تعثرت فرص اللقاء في أديس أبابا، وكتب ذلك حظاً لجيبوتي لتضع بصمتها ويكون لها حضورها وكلمتها في مجريات وأحداث تاريخ السودان، فكان أن تم لقاء المشير البشير رئيس الجمهورية والسيد الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة ليخرج ذلك اللقاء بما عُرف وما أطلق عليه «نداء السودان» الذي وقّع عليه من جانب الحكومة الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية ومن جانب الأمة مبارك الفاضل المهدي وأحسب أنه كان المسؤول السياسي بحزب الأمة. ولقد كان المشير البشير والسيد الصادق حضوراً شاهدين ومباركين. ولا يذكر الناس أو أكثرهم على الأقل من ذلك النداء إلا أنه قد مهد وأثمر عودة السيد الإمام الصادق، التي تمت بعد حين، وهذه العودة تعتبر في حد ذاتها، أمراً عظيماً وما عداها قد كان مشاركة حزب الأمة في الحكم وأبرز ملامحها وأخبارها تعيين مبارك الفاضل مساعداً لرئىس الجمهورية وقد حظيت تلك المشاركة، ووجود مبارك في القصر الجمهوري مساعداً للرئىس، بلغط كثيف انتهى الى إنقسام حزب الأمة وخروج البعض منه ثم خروج مبارك الفاضل نفسه، طوعاً كان ذلك الخروج أو قسراً ليصبح نداء الوطن شيئاً ما في ذاكرة الوطن ولتصبح جيبوتي محطة من محطات ومرافىء البحث ولقاءات عابرة للفرقاء أو بعض منهم على الأصح. سقت هذا ليس من باب فتح ملفات الجراح أو إطالة الوقوف عند أطلال الإخفاقات وأسراب الفشل ولكن للتذكير والوقوف عند حقيقة كانت حضوراً في اتفاق التراضي وهي أن طرفي التراضي قد استفادا كثيراً من محطة جيبوتي فاختلف أمرهما هنا عما كان هناك رغم ان اللاعبين الأساسيين قد كانوا أنفسهم وأن مسّ التعديل بعضاً من أدوارهم. كان الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مسؤول الملف التفاوضي مع الأحزاب بالمؤتمر الوطني، هو من قاد الحوار مع حزب الأمة، ومن وصل بذلك الحوار بمعيته اخوته في المؤتمر ورصفاؤهم بحزب الأمة، إلى صيغة التراضي التي قدموها لحزبيهما ونتج عنها ما وقع عليه وأعلن على الملأ. وجاء المشير البشير رئيس حزب المؤتمر الوطني ليوقّع عن حزبه في ذلك الاتفاق ولكن علينا هنا أن نذكر بأن صفة المشير البشير الملازمة له والمتبادرة لكل الأذهان رئيساً للجمهورية قد مثلت حضوراً وأعطت ذلك الاتفاق بُعداً حقيقياً جديداً.كذلك أعطى توقيع السيد الإمام الصادق على الاتفاق بُعداً حقيقياً فاعلاً للإتفاق لأنه يمثل قمة الهرم المسؤول في الحزب، ولكن لما عرف عنه من التزام بالمعارضة المتصلة للإنقاذ ونهجها الإقصائي والمجافي للحوار، ولعله بهذا الاتفاق ينهي زمناً طويلاً وعصيباً من التباعد السياسي من الإنقاذ. ويبقى أهم ما في هذا الإتفاق بأنه لم يهتم بمشاركة أو تحالف ثنائي أو أية مصالح وقتية لأي من طرفيه بل تحدث ولمس همّاً واسعاً وتلمّس له الحلول وجعل الباب مُشرعاً للكافة.