«الخرطوم عاصمة السودان فيها يلتقي النيلان الأزرق والأبيض وفيها دواوين الحكومة وفيها دور السينما».. هذا آخر من ما علق بذهني من درس كتاب المطالعة الصف الثالث أولية، وقد كان عنوان الدرس الخرطوم وكان فيه وصف جيد لنا يتناسب مع أعمارنا ويشوقنا في الخرطوم، ثم فيما بعد سمعنا بالخرطوم حيث الطيارة بتقوم «مش بتحترق» والرئيس بنوم «مش بساهر» والفلوس بالكوم «عند بعض الأفراد»، ثم جاءت سنتر الخرطوم ولكن لا يوجد سهر بالكوم في السنتر انما في أطرافها وبيد أنني اليوم أود الحديث عن الخرطوم التي اصبحت «عشر طاشر» خرطوم من حيث التفاوت في المظهر والمخبر ولكن لتسهيل المهمة سوف اكتفي بخرطومين، الخرطوم الأعلى والخرطوم الادنى وأترك ما بينهما من خراطيم لخيال القاريء الذي أثق فيه كثيراً، الخرطوم الدنيا في وسطها وبعض اطرافها الحياة رخيصة جداً فيمكن أن تأكل كوارع دجاج «اي واللَّه كوارع دجاج» وتشرب ام جنقر أو تأكل أقاشي وتشرب من اقرب زير، يمكن أن تأكل دكوة او سلطة بصل صافية، هناك ايضاً كوارع «ضلافين»، اما فول الحاجات فهو منتشر في كل انواع الخراطيم من المنشية الى رأس الشيطان والتورابورا وطردونا.. اما اسواق الخرطوم السفلى فما اكثرها.. هناك سوق الإخوان وسوق «المرحوم أكان قدرك»، وهناك اسواق لا تدخلها الدولة حتى وإن كانت لابسة كاكي، قدر ظروفك القادمة من مدني ليست في مستحضرات التجميل النسائية فقط بل دخلت الملابس الفاخرة من بدل وكرفتات وعبايات وعمم ترباسية والبركة في السكند هاند والايجار، خلاصة قولنا هنا إنه يمكن ان تأكل لدرجة التخمة وتلبس افخر الملابس برماد القروش ولكن بالمواصفات اعلاه. اما الخرطوم العليا فلم تعد موجودة في الفنادق ذات الخمسة نجوم فقط ولكن انتشرت، فعلى سبيل المثال مطاعم شارع المطار بالخرطوم وشارع النيل بأم درمان، أكيد بحري فيها ولكن العبد لله لم يحظ برؤيتها، في هذه الاماكن يُقدم الأكل والخدمات المصاحبة له بطريقة اوروبية 001%، اما الاسعار فهي لا تقل عن اسعار اغلى وأفخر المطاعم في نيويورك ولندن وباريس، مدن الملاهي القائمة كلها مُصمّمة لأولاد المصارين البيض، التفاوت في الخرطومين يتم بصورة تلقائية والدولة تتفرج، النتيجة معروفة سلفاً، فالقوى سيأكل الضعيف فبالتالي على الدولة أن تتدخل لمصلحة الطبقة الدنيا ولا تترك الحكاية «سداح مداح» بعبارة اخرى إن المخطط الهيكلي التي تزمع ولاية الخرطوم البدء في تنفيذه يجب أن يُوجّه للطبقة الوسطى ولفقراء العاصمة، فالملاحظ أنّ التطور التلقائي الذي يتم في اماكن التسوق واماكن الترفيه كله يتجه لخدمة الاغنياء لان المستثمرين يعملون لمصلحة من بيده «الكاش»، ولكن الدولة يمكن أن تُوجه قطاع الخدمات العامة لمصلحة محدودي الدخل قليلي الحيلة، فلو ترك الحبل لأصحاب الدثور الذين أصبحت لهم مساكنهم «المعزولة» ومدارسهم «المشتولة» ومستشفياتهم «المبذولة» وأماكن تسوّقهم «الموفورة» وملاعبهم «المنقورة» - الحكاية قافية وبس - فإن بقية خلق الله سوف يعكرون صفوهم.