السيدة (كوكو شانيل) صاحبة دار الأزياء والعطور الشهيرة التي تحمل اسمها لخصت رحلة نجاحها الذي حققته في عالم الموضة بين دفتي كتاب بعنوان (حياتي)، وفي ذلك الكتاب قالت (شانيل) بالكثير من الآراء .. لكن أكثرها أهمية و ذكاءً عبارتها الآتية: إن الرجال يستحقون أن يدفعوا ثمن تعلُّق زوجاتهم بالموضة والأزياء من أمان واستقرار جيوبهم .. فهم يكفرون بذلك عن غلطة تاريخية ارتكبوها قبل مئات السنين عندما اتجهوا إلى جدران المعابد و صفحات الكتب لقراءة التاريخ وتأمل قيام وانهيار الحضارات .. بينما كان الأولى أن يتجهوا إلى الحرير والقطن و الصوف والجلد الذي يطوعه أرباب الموضة لصنع الأزياء التي تشكل أذواق نسائهم! .. الذي تريد أن تقوله (شانيل) هو أن التاريخ الحقيقي منقوش في فساتينها و بين طيات خطوط الأزياء وتقليعات الموضة التي تلهث خلفها النساء .. التي تصاب في مقابل الحصول عليها جيوب رجالهن بالجفاف والتصحر ! .. وفي (فضفضة) رسمية تخدم ذات السياق قال قال (تشرشل) مخاطباً (ستالين) و(روزفلت) في مؤتمر طهران : إن التاريخ سيتعاطف معنا دون شك ! .. وعندما استوضحا عن السبب أجابهما قائلاً : إن التاريخ سينصفنا لأننا نحن الذين سنكتبه ! .. تلك المقولة الشعبية وذلك التصريح الرسمي يلتقيان عند حقيقة مفادها أن القراءة غير المباشرة للتاريخ من خلال التفاصيل و الأحداث الاجتماعية الصغيرة و العادية أكثر صدقاً و شفافية من القراءات المباشرة في التدوين الرسمي المقصود و المُتجمِّل ب (مكياج) الألوان السياسية ! .. فالحديث عن آثار تطبيق نظريات (غورباتشوف) على الاقتصاد الروسي .. أو الحديث عن وجه من وجوهه كغزو الثقافة الأمريكية الاستهلاكية للمجتمعات الروسية سيكون أكثر دقة و عمقاً بإعمال نظر الباحثين في بعض التفاصيل الشعبية، كبداية ظهور بناطيل الجينز .. و انتشار مطاعم الوجبات السريعة ذات الماركات الأمريكية .. الأمر الذي قد لا ينتجه - بذات القدر من الشفافية - إعمال الفكر في تأريخ الخبراء الروس لعوامل التحرر الاقتصادي ! وب (نفس الفهم) إذا أراد القادمون من بعدنا استقراء المنعطف التاريخي الراهن والمتمثل في انفتاحنا الرسمي والشعبي اقتصادياً قد تسعفهم النظرة المتعمقة في منعطفات الحياة الاجتماعية أكثر من قراءاتهم في الأضابير الرسمية التي قد يكتبها المؤرخون على طريقة (تشرشل) ! ومن خلال بعض الموضات الاجتماعية ربما يدلل باحثو المستقبل على انفراد السودان بظاهرة اقتصادية غير مسبوقة مفادها هرولة مجتمعنا المحلي نحو الاستهلاكية قبل أن يصبح مجتمعاً صناعياً ! .. ولربما استعانوا في رصدهم لتلك الظاهرة الاقتصادية الغريبة ببعض الأمثلة .. كتزامن تلك الثورة العظمى في تكنولوجيا الاتصالات مع استمرار غلاء المعيشة .. وشيوع إذعان المجتمع لظاهرة القروض و(التقسيط) غير المريح لمعظم السلع الكمالية مع قصور مستويات الدخل عن الوفاء بأثمان السلع الضرورية !