خلال ال48 ساعة الماضية حظيت لجنة تفكيك نظام ال30 من يونيو 1989 في السودان بمساندات كانت في أمسّ الحاجة لها، في ظل تصاعد حملات التشكيك في قانونية ودستورية تكوينها وعملها. وكادت استقالة رئيس اللجنة الفريق أول ياسر العطا، ممثل المكون العسكري في لجنة التفكيك، أن تعصف باللجنة، فضلا عن الضغوط التي تعرض لها رئيس اللجنة المناوب محمد الفكي سليمان للاستقالة.
وطبقا لما أفاد به مصدر مطلع الجزيرة نت فإن الفكي قاوم ضغوطا للتنحي عن اللجنة لسلبها صفتها السيادية بعد استقالة العطا المصحوبة باعتذار للسودانيين عن أخطاء ارتكبتها اللجنة.
لكن كان مفاجئا ظهور رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان مساء أمس مع أعضاء لجنة التفكيك ومحاربة الفساد واسترداد الأموال العامة أمام فلاشات كاميرا إعلام القصر الرئاسي متصافحين والابتسامات تعلو وجوههم. بداية الأزمة ونشبت أزمة مكتومة عندما قال عضو اللجنة صلاح مناع لصحفيين إن رجل أعمال تركيًّا يدعى أوكتاي أورجان كان مقربا من النظام السابق تمكن من الهروب عبر توصية من البرهان للنائب العام بإطلاق سراحه. ثم طفت الأزمة للسطح هذا الشهر عندما صرح مناع عبر بث حي على فيسبوك بأن حرم الرئيس المعزول عمر البشير وداد بابكر أطلق سراحها بالكيفية ذاتها، وهو ما جعل اللجنة تتعرض لنيران صديقة من النائب العام والبرهان الذي حرّك بلاغات ضد مناع تسببت في اقتياده للتحري في النيابة وسط مؤازرة الأنصار. وطالما كانت لجنة التفكيك عرضة لانتقادات قاسية من أحزاب فاعلة في الثورة على رأسها حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي.
وتظل التيارات الإسلامية بمختلف توجهاتها أبرز خصوم لجنة إزالة التمكين التي تخصصت في مصادرة واسترداد أموال وأصول تخص رموز حزب المؤتمر الوطني المحلول فضلا عن ممتلكات تخص الداعية عبدالحي يوسف. فضيحة كبرى ويصف القيادي في حزب المؤتمر الشعبي بارود صندل اجتماع البرهان وأعضاء لجنة التفكيك مساء أمس الثلاثاء بالقصر الرئاسي بأنه "أكبر فضيحة" لمجلس السيادة. ويقول للجزيرة نت "إذا كان الاجتماع لتعديل طريقة عمل اللجنة أو إيقاف عملها كان سيكون مقبولا، لكن ما رشح بعد اللقاء كلام بائس ومجرد تسويات بين المجلس واللجنة، وهذا يلقي بظلال قاتمة وبمزيد من الشك، هذا كلام خطير".
وبدا صندل بعد الاجتماع أكثر تعويلا على الشركاء الجدد في الحكومة، قائلا إن الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام هي الأكثر تضررا من نظام البشير، لكنها طالبت بحل لجنة التفكيك وتشكيل مفوضية لمكافحة الفساد التي لن تختص بمخالفات النظام السابق فقط وإنما كل قضايا الفساد.
ويضيف صندل "لا طريقة لإصلاح هذه اللجنة إلا بحلها وتحويل صلاحياتها لمفوضية مكافحة الفساد". وفي ديسمبر 2019، أصدر رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان قرارا بتشكيل لجنة إزالة التمكين للنظام السابق ومحاربة الفساد واسترداد الأموال. أهداف عكسية ويرى ماهر أبو الجوخ الصحفي والناشط في قوى إعلان الحرية والتغيير أن المستجدات الأخيرة ورغم أن ظاهرها وهدفها إضعاف اللجنة فإنها أدت إلى تقويتها وزادت من الالتفاف حولها من حيث لا تحتسب. ويعزو أبو الجوخ المساندة التي وجدتها اللجنة إلى أن فتح بلاغ في صلاح مناع ومنع أعضائها من دخول قصر الرئاسة واستقالة رئيسها الممثل للمكون العسكري أكد تعرض اللجنة للاستهداف.
ويشير إلى أن العامل الحاسم كان هو خروج اللجنة للتصدي لتحركات أنصار النظام السابق التي تبدت في الاحتجاجات الأخيرة، في ظل صمت الحكومة وتقاعس القوات النظامية وهو ما وحّد الناس حول اللجنة بإحساسهم أن ثمة جسما يدافع عن الثورة.
وإثر مظاهرات اتسمت بالتزامن والعنف بعدة مدن وجّهت لجنة التفكيك ولاة الولايات باتخاذ إجراءات قانونية ضد كوادر حزب المؤتمر الوطني المحلول النشطة بموجب قانون التفكيك وقانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال والقانون الجنائي.
وبناء على توجيهات اللجنة طالت الاعتقالات العشرات من عناصر وقيادات الحزب المحلول على رأسهم نائب الرئيس السابق حسبو محمد عبدالرحمن والقيادي أمين حسن عمر.
اعتقال أم توقيف؟ ويرفض القيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول محمد الحسن الأمين اعتبار ما تعرضت له كوادر الحزب "توقيفا" على ذمة إجراءات جنائية ويصفه ب"الاعتقال"ويقول الأمين للجزيرة نت إن ما يجري اعتقال تغلفه لجنة التفكيك بإجراءات جنائية لا وجود لها في الواقع.
ويشير إلى أنهم تواصلوا مع وكلاء نيابة أبلغوهم بأن لجنة التفكيك وجهت بإحضار مطلوبين من كوادر الحزب على أن تجهز اللجنة لاحقا أسباب توقيفهم، وتوقع إطلاق سراحهم لعدم وجود ما يدينهم كما تم إطلاق الكاتب الصحفي رئيس حزب منبر السلام العادل الطيب مصطفى.
وبشأن ذلك يقول بارود صندل، "إن لجنة التفكيك تشمل 18 عضوا لكن دائما ما نشاهد الناشطين السياسيين منها، في حين لا يظهر فيها النائب العام أو وزير العدل أو ممثل لوزارة المالية أو بنك السودان أو المراجع العام رغم أنهم أعضاء باللجنة". ويضيف أنه وبنص تشكيل اللجنة فإنها تتكون من 5 خبراء من ذوي الكفاءة والنزاهة والخبرة والاستقلالية لكن هؤلاء الخمسة ليسوا مجرد نشطاء، فمثلا وجدي صالح قيادي بحزب البعث وطه عثمان شيوعي وصلاح مناع صيدلاني وأحمد ربيع معلم. بارود صندل: من نشاهده من أعضاء اللجنة هم ناشطون سياسيون (الجزيرة) إمكانية الطعن ويرى أن قانون لجنة التفكيك يتعارض مع الوثيقة الدستورية التي نصت على أنه لا يجوز مصادرة الأموال الخاصة إلا بحكم قضائي، بينما أعطى القانون اللجنة سلطة مصادرة الأموال الخاصة. ويتهم اللجنة بالتحايل على النص الدستوري عن طريق مصطلح "استرداد الأموال العامة"، قائلا إنه كان يمكن الطعن في المحكمة الدستورية لكن للأسف لم يتم تشكيلها بعد.
ويذكر أن النائب العام في خلافه مع لجنة التفكيك قال إنها اعتمدت على تحقيقات النيابة العامة لكنها الآن تصدر قرارات بلا محاضر حتى أن قراراتها القابلة للاستئناف لدى لجنة الاستئنافات عندما تطلب المحاضر لا تجدها، كما أن قرار المصادرة يجب أن يكون بحكم قضائي نهائي وليس عن طريق إعلان قرار في التلفزيون. لكن أبو الجوخ يعزو الضربات التي تعرضت لها لجنة التفكيك لما اعتبره مجموعات من النظام السابق تظن أنها نسجت تحالفا مع المكون العسكري، وتبدى ذلك في ملامح منها إجبار مدير المركز القومي للمناهج عمر القراي على الاستقالة. ويؤكد أن هذه المجموعة ستصطدم بمفاجأة تتمثل في تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وهم الرئيس المعزول عمر البشير ووزير الداخلية الأسبق أحمد هارون، ووزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم محمد حسين. ويضيف "حينها ستحدث ردة فعل عنيفة من أنصار الحزب المحلول تجاه المكون العسكري، كما سيحاولون هز صورته وسنشاهد لحظة انقلاب المحبة لعداوة".
ويؤكد أن اجتماع سفراء الاتحاد الأوروبي مع رئيس مجلس السيادة الاثنين الماضي، دار أغلبه حول محاولة تفهم موقف الحكومة الانتقالية بشأن تسليم المطلوبين الذي أصبح نصا في الدستور، وفقا لاتفاق جوبا مع الحركات. الخرطوم : احمد فضل