وكان هاشاً باشاً؛ ظريفاً لطيفاً.. ولكني لم أعرفه إلا حين ذكَّرني اسمه بآخر أعرفه.. فقلت له: أنت محمد البشاري... وصحفي؛ فهل أنت – إذن – أخو زميلنا حسن البشاري؟.. فضحك ضحكةً أضمرت بعض أسى... وكثير فخر.. ثم قال: جيلكم لا يعرفني إلا مقروناً بأخي؛ أما جيلي فيعرف حسن البشاري عبري.. وما ذاك إلا لأنّ البشاري الكبير كان قد هرب بجلده من البلاد.. هرب بجلده... واسمه... وقلمه.. هرب من قبضة أمنٍ حديدية على الصحافة آنذاك... وقبضة اقتصادٍ فولاذية على الجيوب.. وكان هروباً ذا (علمٍ ثقيل).. وذلك جرياً على عادته في الدعابة وهو يردد عبارته الشهيرة (علم تقيل).. وفي هذه الفترة ظهر محمد البشاري الصغير.. ولا أدري إن كان شاطراً – صحفياً – مثل أخيه الأكبر؛ أم ماثل حاله حال فهمي الأصغر.. وفهمي هذا هو حسين فهمي؛ الممثل المصري المشهور.. وأثناء فترة اختفائه المؤقت – جراء مشاكل زوجية مع ميرفت أمين – ظهر أخوه مصطفى.. فأُسند إليه – فوراً – دور بطولة رهاناً على اسم فهمي.. ولضمان أن يعرف رواد السينما أنه من الشجرة ذاتها التي أفرعت الشهير عُرِّف بأخيه.. فجاء الإعلان عن الفيلم كالآتي: الفيلم الفلاني الكبير... بطولة النجم الصاعد مصطفى فهمي... أخو النجم الكبير حسين فهمي.. غير أنّ الصاعد هذا لم يصعد أبداً لمقام أخيه.. وظل حسين فهمي كبيراً إلى الآن رغم (كبره)... ومصطفى فهمي صغيراً كصفة (صغره).. فرابطة الأخوة لا تعني – بالضرورة – التماثل في كل شيء.. ولكن لكل قاعدة شواذ... ونشاز؛ ومن هذا الاستثناء ما سنرويه اليوم في سياق الأخوة.. فقبل أعوام خلت وصلتنا دعوة من قناة لندنية.. وصلتنا نحن رؤساء التحرير... وقد كنت – حينها – رئيس تحرير صحيفة (الدستور).. كما وصلت لنفر من رموز السياسة؛ معارضين... وحاكمين.. وأذكر منهم الصادق المهدي... مهدي إبراهيم... أمين حسن عمر... وربيع عبد العاطي.. وكانت بغرض إجراء حوارات متلفزة عن الشأن السياسي.. ولكن الدعوة وصلت – أيضاً – لشخص لا ندري موقعه من الإعراب السياسي... أو الصحفي.. فلا هو رئيس تحرير... ولا هو برمز سياسي معروف.. وظللنا نتساءل: لماذا وُجِّهت له الدعوة؟... ولماذا قبلها... وماذا سيقول؟... ومَن هو أصلاً؟.. وعندما جاء دوره للحديث صرخ بكلام كثير جداً.. ورغم كثرة كلامه ذاك لم نفهم منه شيئاً؛ أو – تحرياً للدقة – فهمنا فقط تهليله وتكبيره.. كان يهلل – ويكبر – عقب كل فاصل من الكلام... وبعده.. هل تريدون معرفة هذا الرجل الغامض؟... أو الذي كان يبدو لنا غامضاً وقتذاك؟.. إنه لم يعد كذلك من بعد.. من بعد زماننا ذاك... وبعده بقليل... وصار يُنافس حسين فهمي شهرةً.. بيد أنّها شهرة لا نقدر على ذكر أبعادها الآن.. وذلك بعد أن انتقل من (كوبر) إلى السماء... تاركاً أخاه وراءه هناك إلى يومنا هذا.. وأخوه هذا هو مصدر شهرته تلك.. بل ومصدر شهرة بقية أخوانه أجمعين.. فكلهم اشتهروا على حس وقع مفردة سحرية واحدة هي (أخوه).. فمن الأخوة ما يجعل شهرتك سعيدة... أو تعيسة.. حتى وإن لم تبلغ مقام الأخ الكبير شهرةً.. والبشاري الصغير لم يصل – بعد – إلى مستوى شهرة أخيه البشاري الكبير.. ولكنه حتماً سيصل إن نجح في تعريف نفسه بنفسه.. أو إن أضحت نفسه هذه معروفة – ومشهورة – بنفسها؛ وقائمة على نفسها بنفسها.. لا عن طريق كلمة سحرية حاول أن يشتهر بها مصطفى فهمي.. واشتهر بها – واغتنى – إخوةٌ للذي هو في كوبر الآن.. وهي أخوه!.