ما كنت أعرف ان تغييرات حدثت في الفترة الماضية في «قمة» مشروع نظافة العاصمة، أبعدت مدير مؤسس لمشروع، وأتت بآخر، إلا بعد ان قرأت مقالاً في باب «بشفافية»، للزميل الصديق حيدر المكاشفي، في الزميلة «الصحافة» بتاريخ 21 يونيو. وما عرفت ان قراراً آخر أصدره والي الخرطوم، أعاد بموجبه المدير المؤسس الى مكانه، إلا بعد أن قرأت المقال المشار اليه، وكان المقال أقرب الى المقال المشترك بين كاتب العمود المكاشفي، والأستاذة الصحافية سعاد الفاتح العبيد، التي بعثت برسالة لكاتب العمود. ولكن كنت أعرف، منذ أشهر، وأتابع كيف تغرق العاصمة، من أقصاها الى أقصاها، في الأوساخ، الى أن تحولت الى كوشة كبيرة، بمساحة ولاية، في مشهد انتكاسة سافرة لمشروع نظافة العاصمة، الذي بدأ في النصف الأول التسعينات، وقطع، لعدة اعوام، أشوطاً بعيدة، في إدخال أساليب وطرق جديدة، لإزالة النفايات عن الأسواق والأحياء والطرق الرئيسية، وبعض مرافق الدولة. ألغى المشروع نظام الكوش المعروفة المقننة، واستعاض عنها بسلال وأكياس كبيرة، وأنهى المشروع نظام حرق الكوش، وجاء بنظام رفع القمامة من أماكنها الى عربة تنقلها الى محارق خارج العاصمة، وأدخلت نظام الشركات بدلاً عن عمال البلدية، وتسكع الميري. وخلق المشروع نظام تنظيف الطرق والأسواق يومياً ليلاً أو نهاراً. بهذه الكيفية، استطاع المشروع أن يغير، لحد ما، وجه الكثير من الشوارع، وبعض الأسواق وقليل من الأحياء، كما خلق، لحد ما، ثقافة عامة تعنى بلم القمامة وتحضيرها لأخذها من أماكنها المحددة، وعرف الناس عربة النفايات، وتحققت درجة لابأس بها من الإلتزام بمواعيد رفع القمامة، وحصلت بعض استجابة لعملية تسديد رسوم القمامة شهرياً، إلا من بعض «طنطنة» مبررة في الغالب. ووُضع كل شىء في «الرف»، وضَرب المشروع «الدف»، فرقص الجميع: الناس والأسواق والشوارع، والمرافق. اختفى عمال النظافة، عن أماكن اعتاد الناس يراهم فيها،ولكن قد تراهم في شوارع يمر عبرها المسؤولون. وابتعلت الأرض سلال القمامة، أو تهالكت وتناثرت وذهبت مع الريح، وطارت الأكياس، واختفت عربة النفايات، وعادت الكوش الى عهدها الأول، ولكن بشكل عشوائي مزر: في كل مكان تجد كوشة، ولكل صاحب منزل كوشته الخاصة. تتشكل داخل المنزل، لأيام، بأمل وصول العربة ورفعها، وعندما لا تأتي العربة، يضطر صاحب المنزل الى تحريك الكوشة الى خارج المنزل، وتظل تتنامى يومياً: جوالاً وجوالين وكيساً وكيسين، فتنشأ المشكلة: ذباب وعفونة ومشاهد مقزية. مثلاً: لمدة اسبوعين لم تمر عربة القمامة على شارعنا، بالتالي بوسعك الآن ان ترى تلال الكوش مترامية أمام المنازل، وبوسعك ان تسميها، كما شئت. كأن تقول: «كوشة الفتيحاب»، على وزن «كوشة الجبل»، التي كانت. سيدي الوالي ربما لا تدري ان العاصمة قد فقدت تظافتها.إنفلت الامر. أنا لا أتحدث عن أمتار قليلة في «السنتر» .أتحدث عن الأحياء والأسواق والشوارع والازقة والعطفات والمصارف. والسبب ليس ضعف النظام المعمول به، وانما ناتج عن ضعف المتابعة من الأجهزة الولائية المعنية بالنظافة واصحاح البيئة، وعن غياب الجولات الميدانية لحكومة الولاية. يبدو انها،هنا، تدير الأمور من خلال التقارير المدبجة. الجولات الميدانية المستمرة، للوالي وحكومته، مطلوبة في مجال متابعة نظافة العاصمة. كان الملك حسين العاهل الاردني، يتابع بنفسه على مدى اليوم نظافة العاصمة عمان: أنظف المدن العربية، والثالثة على مستوى العالم.