في يوم واحد، وجد مسؤولو مركز استقبال اللاجئين الإثيوبيين في حمدايت السودانية أنفسهم أمام محاولة انتحار لاجئ إريتري وحالة ولادة للاجئة إثيوبية مصابة بالإيدز، وهو ما يبرز التحديات التي تواجه السودان المنهك جراء حرب تيغراي. وحمدايت نقطة حدودية على بعد حوالي 300 كيلومتر شرق مدينة القضارف السودانية، تلتقي عندها حدود السودان وإثيوبيا وإريتريا.
وعن كثب يتابع يعقوب محمد يعقوب مدير مركز استقبال حمدايت تقارير الصحافة المتعلقة بالحرب التي يشنها الجيش الفدرالي الإثيوبي على إقليم تيغراي، خوفا من تحول الصراع ذي الطابع العرقي إلى حرب إقليمية تشمل إريتريا.
ويقول يعقوب الذي كان مكتبه محاطا بعشرات اللاجئين الإثيوبيين بغرض التسجيل، إنه حال تدخل إريتريا في الحرب بشكل مباشر فإن حمدايت ستشهد تدفق اللاجئين الإثيوبيين والإريتريين معا، وهو مشهد ينطوي على تحديات أمنية وإنسانية خطيرة.
وتقع حمدايت على الضفة الغربية لنهر ستيت، وعلى الضفة الشرقية ما زال لاجئون من إقليم تيغراي الإثيوبي مع آلياتهم الزراعية وقطعان ماشيتهم يحاولون العبور إلى السودان عبر نهر عميق ذي تيار قوي وتضاريس وعرة على ضفتيه. وبحسب "حرِك" -وهي لاجئة إثيوبية في العقد الثالث- فإن والدها وأشقاءها ما زالوا على الضفة الشرقية للنهر مع جرار زراعي وعشرات الرؤوس من الأغنام، حيث لا توجد معدّيات تحتمل شحنها.
وتقول اللاجئة الإثيوبية للجزيرة نت إن بعض الفارين اضطروا لترك كل ما يملكون، لأن "جيش (رئيس الوزراء الإثيوبي) آبي أحمد ينوي تصفية التيغراي"، بحسب تعبيرها، بينما لا يزال آخرون -ومن ضمنهم والدها وإخوتها- ينتظرون مع الخوف عبور ستيت.
ويعاني اللاجئون من التيغراي في حمدايت من بطء عملية التسجيل داخل المخيم المؤقت المعدّ لاستقبالهم، بينما آثرت مجموعات كبيرة منهم الإقامة بكثافة داخل سوق حمدايت على صغرها وافتقادها لخدمات المياه والصرف الصحي.
وتلاحق إسقاطات الصراع القبلي في إثيوبيا اللاجئين والقائمين على أمر استقبالهم. ويقول مدير مركز استقبال حمدايت إن ثمة لاجئين يتجنبون التسجيل خوفا من ترحيلهم إلى معسكر "أم راكوبة" (نحو 400 كيلومتر داخل ولاية القضارف)، حيث تقيم مجموعات من الأمهرة منذ موجات لجوء في ثمانينيات القرن الماضي.
ومع إرهاصات اتساع جبهات القتال والانفلات الأمني، تتزايد مخاوف من لجوء قوميات أخرى غير التيغراي، حيث سجل مركز حمدايت دخولا محدودا للأمهرة، إلى جانب تقارير عن عبور إثيوبيين في ولايتي سنار والنيل الأزرق جنوبالقضارف، حيث تتاخم 4 أقاليم إثيوبية السودان من الشمال للجنوب: التيغراي والأمهرة وبني شنقول قوميز والأرومو. وعلى ما يبدو، فقد تراجعت السلطات السودانية عن ترحيل اللاجئين التيغراي إلى معسكر شجراب (مخيم للاجئين الإريتريين) في ولاية كسلا، لاحترازات أمنية. وتبعا لذلك بدأت السلطات تهيئة معسكرات في ود الحليو التابعة للولاية.
وبحسب مصادر عسكرية في حمدايت، فإن ثمة مخاوف من مقاتلين سابقين في جبهة تيغراي خاضوا الحرب ضد الرئيس الإثيوبي الأسبق منقستو هيلا مريام، عبروا على الأرجح الحدود مع اللاجئين. وتؤكد ذات المصادر أن من ضمن القادمين ناشطين في جبهة تيغراي سيكونون مطلوبين هم والمقاتلين السابقين في الجبهة للسلطات الاتحادية في إثيوبيا، حال فرض سيطرتها على إقليم تيغراي. ويتحاشى جزء كبير من اللاجئين الإثيوبيين التسجيل أو الانتقال لمعسكرات الإقامة في عمق ولاية القضارف، في انتظار التسرب إلى مدن سودانية عن طريق مهربين محليين بدأت السلطات السودانية ملاحقتهم. وتتزايد الهواجس الأمنية إثر تقارير صحفية أفادت بأن رئيس الوزراء الإثيوبي تحدث عن انتهاء مهلة لحكام إقليم تيغراي، والبدء في عملية عسكرية تشمل القصف الجوي. وفي ظل كل هذه المخاوف الأمنية، يبدو التنسيق العسكري بين جيشي البلدين حاضرا من واقع قرب النقاط الحدودية الفاصلة بين البلدين، فضلا عن تعزيز انتشار الجيش السوداني على طول الحدود الإثيوبية. ويعاني مركز استقبال حمدايت -بحسب مديره يعقوب- من نقص حاد في مواد الإيواء والغذاء، خاصة أن طاقته الاستيعابية لا تتجاوز 300 لاجئ، بينما هو الآن يستوعب 20 ألف لاجئ مسجل حتى مساء الجمعة، فضلا عن 4 آلاف قيد الانتظار. وحتى مساء الجمعة، لم تتمكن إدارة مركز حمدايت إلا من ترحيل 6247 لاجئا فقط إلى مخيم أم راكوبة، بسبب صعوبات لوجستية تتعلق بالنقل. ورغم أن حمدايت تعد المعبر الرسمي للاجئين، فإن 90% منهم -بحسب يعقوب- عبروا نهر ستيت عند منطقة مايجروت، ومن ثم وصلوا حمدايت. ويشير يعقوب إلى أن تدفق التيغراي بسبب الحرب بدأ قبل استهداف الجيش الفدرالي لمدينة حُمرا حاضرة محافظة تيغراي الغربية، والتي تبعد 21 كيلومترا من حدود السودان. ويضيف أنهم استقبلوا أول مجموعة لاجئين يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني، وكانت لا تتعدى 54 لاجئا قبل أن تتزايد معدلات اللجوء اليومي، حيث استقبل مركز حمدايت يوم الجمعة وحده حوالي ألف لاجئ. وإلى جنوب حمدايت عبر الآلاف من اللاجئين الإثيوبيين نهر ستيت لمنطقة هشابة السودانية. وطبقا لنشرة من رئيس لجنة الطوارئ بالقضارف، معنونة: إلى معتمدية اللاجئين، فان عدد اللاجئين الإثيوبيين بلغ حتى مساء الجمعة 35 ألفا و851 لاجئا. وحال استمرار حرب إثيوبيا في إقليم تيغراي واتساع جبهات القتال، فإن السودان -الذي يعاني اقتصاديا- سيكون معرضا لموجة لجوء ضخمة كما حدث في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، في ظل ضعف وبطء استجابة المجتمع الدولي. أحمد فضل – حمدايت (الحدود السودانية الإثيوبية)