للحرب نعم للسلام. وكما تعرفون فإن مصالحنا مع أهلنا في الجنوب كثيرة: المراعي، والمزارع، والتجارة، وبيننا وبينهم البترول، وهذه كلها مصالح مشتركة بيننا وبينهم …. ونحن ما شين إن شاء الله نهزم حزب الحرب في الخرطوم وحزب الحرب في جوبا ونقيم حزب السلام في السودان”
انتهى الاقتباس
لاحظ معى هنا وضوح صوت الرأسمالية السودانية الزراعية والتجارية (الوطنية؟) بما فيه اشواق الرعاة والمزارعين وبقية المنتجين الصغار فى الاقتباس كون مصالح وموارد تلك الطبقات وأسواقها قد شلّعتها واستحوذت عليها عصابة الطفيليين المتأسلمين الجدد .
صيحة “كو للحرب نعم للسلام” كانت شعار الراسمالية الزراعية والتجارية الوليدة (التى كانت تسمي بالبرجوازية الوطنية الاسم الذى استشكل فيما بعد حين اوغل راس المال كوكبياً وتشبّكت علاقاته) فى عقود الخمسينات والستينات واوائل السبعينات وربما بُعيدها حيث كان واقع الراسمالية التنافسي يتيح قسمة ضيزى للزلابية بين الحلفاء العقلانيين وشيئ من حتى للشغيلة والمزارعين والمنتجين الصغار وذويهم.
ضمن ذلك المشهد لم تضطر القوي الحاكمة المتنفّذة فى الارض الى استجداء السماء واستحلابها دجلاً وكجوراً باسم التبيعة (وليس الشريعة كما اسماها السيد الصادق هنا) . اما اليوم لم تكتف قوى الراسمالية الطفيلية باستدعاء السماء وحدها وإنما ندهت تلاتين ألف جندي أجنبي واستقبلتهم ليذودوا عن حِمى النفط ويديرون أزمات خرابها فى الهامش الجغرافي ويجودون بشييء من فتات لمعسكرات اللجوء ويغمرون الأسواق بالأسلحة بين صيحات الجهاد وشعارها العزيز “نعم الحرب”.
انتشرت الأسلحة الخفيفة والثقيلة إزاء صيحات الحرب فى جميع اقاليم السودان وضمنها المنطقة التى يتحدّث فيها السيد الصادق. مع انتشار اسواق الاسلحة رسخّت سياسات المؤتمر الوطني ثقافة الفرقة والتفريق والتشظّي واستخدام قبائل الهامش لخوض حروب المركز نيابةً عنه ضد حملة السلاح من الهامش. ولقد كان السيد الصادق اول المبادرين باشعال ذلك الفتيل على ايام قوات “المرحّلين” القبلية وليس بعيداً من جنوب النيل الابيض. ليس من البلاغة فى هذا الواقع ان يبيع الصادق المهدي خطاب على شاكلة “تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ” و”حُسْنُ الْخُلُقِ وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ” اللهم الا على سبيل الفهلوة والإستهبال السياسي.
يتحدّث السيد الصادق المهدي هنا عن المركز بعلامة المركز الجديدة ورمزه التى لاتغبى على هؤلاء الحدوديين المهمشين الذين امامه والذين نشأت حركات الهامش المسلحة من بين ظهرانيهم. والعلامة التى اقصدها هنا هى انه يخاطب “الخرطوم” كعلامة زمكانية جهنمية وكأنه يود إبعاد نفسه عن سوءتها فى قوله: “نهزم حزب الحرب فى الخرطوم” . ثم زمكان جديد: “وحزب الحرب فى جوبا”.
اعتقد ان الصادق المهدي يستخدم مفردة “الخرطوم” لاول مرة وفى ظنى انه التقطها من الاعلام الغربي الذي يسمّي الحكومات بالعاصمة وليس بحزبها الغالب او ايدلوجيتها. لابد ان السيد الصادق وحزبه استعدا جيدا لهذا اللقاء بعد ان استمع لكوادر حزبه هناك حيث مشاكل الجنوب الجديد والتى ستتجاوزه الى قوى جديدة ثائرة ان لم يسمع نبضها وإيقاعها… تلك ارض بكر تشكو فيها قواعد حزب الأمة القديمة طوب الأرض فى مفترق طرق الدمار الاقتصادي والاجتماعي العظيم. قواعد لها مصالحها اليومية فى السلام عبر الحدود وتتوغل بشريا بسعيّة (مواشي) او بدونها نحو قلب اراضي الجنوب تبيع وتشتري وتمشي ضرباً فى أسواقها وتزرع الأرض ذرة وبامية ولوبيا.
لم تنتظر الحشود التى تقف امام السيد الصادق ان يبرّر لها استهداف السلام بقوله “عشان تؤمّنو بهايمكم عشان تؤمنو مصالحكم ومزارعكم” فهم أدرى بشئون دنياهم ولكنها تريد مخرجاً موثّقاً يوقف سياسات سلطة حرمتهم من حريات اربعة او خمسة كانت جزءاً من سبل كسب عيشهم. هذا هو السياق الموضوعي الذى تحدث فيه وحوله السيد الصادق وفى ظل زوال هيبة الدولة واهمالها لمصالحهم القديمة.
يبدو ان حزب الامة انتبه اخيراً بوار سياسة التقسيم المبنية على الاثننة والعرقنة (اقرا العنصرة او “الأنْسَرة” بلغة الراندوك) وان االحل سيكون متجاوزاً خديعة ألوان البشرة واوهام هوية اللون ويتركز فى الاجتماعي والمصلحي بعيدا عن القبلية فى تلك المناطق التى يستعر فيها صراعاً طبقياً ضارياً .
واضح ان المؤتمر الوطني ، على الضفة الاخرى ، بعد ان ظن ان سياساته العنيفة الدموية قضت على شوكة القبائل التى نمطتها سلطتة المهيمنة ب”الأفارقة” والزنوج ؛ لجأ الان الى كسر شوكة القبائل البدوية التى حاولت خداعهم بتجييشهم كقبائل عربية لها حق مطلق دينى فى بادئ الأمر. وحين قضت حكومة المؤتمر وطرها منهم سامتهم سوء الإهمال والعذاب حيث الموارد والذهب. ضمن هذا السياق أشعلت السلطة الحاكمة الفتنة بين بنى حسين والرزيقات فى شمال دارفور وبين ابناء العمومة وخشم البيت الواحد فى جنوب كردفان. وبعد خراب سوبا تيقّن السيد الصادق ان الاجتماعي والمصلحي (اقرأ الطبقي) هو مايجب الانتباه اليه.
فى نكران بائن لثقافة التضامن العالمي وحكمتها الانسانية يقول الصادق المهدي “أي منطقة فيها خلاف تسند الخلافات لمفوضية عقلاء حكماء ويعطوهم زمنا كافيا فهذه المشاكل لا تحل في لاهاي ولا في نيويورك بل تحل هنا في المناطق التي بها خلاف يجلس القبائل ويتفقوا فيما بينهم”. لا جدال فى اهمية وضرورة الحكمة المحلية فى بسطام ولكن طرحها فى هذا السياق كحق أخشي الا يُعمّم ويراد به باطلاً كونى اسمع الحديث عن العامل الخارجي يتردّد كثيراً فى ادب حزب الامة مثله مثل بروباغاندا المؤتمر الوطني. تُرى لماذا ذهب الصادق المهدي نفسه الى مصر والدول العربية ليتوسط بين الحركات السياسية؟ هل غابت الحكمة المحلية هناك؟ ام انها الحوجة الى وسيط موثوق به. نعم للحكمة المحلية والتضامن العالمي وكلٌ فى سياقه غير ان الموثّق ان السودان لم ينفتح على الخارج اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً وتقنياً ولم تكثر فيه الخوذات والشركات الاجنبية اكثر من السودان المعاصر فى العقدين الفائتين.
ملاحظة اخرى انى انتبهت فى كلام الصادق المهدي الى نص معطوف على الاسلحة والحروب فى قوله “صحيح تربيتنا جهادية”. لا أشك ان هذا ربما يضمر تكتيك واستعراض عسكري مؤقت وفى هذا خير. أمّا كل الشر يكمن فى احتمال وارد هو تسويغ إعادة كتابة تاريخ السودان ومسخه وكأن هذه المنطقة كانت فضاءً خالياً من الناس والثقافة والتاريخ ثم بدأ تاريخها بالحضور الجهادي
الذى يشمل خناجر ومعاول بدأت تهدم أضرحة الصوفية. انطلاقاً من ذات التربية الجهادية وخطابها عشنا تكفير كثير من السودانيين بعد اعدام الاستاذ محمود وعلى السيد الصادق ان ينتبه فربما تلتهمه ذات النيران التى يلعب بها بوعى او بلا وعي.
أفندية الخرطوم (الطبقة الوسطى العربسلامية):
يقول السيد الصادق “الموجودون في الخرطوم هؤلاء “أفندية” لا يدركون هذا الكلام ولا يفهمون هذه المصلحة ولذلك ماشين في خصومات لا معنى لها”. كان الاحرى بالسيد الصادق وهو خبير عارف بدنيا راس المال وما يجري فى الخرطوم وطبقاتها وشرائحها واثنوغرافيتها مما جميعو؛ اقول كان الاحرى به ان يشير الى اسماك الخرطوم الكبيرة وتحالفاتها مع رؤوس الاموال العالمية ويدع لنا الاسماك الصغيرة من أفندية فى طريقها الى العالمية. لا مغالطة ان الخرطوم (اقرأ العاصمة) أصبحت مدينة بها جيوب منظمة من الافندية القدامي وآكلي جميع موائد الجمبري وأفخاذ مدلّكة من فئات وشرائح محلية تعيّشت على قطاع الخدمات تتغدى باسماك اخرى وتثرثر على شاشات مواقع التواصل الاجتماعية ونعماء الملتيميديا ولها فى سلطة الفساد مآرب اخري. ليت الصادق المهدي يترك هذا التطفيف وطَعْن ظل الفيل جانباً ويشير الى الحليف الراسمالي الأكبر من وزراء ترسملو ورأسمالية تجارية طفيلية ومصرفية وعقارية مشت “غادي” الي دبي تغسل الأموال غسلا وتمصمصها وتكويها فى عقارات دبي ومليزيا ثم تدخرها فى بنوك دار الكفر.
نوستالجيا الرأسمالية الوطنية :
يقول السيد الصادق المهدي فى كلمته فى الجبلين “لا بد من أن تكون هناك علاقات إنتاج تقوم على مصلحة صاحب المنطقة الذي يعيش فيها، لأن صاحب المنطقة الذي يعيش فيها لا بد من أن تؤمن مصلحته قبل مصلحة المستثمر (الجاي من غادي) وهذه كلها معان إن شاء الله عاملين وسنعمل من أجلها.”
لا أريد ان العب على مزايدة فى رؤية الصادق المهدي المشروعة هنا فى إصلاح علاقات الإنتاج ولكن لابد من استشكال صورة المستثمِر الغريب الأجنبي “الجاي من غادي” ؛كون الغادي اصبح “هنا” بفعل ثورات التقنية والاتصالات والشركات متعددة الجنسية ودا فايت أضان السيد الصادق المهدي من غادي!
المحك هو ماهى استراتيجية الصادق المهدي إزاء الرأسمالية المحلية المستثمرة فى الخدمات من تعليم وصحة وفى مقدمتهم جنرالات الأمن والجيش والولاة/المستثمرين فينا براسمال مادي ورمزي ؛ وماذا نفعل بحلفائهم ناس مأمون حميدة الوزراء/الرأسماليين . لقد ذبح الشعب السوداني لهؤلاء الضالين الملهوفين زرزر والزرزر ماكفاهم وذبح لهم كثير من الموارد والانفس والثمرات وهذا يكفى.
أوساخ الدين واوشابه:
يطرح السيد الصادق المهدي لأهل الجبلين ويصرف للحضور العموميات المجانية التى انبهلت فى سياق الانحطاط الاسلامي العام وتجاوزها الفكر النقدي الاسلامي ومنها اسلام صافٍ ونقي وبلا اوساخ فى قوله “نحنا ان شاء الله نعمل على تطهير ديباجة الإسلام من هذه الأوساخ” ثم يقول “انحنا ماشين فى تطهير الدين من كل هذه الأوساخ والاوشاب الحصلت ان شاء الله عشان تكون ديباجة الإسلام زى الاسلام صافي ونقي ويسترد الإسلام فى السودان بريقو ووضعو دا ان شاء الله الناشئين فيهو”. وهذا لا يمكن ولايجوز فى كنف الدولة الدينية. الحديث عن اسلام نقي وصافٍ لن يكون حتى داخل قلوب الانبياء والرسل . ألم يقل أحدهم “عسى أن يطمئن قلبى”؟ فما بالكم بالعباد الفقراء!! لماذا نتيح للانبياء الكذبة المستثمرين فرصة الاستثمار فينا ليسومننا العذاب والربا والفساد ويخربون بيوتنا. نحن أدرى بامور دنيانا فدعونا نجلس ونتحاور ونتفاوض بعيد عن تخويف الدين وتسليط سيوف نصوصه حمالة الاوجه.
ثم ان من يطلب او يدّعى اسلاماً صافياً نقياً لابد أنه يريد فصل الدين من الدولة والحكومة حتى يكون الاسلام نقياً وصافياً لله وما للملك والامبراطور والرئيس وبطانته واحزابه لهم وحدهم. اما فصل الدين من السياسة فلا أحد يبغاه فقد عاش الانسان واستقوى او تم استهوانه بذات الاديان كون المحك يكمن فى الحرية وابعاد القهر والاستبعاد والاستعباد الذى يصدر من السلطة ومركزيتها.
شعار “الشعب يريد اسقاط النظام” لا يتعارض مع “الشعب يريد نظام جديد” بل يكمّله:
بدأت هتافات عيال الأنصار وهم فى الغالب خريجو الجامعات العاطلين فى لقاء الجبلين هكذا: “الله أكبر ولله الحمد” و “الشعب يريد إسقاط النظام” ثم أعقبها هتاف “حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب” . الهتافان الاخيران شعارات محببّة مسموعة فى مقاومات المدن الكبري فى المراكز . يبدو ان الامام السياسوي العلمانوي لايريد ان يبرح مربّع اللولوة فأراد أن يبطل هتاف “الشعب يريد اسقاط النظام” كهتاف مناهض لاستراتيجيتة الاصلاحية مع النظام وضمنها بالتأكيد مشاركة إبنيْه فى الآلة التنفيذية وفى أمن النظام وقيادته فأتى بشعار اصلاحي جديد ظاهره الثورية وهو شعار “الشعب يريد نظام جديد” وليس اسقاط النظام فقط كما فى حراك الربيع العربي. واضح ان ما أتى به الصادق المهدى لا يعارض او يتناقض مع شعار اسقاط النظام الا من باب ان الشعار الاول مباشر ودُغرى ولذلك سعى للفهلوة واللولوة ومسك العصاة من “النُص” وركوب السرجين ومحاولة فرملة شعار اسقاط النظام القاطع كون شعار النظام الجديد به غموض يقبل احتمال تغيير الاوجه والشخصيات مع بقاء الجوهر. الاستقامة والمبدئية تحتّم على الصادق المهدي ان يؤكّد للجماهير انهم ليس فقط مع اسقاط النظام ولكن حزبه يريد الاتيان بنظام جديد وهذا لايتناقض مع اسقاط النظام وانما يؤمّن عليه.
ملمح آخر يفضح استقامة خطاب الامام ويشكّك فيه هو وعده فى سياق انهيار التنمية وعلاقات الانتاج ومشاريع السكر فى المنطقة بعبارة تشئ وكأنه داخل النظام وخارجه فى قوله:”هذه كلها معان إن شاء الله عاملين وسنعمل من أجلها”. نتساءل بمشروعية مُغرِضة: هل يتحدث هنا الامام عن الصادق المهدي المعارض ام نصفه فى السلطة الحالية؟ هذا من باب الانسجام المبدئي والموقف الأخلاقي الذى لن تستقيم بدونه الأشياء الدينية والعقلانية والعلمانية معاً كون الاستقامة صِنو الفعل المسئول والأخلاقي.
فى الختام أطرح ملاحظة ذات صلة ان تظاهرة بهذا الحجم جامعة معبّرة وغفيرة وفى الشارع العام لن يسمح بها الامن فى العاصمة (حيث الفضائيات) وسيسوم اهلها سوء العذاب.
فى الختام نقول ان حراك مقاومات ومعارضات متنوعة وفعّالة فى الهامش الجغرافي ومدنه الريفية وعنيفة لغاية الصراع المسلّح على قفا من يشيل وعلى كل من يُلق السمع وهو شهيد وهى أكثر انسانية وانسجاماً أخلاقياً وحضوراً واستمرارية وهى جديرة بلا شك بانتاج وتخليق قيادات أكثر الهاماً وذات إشراق.
وفى مقاربة المركز (الحضرى هنا) بالتخوم السودانية من جهة مع المركز الكوكبي الاوروامريكي يجوز أن نتساءل معاً : ما الذى جرى لهذا الفضاء والزمكان؟ هل نحتاج لتحليل سايكلوجي ايدلوجى اثنوثقافي جريئ يقارب ظاهرة الاهتمام الاعلامي الظاهر بكلب او قطة وقعت فى بئر فى المركز الاوروامريكي حيث الانسان وحيواناته تكتسب قيمة حضارية افتراضية ، اما انسان التخوم موعود بتجويع وحمامات دموية وابادة !!
هامش:
يوجد فيديو اللقاء فى هذا الرابط:
http://m.youtube.com/#/watch?v=W-3zP25xOrM&desktop_uri=%2Fwatch%3Fv%3DW-3zP25xOrM


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.