شئ من الحزن وغير القليل من الدموع إعتلت وجوه المعزين الذين جاءوا إلى دار أخيه مبارك كدودة بالكلاكلة بملامح متعبة يربط بينها خيط رفيع من الحزن والرضا معاً لفراق الدكتور فاروق محمد كدودة الذي غيبه الموت بلندن صبيحة الأمس بعد معاناة طويلة مع المرض . المرض الذي غيب جسمه النحيل وأبقى ذكراه العطرة تتقاسمها الألسن والصحف كما تتقاسم الدعوات له بالرحمة والمغفرة ليس بقدر ما قدم لوطنه وتلامذته فحسب بل بأكثر من ذلك. رحلة كدودة في الحياة كانت خليطا متفردا من العطاء والعلم والتمرد والنضال الذي اكسبه احترام خصومه قبل أصدقاأءه حيث ولد في منطقة عبري جنوب وادي حلفا القديمة لأب كان شيخاً للطريقة التجانية وقاضي المنطقة، تنقل في مراحله الدراسية الأولية بسبب شغبه ونشاطه السياسي، حتى التحق بجامعة الخرطوم حيث درس القانون وفصل من السنة الثالثة ولكن قبل أن يفصل كان الطالب صاحب النشاط السياسي الذائد وقتها فاروق محمدكدودة قد اصبح رئيسا لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم. وبعد فصله من جامعة الخرطوم التحق بجامعة موسكو لدراسة الاقتصاد الدولي، قام بالكثير من الأنشطة الحزببية مع الحزب الشيوعي السوداني الذي شديد الاعتزاز بالانتماء إليه، فتعرض للعديد من الاعتقالات والفصل والاختباء، وعمل بالتدرييس بعدد من الجامعات واشترك مع المرحوم البروفسير محمد عمربشير في تأسيس جامعة امدرمان الاهلية. عرف بجرأته الزائده وشجاعته غير المنكوره، والتي لم تؤثر فيها محاولات الاغتيال الثلاث التي تعرض لها ورغم التزامه السياسي بالحزب الشيوعي فقد كان يحتفظ لنفسه بمساحة من الحرية والحركة يقول فيها ويفعل ما يشاء، وهو من أكثر السياسيين تعاملا مع الصحفيين منذ أوقات مبكرة علىغير زملائه في الحزب الذين كانوا لا يفضلون ذلك وله صلات وصداقات وسط كافة القوى السياسية . الدكتور فاروق كدودة متزوج من أسماء السني وله بنتان (ساندرا) طبيبة و (غادة) مهندسة، قال ذات مرة في احدى الحوارات الصحفية الكثيرة التي اجريت معه أنه يفكر في المشاكل التي يمكن أن تواجه بناته عقب موته واردف ان عدم وجود رجل غيره في المنزل يشغله كثيرا وكثيراً ما كان يتواصل مع اسرته الممتده وتربطه بها علاقات حميمة ودافئة حسبما أكد ذلك أخيه مبارك أمس وزاد ابنه إبراهيم مبارك أن قلب عمه فاروق وبابه كانا مفتوحين للجميع، كان كدودة يحب النكته ويصنعها وعرف بروحه المرحة بين اصدقاءه وتلامذته والمتعاملين معه من الصحفيين. روى ذات مرة عن أسباب فصله من جامعة جوبا أنها جاءت بسبب أن المدير رآي في المنام أنه يفصله وعندما استيقظ في الصباح قام بفصله، وخشى بعدها كدودة الرجوع للجامعة حتى لا يحلم مرة أخرى بأنه يذبحه . رحم الله كدودة واسكنه فسيح جناته وألهم آله وذويه وتلامذته الصبر والسلوان.