استقبلت الأوساط المعنية بأمر دارفور تعرض قوات الهجين الاسبوع الماضي لنهب سلاحها كما تستقبل الطُرفة، وإن استدركت بسرعة ما آلت اليه أحوال النهب المسلح في دارفور الذي تحول الى كارثة أمنية خطيرة أصبحت تهدد كل طرق الإقليم وحركة البضائع والمسافرين فيه.. وتطور النهب المسلح الذي كانت تقوم به عصابات متفرقة بعد أن اندمجت أو تعاضدت بعضها مع الحركات المسلحة أو استغلت ضعف الوجود الحكومي في بسط سطوتها، وبحسب المصادر فإن كل من يقتني بندقية أصبح يمتهن النهب ويتجه الى الأسواق. وكان التحليل السائد أن عصابات النهب تتكون من الفاقد التربوي والعاطلين عن العمل، ومن أهم أسباب استفحال ظاهرة النهب المسلح وتحديها لقوات نظامية «الهجين» هو تجاهلها كقضية قائمة بذاتها بمعزل عن الأزمة الشاملة في دارفور، فهي رغم تأثيراتها الواضحة على الاستقرار في دارفور إلا أن رهن انتهائها بحل قضية دارفور يعد تبسيطاً مخلاً وتجاهلاً لأسباب تناميه، لأن الظاهرة برزت في المنطقة قبل المشكلة السياسية نتيجة للحروب التشادية، حيث كان المواطنون في دارفور يناصرون هذا الطرف أو ذاك، وبالتالي يرتبطون بالسلطة التشادية ويصعب عليهم العودة للأعمال المدنية بعد انتهاء العمليات. ويرى الفريق الطيب عبدالرحمن مختار ان بداية النهب في مدينة زالنجي كان في العام 1981م وكان نهب عصابات ولم يرتبط بقضية سياسية.. وتمت محاكمات وإعدامات، وقال الفريق إن ابناء معظم قبائل دارفور متورطون في عملية النهب المسلح، عدا أبناء قبيلة الفور التي لم تسجل ضدها أي من حوادث للنهب بل كانوا دائماً ضحايا للنهب الذي يزعزع استقرارهم، وأوضح ان قضية النهب المسلح من أخطر الظواهر في دارفور، ودلل على خطورة الوضع بأن «السلاح يُحمل على رؤوس النساء كمن يحملن حزم حطب». وأكد الفريق أن من أهم أسباب انتشار الظاهرة «سهولة إقتناء واستخدام السلاح» والجفاف والتصحر الذي دفع بلاجئين من تشاد وغيرها للإستيطان بدارفور، بالاضافة الى التداخل القبلي.. ويذهب عبدالله مسار مستشار رئيس الجمهورية الى أن النهب «أصلاً كان من أجل المغانم وبعد الصراع التشادي التشادي والتشادي الليبي وبعد انتقال الصراع الى دارفور تحول النهب المسلح الى مغانم سياسية أو مغانم قبلية «انتقام»، واتهم مسار (المليشيات المسلحة بأنها أصبحت جزءاً من النهب المسلح وخصوصاً من قبل الحركات الموقعة أو غير الموقعة)، وأكد مسار «في جنوب دارفور تحديداً في طريق مهاجرية تم نهب عربات بواسطة حركات مسلحة موقعة» ولم يخف أنها حركة «مني». الظاهرة على قدمها استعصت على كل الحلول لأنها مرتبطة بتجفيف منابع السلاح، وكما أشارت المصادر إن شراء بندقية أسهل من شراء عصا، وكما قال احد المعارضين التشاديين فإن السلاح المتوفر في مثلث السودان، تشاد، افريقيا الوسطى كاف لتسليح ستة جيوش، واستحوذت قضية النهب المسلح في دارفور على العديد من الدراسات والكتب وحتى أوراق العمل فهي بلا شك من مهددات الإستقرار بجانب أن ما يحدث من توترات، «وزاد الطين بله» بحسب وصف الفريق الطيب عبدالرحمن مختار، فظهور التمرد والجماعات المسلحة التي تعمد الى قطع الطرق سواء أكانت سياسية أو تستثمر وجود السياسية مصيبة كبرى.. لكنه يؤكد ان حل قضية النهب غير مرتبط بحل القضية السياسية في دارفور.. ويعضد مسار من قول الفريق عبدالرحمن: «إن إنتشار السلاح بشكله الحالي لا يساعد على ضبط النهب»، الذي إستفاد منه أفراد ومجموعات.. وتنظيمات بل بعض المجموعات التي حولته الى مشروع سياسي، وأكد مسار أن كثيراً من الحركات تعتمد في تمويلها على النهب والسرقات ليصبح برنامجها هدم المواطن وليس خدمة المواطن. وبحسب مصادر مظاهر النهب المبرمجة بجانب إمعانها في القتل، وزيادة الكراهية والإنتقام، والنزوح والتشرد، فثمة من أثروا من ورائها وقاموا بتجهيز مراكز تجارية من تلك العمليات.. ورغم المعالجات والقبضة الحديدية التي قامت بها الحكومة ومجهودات اللواء د. ابراهيم محمد خير والي دارفور الكبرى السابق فإن ظاهرة النهب المسلح تبدو كصندوق ألقيت مفاتيحه في بئر عميق.