كان عمر المقبول يستلقي هو ورفيقه السوداني في السكن في بريطانيا يأخذان قسطا من الراحة بعد ليلة سهر طويلة عندما انقلبت حياتيهما رأسا على عقب. فجأة اقتحم عشرات من رجال الشرطة المسلحين الشقة واجبروهما على الركوع على الارض في مواجهة الحائط واستجوبوهما كإرهابيين مشتبه بهما في بلدة برايتون الساحلية جنوبي لندن. سقط المقبول وصديقه شادي عبد القادر في شرك شرطة تبحث عن اشخاص ساعدوا الرجال الذين حاولوا تفجير حافلات وقطارات في لندن يوم 21 يوليو العام 2005 بعد أسبوعين من تفجيرات انتحارية في المدينة أودت بحياة أكثر من (50) شخصاً. جاء محمد كباشي صديقهما السوداني بحسين عثمان الذي كان من المفترض ان يكون من بين المفجرين الى شقتهما في احدى الليالي وكانت المرة الاولى التي يلتقيان به. وبقي ليلة واحدة ثم غادر. قال المقبول (23 عاما) من منزل عائلته في الخرطوم «ظننا انه مجرد زائر آخر.. أظهرنا حسن الضيافة المعتاد. «لم أكن لاصدق انه (كباشي) يمكن ان يفعل ذلك بنا..لقد عاملنا كمغفلين.» وبعد محنة استمرت نحو ثلاث سنوات برأ محلفون بريطانيون ساحة الشابين الشهر الماضي من التهم كافة ومن بينها عدم الإدلاء بمعلومات بموجب قانون الارهاب ومساعدة وتحريض مجرم. وأدين كباشي. ألقى المقبول نحيل الجسد الودود المضياف سيجارته في توتر على الطاولة وهو يتذكر في أول مقابلة يجريها مع وسائل الاعلام الاضطراب النفسي وجنون الاضطهاد الشديد الذي كان يعيش فيه. قال ان المحاكمة كانت هزلية فيما كان المحلفون طيبين. وخلف ذلك لديه شعورا بالغضب تجاه الحكومة البريطانية التي يقول انها تحاول ان تقيم دولة بوليسية وشعورا بالاعجاب بالشعب البريطاني. وأضاف المقبول الذي كان يدرس في كلية الهندسة قسم الكهرباء «الشعب البريطاني لا يعرف. الناس يخسرون الملايين من أموال دافعي الضرائب ومن أجل ماذا.. السياسة. «محاكمات الارهاب هذه ليست من أجل العدالة انها للتلاعب بالقانون لضمان صدور ادانات.» وقال انه وافق وصديقه على ان يكونا من شهود الاثبات للمساعدة في إدانة احد الذين كان يفترض ان يكون من بين المفجرين على وعد بعدم توجيه اي اتهامات لهما لكنهما خدعا. وأمضى المقبول وصديقه ستة أشهر في سجن بيلمارش الذي يخضع لاجراءات امنية مشددة في لندن مع عدد من أعتى المجرمين في بريطانيا. ثم خرجا بكفالة لكن تعين عليهما ان يظلا تحت المراقبة وان يستخدما جهازا للتتبع وان يمكثا في المنزل (12) ساعة ونصف الساعة يومياً وان يترددا على مركز الشرطة مرتين في اليوم. ورغم ذلك كانت الشرطة البريطانية تطرق باب منزل المقبول في أية ساعة من الليل أو تتصل به هاتفيا للتأكد من انه يلتزم المنزل. وفي بيلمارش كان يخشى ان يمارس شعائر الاسلام علانية. فبمجرد ان حاول هو وسجناء مسلمون آخرون الصلاة في ساحة السجن صاح الحراس ودفعوهم وجروهم الى زنازينهم. ويقول «تشعر باضطهاد شديد.. بهذه الطريقة يكسب الارهابيون..من خلال تأثيرهم على الشعب البريطاني. اذا كنت مسلما فانت ارهابي الآن.» واقترب المقبول من نقطة الانهيار لكن شعر ان عليه ان يتماسك من أجل اسرته لانه أصبح الابن الوحيد في عائلته بعد حادث مأساوي وقع لأخيه خلال فترة اقامته في بريطانيا. إذ أدت إنفجارات في شاحنة عسكرية كانت تنقل صواريخ في الخرطوم في ابريل العام 2007 وضرب صاروخ منزله إلى مقتل شقيقه الاكبر قاسم. وقال «لقد كان الامر مؤلما للغاية فلم يسمحوا لي أن أحضر جنازته لقد كنت محطما.» وقال ان المدعين البريطانيين كانوا يتظاهرون بالجهل مع كل رسالة الكترونية أو فاكس من محامي الدفاع الذين كانوا يطلبون الاطلاع على الادلة. كان 11 يونيو يوم النطق بالحكم في محكمة اولد بيلي الجنائية بلندن. وبعد ادانه ثلاثة من المدعى عليهم في اتهامات مماثلة بمساعدة اشخاص يستلهمون نهج تنظيم القاعدة وكانوا يعتزمون تفجير انفسهم قال المقبول انه لم يستطع التقاط انفاسه حتى سمع اخيرا الحكم ببراءته هو وصديقه عبد القادر. انسابت دموع الفرحة والراحة على وجهيهما لكن الكابوس لم ينته بعد. فبعد لحظات من مغادرة القاضي قاعة المحكمة وجد المتهمان اللذان برئت ساحتيهما نفسيهما في القيود مرة ثانية. لم يتم تجديد تأشيرة اقامتيهما واقتيدا الى مركز للاحتجاز حيث حبسا في زنزانة لمدة (23) ساعة في اليوم في انتظار ترحيلهما. ويقول «ان تتصور انك حر ثم تحتجز ثانية امر مرعب عقليا.» لا يستطيع المقبول ان يصدق انه وصديقه عادا الى الوطن الآن. ويقول «كنت احلم بان استيقظ في بيتي ولكني كنت استيقظ في السجن لذا من الصعب ان اصدق ان هذا لم يعد حلما.»