لا اود الدخول في الآليات والتفاصيل التي تسيطر وتحكم وتتحكم في انتخابات الرئاسة الامريكية بقدر ما احاول ان اشير الى الصراع الضاري بين الحزبين الرئيسيين وهما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري من اجل الفوز والوصول الى واحدة من اهم مراكز صنع القرار العالمية. سوف احاول ان اركز على الحزب الديمقراطي في هذا المقال لان المعركة لم تزل مستعرة ولان الحزب لم يزل في مرحلة الاختيار بين المرشحين الرئيسيين وهما باراك أوباما- الذي ينحدر من اصول سوداء من ناحية امه وهي التي يحاول الاعلام الامريكي ان يحسنها بعض الشئ حتى لا تعكس الصورة القبيحة التي يعاني منها المجتمع الامريكي وهي العنصرية وهي واحدة من القضايا التي طرحت نفسها بقوة هذه المرة وهي تحتاج الى مقال منفصل- وعلى الجانب الآخر تنافسه في الترشيح السيدة هيلاري كلنتون- وهي بالطبع غنية عن التعريف حيث كانت السيدة الاولى في عهد الرئيس السابق بيل كلنتون- السيدة هيل كما يحلو للاعلام الامريكي ان يصفها- هي بالطبع سيناتور تمثل ولاية نيويورك وتقف وراءها آلة اعلامية ضخمة باعتبارها سيدة البيت الابيض لسنوات خلت في عهد زوجها الذي حكم في واحدة من اكثر العهود ازدهارا في التاريخ الامريكي الحديث رغم الفضائح التي عصفت بالمكانة المتميزة التي كان من الممكن ان يجلس عليها في نظر الكثير من المؤرخين الامريكان. المعركة الشرسة التي يدور رحاها بين المرشحين الديمقراطيين تأتي في فترة حاسمة ودقيقة ليس بالنسبة للسياسة الداخلية الامريكية ولكن ايضا للبعد الخارجي- حيث فقدت الولاياتالمتحدة الكثير من الاحترام والوهج والبريق الذي كانت تتمتع به في الماضي بسبب السياسات المتهورة التي قام بها الرئيس الحالي جورج بوش في الفترة التي قضاها والتي لم تؤد فقط الى تدهور صورة الولاياتالمتحدة في العالم على وجه العموم والشرق الاوسط على وجه الخصوص ولكن ايضا قادت الى تدهور اقتصادي يرى الكثير من الاقتصاديين والمحللين انه ربما يقود الى كساد في النصف الثاني من هذا العام والذي بدأت ملامحه في سوق العقارات بصورة لا تخفى على احد. تأتي أهمية الانتخابات من هذه الناحية وينظر الناخبون الى أن المرشح القادم يجب ان يلعب دور المنقذ من «الكبوات» المتوالية التي وقع فيها الحزب الجمهوري- في الداخل والخارج. وأوباما يمتطي صهوة «التغيير» وتجدها واضحة في كل الحملات الانتخابية التي يقوم بها- وهذه الصهوة يبدو انها دخلت افئدة الشباب وخاصة الفئة العمرية دون الثلاثين- لذلك نجح اوباما في الوصول الى هذه المرحلة المتقدمة جدا من السباق الرئاسي وهي مرحلة لم يصل اليها اي مرشح اسود في تاريخ الانتخابات الامريكية بجانب شخصيته القيادية فهو يملك قدرة متميزة في الخطابة وهي واحدة من الادوات التي اوصلته الى هذه المرحلة المتقدمة والكثير من استطلاعات الرأي تميل الى فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي. من ناحية اخرى يرى عدد من المحللين ان صهوة التغيير التي يمتطيها اوباما انها تغيير اجوف- لايملك اوباما ان يحوله الى واقع معيش لان التحديات التي سوف تواجهه هي تحديات عاتية من سياسة خارجية فقد الرئيس الحالي السيطرة عليها الى اقتصاد منهار يوشك ان يحول امريكا الى دولة من دول العالم الثالث. على الجانب الآخر تقف السيدة كلنتون، التي تدعي انها الاحق بالترشيح على خلفية تاريخها السياسي الثر وانها تملك الخبرة.. ولاتبيع للناخبين «حلم التغيير »- باعتبار أنها السيدة الاولى لاكثر من ثمانية اعوام وانها تعرف كل الزوايا والخفايا التي تساعد في صنع القرار اي انها الاحق في تولي هذا المنصب حتى انها بلغ بها الغرور الى انها دعت اوباما الى الترشح معها في منصب نائب الرئيس ؟؟؟ ترتكز ايضا السيدة هيلاري على نجاحها في تمثيل ولاية نيويورك في مجلس الشيوخ فترتين متعاقبتين . واحدة من العوامل التي ساعدتها في الحملة الانتخابية وخاصة في المراحل الاولى هو وقوف زوجها معها الرئيس السابق بكل الثقل السياسي الذي مازال يتمتع به كرئيس سابق . ورغم ان وجوده معها اعطاها دفعة قوية الى الامام ولكن تصريحاته مؤخرا والتي شم منها الكثيرون رائحة العنصرية تركت الكثير من الجوانب السلبية مما اضطرت في الفترة الاخيرة الى التخلص الجزئي منه. المعركة الانتخابية الحالية ينظر اليها الكثير من الكتاب والمحللين الامريكان وغيرهم انها الاهم في التاريخ الحديث لانها تأتي في وقت تواجه فيه الولاياتالمتحدة تحديات جمة منها الداخلي وهو الاهم وهي تمس حياة المواطن الامريكي البسيط مثل الوظائف والرعاية الصحية والتعليم، حيث ان الطالب الامريكي جاء في المرتبة رقم «24» في التقييم العالمي في العلوم والرياضيات بعد عدد من الدول الاوروبية والآسيوية . يدور نقاش حاد بين اوساط الاقتصاديين حول الازمة الاقتصادية الحالية والى اين سوف تأخذ الولاياتالمتحدة؟، حيث يصف عدد من الاقتصاديين هذه المرحلة بالتضخم الكسادي.. ان صح التعبير. وهو نتيجة منطقية لسياسات اقتصادية كانت تعمل من اجل مصلحة الاغنياء الذين دفعوا الكثير من اجل تمويل الحملات الانتخابية. ولعل الاحساس بعقدة الذنب دفع الرئيس بوش في اواخر العام الماضي الى التوقيع على مذكرة مالية تدفع الى كل دافعي الضرائب للعام الحالي . هناك عامل آخر مؤثر هو حرب العراق حيث اصبحت السياسة الخارجية تلعب دورا مؤثرا جدا خاصة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر. وأهم ما في حرب العراق بالنسبة للناخب الامريكي هي قضية عودة الجنود الامريكان في اقصر فترة زمنية ممكنة والتي وعد فيها اوباما انها سوف تكون في حوالي «16» شهراً اذا فاز بالترشيح. ولم تحدد هيلاري الفترة الزمنية ولكنها وعدت انها سوف تكون حريصة على هذه العودة المبكرة وخاصة بعد ان وصلت اعداد الجنود الامريكيين القتلى الى حوالي «4000 ». واحدة من القضايا التي اضرت بسمعة هيلاري هي وقوفها الى جانب غزو العراق مما فتح الباب واسعا الى تقديم نقد حاد اليها كلما جاء الحديث عن العراق وما اكثره هذه الايام. ولكن الشئ المحزن في قضية العراق هو نظر الناخب الامريكي اليها من منظور ضرورة الحفاظ على دم الجنود وعدم الاستمرار في قضية خاسرة اكثر من تحقيق الامن والاستقرار والسلام في بلد كان يعد من اكثر البلدان العربية استقراراً وامناً قبل المغامرة الامريكية الفاشلة. التغطية الاعلامية التي يحظى بها الحزب الديمقراطي في الوقت الحالي تعود الى ان المعركة النهائية لاختيار مرشح الحزب لم تحسم بعد وهي تزداد ضراوة وشدة يوماً بعد آخر ولكن يتوقع الكثير من المراقبين الا تحسم قبل الترشيح لمؤتمر الحزب في الصيف القادم. ?صحفي سوداني.. مقيم في نيويورك